سيل الفتاوى والكارثة الكبرى
مقالات مختارة | عادل نعمان
الجمعة ٢٤ نوفمبر ٢٠١٧
لسنا فى حاجة إلى كل هذه القوائم للفتوى، سواء قوائم الأزهر، أو قوائم وزارة الأوقاف، أو قوائم دار الإفتاء، أو اندماج الفرق الثلاثة فى قائمة واحدة، وقريباً إن شاء الله قائمة السلفيين، حتى لا يصبح سوق الفتوى فى مصر متنوعاً ومربكاً، ويتوه الناس أكثر مما تاهوا فى العقود السابقة، بين متشدد ومتطرف ومتساهل ووسطى، وبدلاً من أن يجد المسلم ضالته ضلّ عقله وخرب ضميره، وأصبح قلبه كالحجارة أو أشد قسوة. هذا السيل من الفتاوى هو سبب كوارثنا ومصائبنا، ولم نسمع عن هذه السيول فى الستينات والسبعينات من القرن الماضى، وكانت أمور الناس تسير سيرتها الآمنة المطمئنة، بعضهم مع بعض مهما تباينت فرقهم ومذاهبهم، وبين غيرهم من أصحاب الديانات الأخرى، فلم نسمع يوماً عن تحرش سمج، أو اغتصاب أنثى أو نهب أموال الغير أو قتله، أو منع المسيحيين من أداء شعائرهم الدينية، بل كانت كل هذه الأديان تحت سقف واحد حر، حتى جاءتنا مؤامرة الوهابية لغزو هذا الوطن الآمن، وهى مؤامرة محبوكة ومنظمة، كان على أثرها ملايين الحجيج والمعتمرين من مصر ومن العالم أجمع تشد الرحال إليهم كل عام. تصدير هذه الفتاوى إلى مصر كان بغرض فرش مساحة التدين، لكنها قد غطت ربوع الوطن وطفحت، وطمست عقول الناس تحت طمى التشدد والإرهاب، وأصبحنا مستقبلين لسيل الفتاوى، فى انتظارها صباحاً حتى نخرج، ومساء حتى نخلد إلى النوم، ومن هنا جاءت الكارثة. وقبل أن نبدأ، لا بد أن نشير إلى أن الإنسان أسير ثقافته وتعليمه وبيئته، وتعاليم دينه أهم ركيزة، خصوصاً فى الدول التى يسيطر عليها الدين ويتغلب فيها على القانون، ولنأخذ مثالين، أولهما ظاهرة التحرش بالنساء، واستهانة الرجل بالمرأة، وكان لهذه الفتاوى السبق فى استهانة الرجل بالمرأة، وهوانها عليه، كما سنسرد (فهى ناقصة عقل ودين، وديتها نصف دية الرجل، ولا تخرج من بيتها إلا للضرورة القصوى، ولا تعمل إلا للضرورة المهلكة، ومنهىٌّ عن تعلمها الحساب والخط، والمرأة عورة، والنساء أعظم الناس إخباراً بالفواحش، وأكثر أهل النار، وشؤم كالحمار والدار، وتقطع الصلاة كالكلب الأسود، والمرأة والعبد أمرهما واحد، وشهادتها نصف شهادة الرجل، ويجوز للرجل ضربها وتأديبها وفى هذا تكريم لها، ومأكلها ومشربها مقابل الاستمتاع بها، فإذا تعذّر لأى سبب يمنع الصرف عليها وعلاجها أو دفع ثمن الدواء، ولا يحق لها كفن لانقطاع الصلة بها، وإذا تطيبت المرأة وخرجت من بيتها فقد زنت)، وغير هذا كثير، فإذا ما استقر فى وجدان الرجل فتاوى الفقهاء عن المرأة، هانت عليه، وتضاءل قدرها عنده، واستصغر مقامها، وقل احترامه لها، واستهان بها، فلما تحرش بها لم يكن أمراً مستهجناً عنده أو عند غيره.
نأخذ مثالاً ثانياً. حرق الكنائس والتعدى على المسيحيين ومنعهم من صلاتهم. نفس السبب، فإذا كان ما يسمعه من فتاوى على النحو التالى: «الكفار لا يملكون أموالهم شرعاً ولا يحق لهم التصرف فيها، أنفس غير المؤمنين وأولادهم وأموالهم غنيمة ومباحة للمسلمين، غير المؤمنين تجب عداوته وإن أحسن إليك، وجوب إهانة غير المسلم وإهانة مقدساته وتحقير كل ما عظموه من حجر أو شجر أو كنائس أو صلبان، فى حالة الاستضعاف لا نهينهم ولا نحتقرهم ولا نعتدى عليهم بل نحاكى سمتهم فإذا أصبحنا أقوياء وجب علينا إهانتهم وإهانة أديانهم ومقدساتهم، وجوب إذلال أهل الذمة، اليهود والنصارى ملعونون هم ودينهم، تخويفهم مصلحة، لا يمنع المسيحيون المسلمين أن ينزلوا كنائسهم فى الليل أو النهار، ولا يُظهروا على كنائسهم صلباناً، ولا يبنوا كنائسهم فى ديار المسلمين فلا قبلتان فى أرض واحدة، ولا تطاول بيوتهم بيوت المسلمين، ويضيّق عليهم فى الطريق حتى يسلكوا أضيقه، ولا تُرفع أصواتهم فى صلواتهم أو فى موتاهم، ولا يتشبهون بالمسلمين فى لباسهم، ويجزون مقدم الرأس، ولا يجوز تهنئتهم فى أعيادهم، وتُغلق محلات المسلمين فى أعيادهم حتى لا يساعدوهم على كفرهم، ولا يُقتل المسلم بكافر فى القتل العمد لأنه أنقص من المسلم بكفره، ولا تُقبل شهادته على المسلم»، وغير ذلك كثير، فإذا ما ترسخت كل هذه الفتاوى فى ضمير المسلم، واستعلى واستكبر وتغطرس واستقوى عليه، ظلمه وازدراه وحقّره وجار عليه، وأناخ الحكم لهواه فظلمه، فلا غرابة فى قتلهم، ولا عجب حين يمنعهم من إقامة كنائسهم، أو منعهم من دخولها أو إقامة صلواتهم وشعائرهم.
هذه القاعدة لو سحبناها على اضطهاد الشيعة والبهائيين وغيرهم، والتعدى على الصغيرات واغتصابهن، عرفنا أهم المحفزات لهذا، فإذا أضفنا إليه تردى التعليم والثقافة وغياب الردع المجتمعى والقانون، نكون قد عرفنا حجم المشكلة وبداياتها وأسبابها وطرق العلاج.. لا حل لها سوى أن نبدأ بمنع هذا السيل من الفتاوى المصاحب والحتمى لهذه القوائم المتعددة والمتباينة، ونعود من حيث كنا، وهى نقطة النهاية الصحيحة فى الستينات والسبعينات، نقطة ومن أول السطر كما يقولون، إذا عرفنا كيف نخط الخط.
نقلا عن الوطن