ما حدث في مصر من مهاجمة مسلحين متطرفين لمسجد صوفي، يعود الى سوء فهم كبير لمعنى التصوف في العالم الإسلامي، خاصة من جهة السلفيين. ومرد ذلك عاملين: اولا، جهل السلفية بالمعنى الروحي للصوفية، والأخذ بظاهر الأفعال، مثل التبرك بالقبور والأولياء ومسألة الكرامات. العامل الثاني هو أن بعض مدعي التصوف عززوا هذه النظرة عندما حصروا الصوفية في الأفعال لا الأفكار، وزادوا على ذلك أحيانا ببعض الدروشة. فكانت النتيجة أن أصبح التصوف، في نظر السلفيين تحديدا، لعنة لازمة في الجسد الإسلامي.
ليست الصوفية حركة مذهبية، او نظرية دينية، بل هي فكر قائم على جملة مبادئ مثل الإحسان والزهد والتسامح. ولعل مغالاتها في هذا التسامح هو ما جعلها هدف لإطلاق نار المتشددين عليها. فواحد من مبادئ الصوفية يرى ان الجنة ليستا حكرا على رجل يرتاد المساجد وقلبه مليء بالبغض والحسد، ويداه ملوثتنا بأموال اليتامى والمحرومين. بل هي الجنة من نصيب الفعل الصالح بصرف النظر عن دين صاحبه. لست في وارد تأييد هذا المبدأ او نقضه، بل هو مجرد مثل استدل به للتأكيد على ان مسألة الدروشة وتقديس الأولياء ليست من الصوفية في شيء، إذ هي فكر مطلق، ينزه النفس عن ملذات الدنيا. وإن كان هناك من يقدس أحدا، فليست الصوفية من تفعل بقدر ما يفعله ابناء المذاهب المتصادمة والمقدسة لزعاماتها السياسية على وجه الخصوص.
لقد أخذت السلفية موقفا متشددا من التصوف كرد فعل لخزعبلات بعض المدعين، دون ان تكلف نفسها عناء البحث في أوجه الفكر الصوفي الحقيقية، ودون ادراك ان عددا كبيرا من رجالات الإسلام كانوا من المتصوفة، ومنهم الإمام الغزالي صاحب كتاب "إحياء علوم الدين"، وجلال الدين الرومي، وصلاح الدين الأيوبي والقائد التركي محمد الفاتح. فهل كان هؤلاء يتبركون بالقبور ويمارسون ما ألصقته السلفية بالتصوف؟
لا أنكر ان هناك شيء من الشطط لدى بعض المتصوفة. مثل خلط ابن عربي ببن الكرامات والخيالات، وحتى ادعاءات الحلاج التي يؤكدها مؤرخون وينكرها آخرون. لكن الأول صاحب فكر كبير تجلى في عمله العميق "الفتوحات المكية". أما الثاني فقد عده البعض شهيدا وإن عده غيرهم زنديقا مارقا. إلا ان صلبه ومقتله جاء سياسيا اكثر منه دينيا، ذلك أن من بين صريح افكاره الصوفية رفض ظلم الحاكم إن طغى. ولعل اجمل وصف للصوفية هو قول الجنيد البغدادي، أحد كبار علماء السنة "أنها صفاء المعاملة".
لم يعرف عن أي متصوف انه قتل او فجر او قطع رأس أحد. بل هو على العكس من ذلك. فواحد من أهم مبادئ الصوفية يقول "أن الخير يطلب لذاته لا لجوائزه". فالخير وحده يسمو بالنفس ويقربها الى خالقها فتتجلى له المعارف السماوية النقية بعيدا عن الخزعبلات والدروشة.
لقد غالى البعض في تكفير الصوفية حتى اتهموا اتباعها بالزندقة والخروج عن الملة. ولست اعرف كيف يتهم بالزندقة من يدعو الى تطهير القلب والنفس؟ ورغم دعوات الإنفتاح والتسامح مع الأديان الأخرى الذي ينادي به عدد كبير من الدول الإسلامية اليوم، إلا انها تتحاشى ذكر الصوفية وكأنها دين منشق او فكر ضال لا مجال للتسامح معه. وفي يقيني أنه إن كان هناك من فكر علينا شرح معانيه للناس، فهو معنى التصوف الذي ليس هو في النهاية سوى حب الخير لذاته ومن أجل الجميع.
نقلا عن إيلاف