الأقباط متحدون - آفة التكفير وجرائم المكفراتية
  • ٢١:٣٢
  • الاربعاء , ٢٩ نوفمبر ٢٠١٧
English version

آفة التكفير وجرائم المكفراتية

مقالات مختارة | د. عماد جاد

٤٦: ١٠ ص +02:00 EET

الاربعاء ٢٩ نوفمبر ٢٠١٧

د. عماد جاد
د. عماد جاد

قرابة أربعة مليارات إنسان على وجه الأرض لا يتبعون الديانات الإبراهيمية من يهودية ومسيحية وإسلام، يتبعون ديانات محلية أو أرضية كما نسميها، وكما قلنا سابقاً إن الحروب الكبرى فى العالم والأكثر عنفاً ودموية تلك التى دارت داخل الديانات الإبراهيمية وفيما بينها، ومن ثم فإن الغالبية الساحقة من الضحايا الذين سقطوا منذ ظهور الديانات الإبراهيمية سقطوا بفعل النزاعات والصراعات المذهبية داخل هذه الديانات ثم الصراعات فى ما بينها، وأخيراً دار التاريخ دورته الثانية وبات الصراع داخل هذه الديانات. خُذ بداية على سبيل المثال عدم اعتراف أىٍّ من هذه الديانات ببعضها البعض، فالمسيحية والإسلام تعترفان باليهودية، لكن كلاً منهما يقبل بتجاوزها، والمسيحية بحكم جوهر الإيمان بنزول الإله المخلص لا تعترف بالإسلام على أساس أنه لا رسل ولا أنبياء بعد نزول المخلص، والإسلام يتعرف باليهودية، لكنه يؤكد تجاوزها باعتباره الخاتم، ويعترف بالمسيحية وفق رؤيته طبيعة المسيح باعتباره نبياً من الأنبياء بالمخالفة لجوهر الإيمان المسيحى، ويقول أيضاً بتجاوز المسيحية لأنه الدين الخاتم.

وداخل كل ديانة من هذه الديانات الثلاث اندلع الصراع، وظهر التكفير ونشبت الحروب، فداخل اليهودية هناك أتباع لأسفار موسى فى التوراة، وهناك من يتبع أسفاراً أخرى، هناك صراع بين اليهود الأرثوذكس أو الحريديم أو المتشدّدين واليهود المعتدلين، هناك صراع بين اليهود الغربيين -الأشكيناز- ويهود الشرق -السفارديم- ويكفر يهود الغرب يهود الشرق، ويحرّمون الزواج منهم أو نقل دم اليهودى الغربى -الطاهر- إلى اليهودى الشرقى -الزنديق- ولا يزال الصراع قائماً حتى اليوم فى إسرائيل، وهناك جماعة يهودية لا تعترف بدولة إسرائيل -وهى جماعة ناطورى كارتا أو حراس المدينة- الذين يعتبرون إسرائيل دولة باطلة، لأنها نشأت بموجب إرادة بشرية دون مشيئة إلهية، فإسرائيل سوف تُنشأ على يد المسيح المخلص الذى لم يأتِ بعد.

داخل المسيحية الصراع كان أكثر حدة ودموية على اعتبار أن المسيحية توسّعت وانتشرت بفعل أنها ديانة تبشيرية بعكس اليهودية التى هى ديانة مغلقة لا تقبل غير اليهود، لذلك لا يتجاوز عدد اليهود فى العالم أربعة عشر مليوناً فقط لا غير، أما المسيحية فقد اقتربت من المليارين، فى القرن الرابع ظهر الخلاف حول طبيعة السيد المسيح وانقسمت المسيحية إلى طائفتين، كاثوليكية وأرثوذكسية، واندلع بينهما صراع دموى، ثم انقسمت الكاثوليكية وخرجت منها البروتستانتية قبل خمسة قرون، واندلعت بينهما الحروب الطاحنة. ولم يختلف الأمر كثيراً داخل الإسلام فقد اندلعت الحروب والمعارك وانقسم المسلمون إلى سنة وشيعة وطوائف أخرى صغيرة، دارت بينهم الحروب الطاحنة، التى نشهد اليوم فصولاً منها فى العراق، وسوريا، واليمن، والبحرين، وبين السعودية وإيران وداخل باكستان وأفغانستان.

داخل هذه الأديان وجد من يدّعى أنه ممثل الله على الأرض، ظهرت نظرية الحق الإلهى فى الحكم، ونظرية خليفة الله على الأرض، وجمع الحاكم بين السلطتين الدينية والدنيوية، وأصدر أحكامه على البشر بالهرطقة والزندقة والكفر، فكان الموت هو العقوبة، وتفنّنوا فى طرق الموت ما بين قطع الرقبة والحرق حياً، وفى الوقت نفسه تربّحوا من هذه العقوبة عبر منح صكوك الغفران وبيع أجزاء من الجنة. فى مراحل تالية جرى اقتسام الغنائم بين رجال السياسة ورجال الدين، فرجل الدين أو العالم يُفتى بكل ما يريد الحاكم، يُخدّر له الشعب ويحوّله إلى عجينة طيّعة فى يد الحاكم لقاء ممارسة السلطة والنفوذ والحصول على ذهب الحاكم، والحاكم يمنحه الذهب والسيطرة الروحية على الشعب.

الدول التى تقدّمت وسارت على طريق التحضّر فصلت الدين عن الدولة، وأبعدت رجال الدين عن السياسة، وقالت إن الشعب هو مصدر السيادة ونفوذ رجل الدين روحى فقط على الأتباع، وعلى نحو فردى داخل دور العبادة، ومن ثم انتهى الدور التكفيرى واختفى المكفراتية، هذا بعكس الحال فى دولنا التى لم تفصل بين الدين والسياسة، بل تخلط بينهما عن عمد، وهناك من يؤمن بالدولة الدينية والمهام الدينية للدولة، ومن ثم يظل التكفير قائماً، ويتكاثر المكفراتية الذين يقدّمون المبرّر الشرعى للجماعات الإرهابية بممارسة أعمال القتل، بل وارتكاب المجازر الجماعية، ما نشهده اليوم زحف المكفراتية خارج أرضية الدين إلى مقاومة العلوم والفنون والإبداع، وطال تكفيرهم العاملين بهذه المجالات والمبدعين والفنانين، هذا ناهيك عن المهمة اليومية وهى تكفير المغاير الدينى والطائفى، كما يحدث فى بلادنا اليوم، التسامح مع تكفير المغاير الدينى والطائفى هو المقدمة المنطقية لظهور جماعات تكفر المجتمع ككل وتمارس القتل على المشاع، فالجميع فى نظرهم كافر، وقتله نوع من الجهاد.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع