الأقباط متحدون - لا تقحموا الأديان في صراع المصالح والنفوذ (2)
  • ١٩:٥٢
  • الخميس , ٣٠ نوفمبر ٢٠١٧
English version

لا تقحموا الأديان في صراع المصالح والنفوذ (2)

مقالات مختارة | مي عزام

٢١: ٠٥ م +02:00 EET

الخميس ٣٠ نوفمبر ٢٠١٧

مي عزام
مي عزام

(1)

الإسلام متهم!! والمسلمون يحاولون تبرئة دينهم، والزعماء العرب المسلمون يشعرون بالحرج ويتوعدون بحرب شرسة على الإرهاب وقطع عنق التطرف والعودة إلى الإسلام الوسطى السمح. رغم أن العالم العربي الإسلامي هو الضحية الأولى لهذه الموجة الإرهابية، لكننا نجد من يروج بأن هذه الموجة الإرهابية هي تجلى لصراع حضارى بين الشرق المسلم والغرب المسيحى.

في مقالي السابق نوهت عن كتاب «عالم بلا إسلام» للكاتب الأمريكى جرايهام إي. فولر، والكاتب في كتابه يحلل فرضية هذا الصراع الحضارى وينفيها قائلا: «يمكننا تقديم إشارات وشواهد جلية تثبت وجود قلاقل وثورات جيوبوليتيكية غائرة تضرب بأطنابها في علاقات الشرق الأوسط بالغرب، قبل الإسلام، بل يتعدى الأمر ليسبق ظهور المسيحية أيضا. وقد أسهمت كوكبة من العوامل المتباينة الأخرى بقوة في نشأة العلاقات بين الشرق والغرب على امتداد ردح طويل من الزمان، لعل أهمها المصالح الاقتصادية والجيوبوليتيكية، وصراعات القوى والنفوذ فيما بين الممالك الإقليمية، فضلا عن الصراعات الإثنية والنزعات القومية، بل تعدى الأمر ذلك ليصل إلى صراعات مستعرة في نطاق المعسكر المسيحى ذاته- وتعطى الشواهد السابقة جميعها إشارات بالغة الدلالة على التنافس المحموم بين الشرق والغرب، والمواجهات فيما بين الطرفين والتى تكاد تكون واهية الصلة بالإسلام»، إن لم تكن منبتة عنه تماما. في تتبعنا للعلاقة بين الغرب والشرق الأوسط ومجريات أحداثها عبر الزمن، نجدها تبوح بأسرار وتفسيرات بديلة دامغة لجذور الصراعات التي يشهدها عالم اليوم، والتى غالبا ما نعزوها، بقدر بالغ من التبسيط، إلى «الإسلام». وفى هذا الإطار، لا يتطلب الأمر دراية عميقة أو معرفة دقيقة بالشرق الأوسط لإدراك كون العلاقات الحالية التي تربط الغرب- وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية- بالشرق الأوسط، على قدر من الانحراف ينذر بالخطر.

(2)

يشير الكاتب إلى ماذهب إليه «صموئيل هانتنجتون» في إشارته إلى «الحدود الدموية للإسلام»، والتى ساقها في كتابه «صراع الحضارات»، فيقول: عن أي شىء نتحدث هنا؟ العلاقات الباهرة فيما بين الإسلام من جهة وأربع من الحضارات العظمى، والتى كان الإسلام وثيق الصلة بها عبر آجال ممتدة، وهى: أوروبا الغربية، وروسيا الأورثوذكسية، والهند الهندوسية، والصين الكونفوشيوسية. وفى كل من تلك العلاقات على حدة، توصل الإسلام والحضارة المعنية إلى أوضاع توافقية ذات طبيعة متشعبة ومتجددة، كذلك تم التلاقح فيما بين تلك الحضارات. وتبرز تلك الحضارات صورة أكثر دقة عن الكيفية التي أدار بها المسلمون بالفعل تعاملاتهم مع الحضارات والأديان الأخرى.

(3)

وأعود إلى «فولر» الذي يقول في كتابه: الأزمة الراهنة في العلاقات ما بين الشرق والغرب، أو ما بين «الغرب» و«الإسلام» لا يربطها بالدين إلا رابط يسير غير ذى بال، في حين تجد جذورها وينبع زخمها من الصدام السياسى والثقافي، وكذا تعارض المصالح والتنافس المحموم. إذا خلصنا إلى أن الدين ليس العامل الحاسم والأساسى في المشاحنات الحالية، تكون الفرصة مهيأة لبحث تلك المشاكل، بل والتوصل إلى حلول ناجحة لها أيا ما كانت درجة تشابكها وحدة وطأتها. إننا نحيا في زمن ينحو فيه التفكير العقلانى العلماني، وبقوة، إلى نبذ ظاهرة «الدين» باعتباره عنصرا مهجورا تجاوزته الأيام، ويعد مصدرا للكراهية والشنآن والحروب والصراعات العنيفة في أسوئها. وقد أفزعت «الصحوة الدينية» العديد من الغربيين حين بدا الدين أكثر مضاء وأشد خطرا على نحو لم يعهد من قبل، وهو أمر له نصيب من الحقيقة، وإن كان جوهر القضية ليس ما يمثله الدين من خطر في حد ذاته، وإنما «التفكير الدوجماطيقي». فالأهوال والمآسى التي شهدها القرن العشرون لا ترتبط أو تجد جذورها في أي ملمح دينى أو أي عامل عقائدى: حربان كونيتان، فرانكو، موسوليني، هتلر، لينين، ستالين، ماو تسى تونج، بول بوت، رواندا، مصرع مئات الملايين من البشر، ارتبط ذلك كله بأنظمة علمانية بل وملحدة اعتنقت أفكارا دوجماطيقية قامت بتنفيذها بصرامة ووحشية دون اعتبار لفداحة العاقبة.

(4)

«الدين» يتم التحدث عنه بشتى الألسن، ويتم توظيفه لأهداف كثيرة منها الصالح والطالح. والإسلام لم يكن يوما دينا معوقا للتقدم والتحضر، بل العكس، ومن هنا تأتى أهمية كتاب «عالم بلا إسلام» الذي يحاول أن يصل إلى جذور الخلاف والصراع، وكيفية حل التعارض بين مصالح الغرب ومطامعه وطموحات الشرق ومخاوفه.. بعيدا عن الزج بالإسلام في كل ذلك.

أستكمل معكم عرض الكتاب في المقالات القادمة بإذن الله.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع