أول رئيس لمصر يجاهر بالتصدى للإرهاب
مقالات مختارة | حمدي رزق
الخميس ٣٠ نوفمبر ٢٠١٧
سطور مهمة حوتها رسالة دكتور فؤاد عبدالمنعم رياض، القاضى بالمحكمة الدولية لجرائم الحرب سابقا، تستأهل توقفا وتبينا لموقف الدولة من الإرهاب.
يقول الدكتور فؤاد: «لا مفر من الاعتراف بأن الإرهاب الحالى المتستر بالدين لم يأت من فراغ، إنما هو ناجم عن نصف قرن على الأقل من عدم التصدى للإرهاب، بل على تشجيعه أحيانا. وسيشهد التاريخ أن أول رئيس لمصر يجاهر بالتصدى للإرهاب بقوة حاسمة إن لم يكن بالقوة الغاشمة المضاهية لقوتهم هو الرئيس عبدالفتاح السيسى.
وقد استغل الإرهابيون المتسترون بالدين سكوت الدولة، بل تشجيعها أحيانا، لنشر دعوتهم بمختلف الوسائل، من إعلامية وتعليمية لاقتحام عقول البسطاء وكذلك فئة لا يستهان بها من الشباب بكافة أنحاء إقليم مصر.
وإذا كانت هناك فئات من الشعب المصرى قد ضلوا الطريق تحت تأثير قوى الإرهاب الدينى واعتنقوا نفس الفكر الذى دعا إلى تكفير أصحاب الديانات الأخرى، بل تكفير أصحاب الفكر المتنور. وقد دفع ذلك الدولة إلى ملاحقة أصحاب هذا الفكر المتنور بدلا من الضرب بيد من حديد على يد قوى الإرهاب، فهذا أمر يثير الدهشة والبحث عن السبب الذى قد يمكن الوصول له بقليل من التأمل فى توازن القوى داخل الوطن.
ومن المحزن أن وسائل الإعلام، خاصة المرئى منها، وكذلك دور التعليم، لم تكُفَّا رغم كل الدماء السائلة على أرض مصر الآن عن الدعوة للفكر الإرهابى المتطرف، غير عابئين بالآثار المدمرة على دعم السلوك الإرهابى. فمازلنا نشهد بعض كبار رجال الدين، من رجال ونساء، يواصلون الدعوة علنا لممارسة جريمة التكفير لغير المسلمين، بل الحث صراحة على قتل أى مواطن أو مواطنة إذا ما خالف الفكر المتطرف أو خالف أسلوبهم الإرهابى. ولم تستطع الدولة حتى اليوم القضاء على الإرهاب الفكرى والدينى الذى يؤكد شرعية التكفير والقتل صراحة.
وقد وقفت الدولة عاجزة عن مواجهة أصحاب الفكر الإرهابى فى نشر دعوتهم وتأكيدهم على شرعية التكفير والقتل، إعمالا لتعاليم دينية ضالة، بل هناك من يصدر ويطبق قوانين مثل قانون ازدراء الأديان الذى من شأنه سجن كل من عبّر عن رأى مخالف لتفسيرات دينية ضالة عفا عليها الزمن. هذا فضلا عن الشروع فى وضع نصوص قانونية تقضى بمعاقبة كل من يمس أفرادا بأعينهم، تم فرضهم اعتباطا على الشعب كرموز دينية أو تاريخية مقدسة. كذلك من نماذج ترحيب الدولة بفكر الإرهاب سماحها لأصحاب هذا الفكر برفع الدعاوى الكيدية ضد من يسعى لإرساء جذور الدولة المدنية الحديثة، بل الحكم لصالح رافعى هذه الدعاوى الكيدية بدلا من الحكم عليهم ومنعهم من مطاردة أصحاب الفكر المتنور.
ومن البديهى أن كل ذلك كان ولايزال من شأنه إلغاء عقول المواطنين كى يلتزموا برأى أهل السلطة الدينية أو السياسية دون مناقشة أو اعتراض. غير أنه فات سلطات الدولة عند تقريرها لسياسة حظر التفكير والتعبير الحر لأصحاب الفكر أن من شأنه إعداد أبناء مصر كذلك كلقمة سائغة للاستجابة للأفكار التى يدعو إليها الإرهابيون تحت ستار الدين الذى يقدسه المجتمع بأسره.
نعم.. إن مقاومة الإرهاب فى الآونة الحالية يتطلب تدخل القوة العسكرية إلى أقسى الدرجات، غير أن ذلك لا يحسم الأمر على المدى الطويل الذى يتعين فيه تحصين عقول كل أبناء مصر ضد أفكار الإرهاب الهدامة، التى أغوت شبابا من عديد من الدول للانضمام لصفوف الإرهابيين الدمويين.
ولتحصين عقول أبناء مصر ضد الانجذاب للإرهاب المتستر بالدين، وتسليحهم بالفكر المتنور المضاد لهذا الفكر، فإن العبء لا يقع فقط على قوة الدولة من عسكرية وأمنية، بل يقع كذلك على كل أفراد ومؤسسات المجتمع المدنى. ومن ثم فإنه يتعين قيام كل المثقفين ورجال الدين المتنورين بدور مهم. ولكى تكون لهذا الدور فاعلية حقيقية فإنه يتعين على أصحاب العقول المتنورة، بل كل مثقفى مصر اللجوء إلى أسلوب يمكّنهم من نقل أفكارهم إلى القاعدة الشعبية بطريقة فعالة ومبسطة، وعدم الاكتفاء بالحوار داخل دائرتهم المغلقة فى عزلة عن القاعدة الشعبية التى تمكن أصحاب الفكر الإرهابى باسم الدين من اختراقها دون مقاومة فعلية.
وقد حان الوقت كى تفتح الدولة الباب على مصراعيه لأصحاب الفكر المتنور كى يسهموا فى محاربة الإرهاب الدينى الدموى بنشر أفكارهم، دون خشية أى ملاحقة من جانب الدولة أو من جانب سلطة دينية، إذ إنهم لاشك سلاح مصر الأمثل على المدى الطويل ضد هذا الإرهاب المدمر».
نقلا عن المصري اليوم