الأقباط متحدون - حارسٌ للمسجد.. حارسٌ للكنيسة.. فتّش عن البغضاء
  • ٠٣:٥٤
  • الأحد , ٢٦ نوفمبر ٢٠١٧
English version

حارسٌ للمسجد.. حارسٌ للكنيسة.. فتّش عن البغضاء

مقالات مختارة | بقلم : فاطمة ناعوت

٥١: ٠٩ م +02:00 EET

الأحد ٢٦ نوفمبر ٢٠١٧

فاطمة ناعوت
فاطمة ناعوت

 قال أحدُ الأطباء الفلاسفة لمريض، عجزَ الطبُّ عن تشخيص مرضه: «الحبُّ علاجُ جميع أمراض البشر»، فسأله المريضُ: «وماذا لو لم ينجحِ الحبُّ فى علاج المرض؟»، أجابه الحكيمُ مبتسمًا: «ضاعِف الجرعة».

لهذا هم مصابون بمرض عَصِىٍّ على كلّ ألوان العلاج الأمنىّ والسياسىّ والأخلاقىّ. لأن رصيدهم من الحب يساوى «صفرًا». غيابُ الحبِّ أصلُ كلّ شرور العالم. عن الإرهابيين الأشرار أتحدث دون شك. الإرهابيون الذين يُفجّرون الكنائس والمساجد ويمتلكون جحودَ القلب الذى يقتل إنسانًا يقول: «اللهُ ربّى»، وهو يرفع يديه للسماء يناجى ربَّه، لا تطرفُ عيونهم وهم يرون أجسادَ الأطفال النحيلة تتهاوى مُضرجةً فى الدم فى صحن كنيسة أو مسجد، قبل أن يدرك أولئك الأطفالُ أن شيئًا شريرًا ينتظرُ حَتفَهم عند بابٍ مقدس، دخلوه ينشدون ذِكرَ اسم الله، ولن يخرجوا منه إلا جثامين فى نعوش. الإرهابيون يكرهون الجميعَ دون استثناءات، وفى الأصل لا يحبّون أنفسَهم، فمَن يكره الناسَ، بالضرورة يكره نفسَه، فالكراهيةُ مرضٌ يجعلُ الإنسانَ يأكل مَن حوله، ثم يتحوّل إلى نفسه يأكلها. البغضاءُ هى غذاء الإرهاب. لهذا، فإن محاربة الإرهاب لا تبدأ إلا بمحاربة غذائهم: البغضاء. والبغضاءُ، بكل أسفٍ، تسكن الكثيرَ مما يُسمى: «كتب التراث». وأنا لا أُسمّى كلَّ ما يخالف قيمَ: الحق والخير والجمال والعقل، من أمور السلف: «تراثًا»، بل هو «موروثٌ». وثمّةُ فارقٌ هائل بين «التراث» وبين «الموروث»، أوضحتُه فى مقالات سابقة، وأوجزه هنا قائلة: إن «الموروث» هو كل ما ورثناه عن السلف، بحُلوه ومُرّه، جادِّه وهزلِه، عادِله وظالِمه، عاقلِه وأحمقِه. وأما «التراث» فهو العاقلُ المتزنُ الرصينُ المنطقىُّ الجادُّ النقىُّ الطيبُ من «الموروث»، فيا تُرى مَن ذا يُمارى فى وجوب تنقية «التراث» من مخلفاتِ «الموروث» الضّالة المُضلّة المُضلّلة؟!، مَن له مصلحة فى العنف والقتل والدمار والويل؟!.

 
فى مقالات سابقة، أعلنتُ بحزن أننى أتأذّى كلما مررتُ بكنيسة فى بلادى وشاهدت جنديًّا يحرسها. لأن وجوده يُشير لى بإصبع الاتهام!. وجوده يعنى أن بيننا، نحن المسلمين، إرهابيين يكرهون أن يُرفَعَ اسمُ الله فى بيوت الله، مهما اختلفتِ العقائدُ. وكنتُ أشعر بالحزن الممزوج بالغِبطة، ولا أقولُ: الحسد، حين أزورُ دولة الإمارات ولا أجد حارسًا على الكنائس، ولا حتى على المعابد البوذية والهندوسية هناك. غيابُ الحارس عن دور العبادة يعنى أن تلك الدور غيرُ مهددة، يعنى أن ذاك المجتمعَ متحضرٌ، فهل مصرُ يُعوِِزُها التحضّرُ؟!، يا أسفى!.
 
واليومَ، بعد مذبحة مسجد «الروضة» بقرية «بئر العبد»، شمال سيناء، وسقوط أكثر من ثلاثمائة شهيد من المسلمين الصوفيين، من بينهم أطفال، صار من المحتّم زراعةُ جندى لحراسة المساجد، أيضًا!، نحن إذن نتراجع أخلاقيًّا وحضاريًّا. تبدّد اليومَ رجاؤنا أن يختفى حارسُ الكنيسة، بعدما أُضيف إليه حارسُ المسجد!، رجاؤنا اليوم هو اختفاءُ «البغضاء» من «قلب» مجتمعنا الذى تعلّم الجحود بليلٍ. البغضاءُ هى عدّونا الأول، وهى الحائل بيننا وبين الحياة. علينا أن نعمل على انتزاع جرثومة الكراهية من قلوب النشء الجديد، فالإرهابىُّ المتطرف لا يبغضُ المسيحىّ ولا البهائىّ ولا اليهودى، وفقط، إنما يكره السنىَّ المعتدل، ويكره الشيعىّ، ويكره الصوفىَّ، لأنه ببساطة يكره «الإنسان».
 
أيها الأزهر الشريف، انصُرِ الإسلامَ وارفعْ هامتَه عاليًا، بأن تُنقّى ثوبَه من دنس الإرهاب. نُصرة الإسلام تبدأ وتنتهى بتنقية «الموروثِ» من كل شائبة عنف ودماء وبغضاء. نُصرة الإسلام هى محو كل ما ألصقه به بعضُ السلف غير الصالح من ممارسات التكفير والقتل، حتى لا نُفرّخ أجيالا جديدة من السفاحين، ينتسبون، بكل أسف، لى ولك، ولكل مسلم فوق الأرض. أربأُ بالأزهر الشريف أن يقفَ فى خانة واحدة مع المتطرفين حين تهدمون الإسلام، معهم يدًا بيدٍ، بدفاعكم المستميت عن موروث دموى بغيض، نحاول نحن أن نمنع العمل به لصالح الإسلام ولصالح الإنسانية.
 
للمرة الألف أُعلنُها بكل اطمئنان، أن معول وأد الإرهاب فى يد الأزهر الشريف، إن أراد، قبل أن يكون فى يد الملف الأمنى والعسكرى.
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع