رسالة إلى حواريي الفريق شفيق
مقالات مختارة | عبدالرحيم علي
السبت ٢ ديسمبر ٢٠١٧
عقارب الساعة لا تعود إلى الوراء أبدا، هكذا علمتنا حوادث التاريخ، فلا يمكن عبور النهر، من نفس النقطة، مرتين؛ لأن المياه لن تكون ساعتها هي نفس المياه، هل كان الفريق أحمد شفيق يعي تلك الحقيقة البسيطة والمبسطة، عندما قرر المجازفة بالإعلان عن خوضه انتخابات رئاسة الجمهورية لعام ٢٠١٨، بالشكل الذي جرى؟ أعتقد أن الإجابة بالقطع لا.
الرجل ما زال يعيش عند لحظة تاريخية بعينها، عندما أعلن رئيس اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية فوز الرئيس الجاسوس محمد مرسي العياط بواحد وخمسين بالمائة من الأصوات مقابل حصول الفريق أحمد شفيق على تسعة وأربعين بالمائة، نتيجة مشكوك في أمرها حتى تلك اللحظة، إضافة لما شابها من تزوير فاضح لصالح المرشح الإخواني، شهد به القاصي والداني، لم تبرح ذاكرة الفريق شفيق تلك اللحظة، ظل مسكونًا بها، حبس فيها نفسه طوال كل تلك السنوات، دون أن يعي أو يحاول أن يعي حقيقة أن مياهًا كثيرة جرت في النهر، منذ أن ترك مصر في غيبة طويلة، استضافته فيها دولة الإمارات استضافة الكرماء، كنت شاهدًا على ذلك، بل ومشاركًا فيه منذ اللحظة الأولى، أقول هذا ردًا على بعض حوارييه، الذين راحوا يشيرون من بعيد إلى فضل الفريق عليّ، متجاهلين حقائق لا يمكن للفريق نفسه نكرانها، حقائق تؤكد أنني أول من فتح له قنوات اتصال مع الإماراتيين، ثم كان ما كان بعدها، وهي أحداث وأيام أرجو أن تتاح للفريق فرصة ليحكي عنها لحوارييه ويخبرهم إن كان له فضل عليّ، كما يدعون أم لا.
كنت منذ اللحظة الأولى مشاركًا للفريق شفيق في حملته الانتخابية لعام ٢٠١٢، وما لا يريد الفريق الاعتراف به أو سماعه أن حملته الانتخابية لم تكن حملة عادية كأي مرشح للرئاسة، ولكنها كانت حملة لمرشح الأمة المصرية في مواجهة الإخوان المدعومين من كل أعداء الأمة المصرية، آنذاك، وبدون أن أهتك ستر أسرار، لم يأن أوان إذاعتها بعد، فإن القاصي والداني، خاصة المقربين جدًا من الفريق، آنذاك، وهم قلة يعدون على أصابع اليد الواحدة، ومعروفون بالاسم، يعلمون علم اليقين أنها كانت حملة أمة بكاملها، مسلمين ومسيحيين، صعايدة وبحاروة، كافة أطراف المجتمع المصري، كانت تدعم الفريق شفيق وتعمل لصالحه وتستميت من أجل إنجاحه، واسألوا الجميع، وفي مقدمتهم الجنزوري واللواء محمد إبراهيم، وزير الداخلية آنذاك، وآخرون ما زالوا على قيد الحياة، جميعهم يستطيعون رواية ما شاهدوه بأنفسهم، يكفي أن أقرر أن عائلات بكاملها في الصعيد وبحري فتحت بيوتها للحملة، باعتبار أن خيار شفيق هو خيار الحياة والموت، وهكذا أيضا فعل رجال الأعمال والسياسيون المحسوبون على الحزب الوطني ورجال دولة من الطراز الأول، إضافة إلى الإعلام.
اصطفاف لم تشهده مصر من قبل في معركة مصيرية، خلف رجل دولة كل علاقته بالسياسة أنه كان وزيرًا في حكومة الرئيس مبارك، ويعلم الفريق شفيق -قبل غيره- أنه لم يكن له ليخوض تلك الانتخابات في عام ٢٠١٢ قبل أن يستأذن، هو من قال ذلك في أكثر من حديث تليفزيوني -معي ومع غيري- عندما أكد أنه ذهب للمشير حسين طنطاوي واستأذنه في خوض الانتخابات الرئاسية، إن لم يكن لديه مانع، وأن المشير رد عليه بالحرف "وهتيجي منين الموانع يا أحمد"، ولكن الفريق ألح مرة أخرى إن كان أحد من أعضاء المجلس العسكري يريد خوض تلك الانتخابات أو لو أن المشير لديه تحفظات محددة عليه، فإنه سوف يلغي الفكرة على الفور وفي هدوء، قال الرجل ذلك في أكثر من حديث تليفزيوني للتدليل على انضباطه العسكري، وأن ترشحه لم يكن من خلف المشير أو المجلس العسكري، أو تحديًا لأحد -كما يشيع حواريوه- كانت تصرفات الفريق شفيق تصرفات رجل ملتزم كلاسيكي يعرف حدود تصرفه حتى وهو يعلم أن معه نصف المصريين، وأن الإخوان قاموا بتزوير الانتخابات، كان أول تصرف قام به هو تهنئة الجاسوس محمد مرسي العياط، في لحظة كان الواجب فيها عدم الاعتراف لهم بالانتصار قبل النظر جديًا في الطعون المقدمة، وهذه أحداث سنأتي على ذكرها في حينها ووقتها، لنشرح لحواريي الفريق ماذا
جرى، وكيف حزم الفريق أغراضه ورحل، ومن توسط في الرحيل وأعد العدة له؟
لكن السؤال الملح، الآن، ما الذي جرى تحت السطح طوال تلك السنوات الخمس أو يزيد، ما الذي جعل الرجل الملتزم والمنضبط يخرج عن التزامه وانضباطه، بل ويعض اليد التي امتدت له بالخير، ويسيئ إلى من أمنوا روعه وأكرموه، ويقول فيهم ما قال مالك في الخمر؟ دعونا نقرأ ما بين السطور لعلنا نصل إلى تصور أقرب إلى المنطق منه إلى التخمينات السابحة في الفراغ، فجأة وبدون سابق إنذار ورغم علم الفريق شفيق أن الـ١٢ مليون صوت، التي حصل عليه، هي أصوات أنصار الدولة المصرية في مواجهة الإخوان، إلا أنه راح يذكرها عند كل اجتماع بمجموعة تأتي إليه في الأشهر الأخيرة للتدليل على أنه لديه ما يساوم به، ملوحًا في كل مرة بتفكيره في خوض الانتخابات الرئاسية دون أن يعطي إجابة واضحة أو صريحة، فلما لم يجد آذانًا صاغية من نظام السيسي، الذي أكد رئيسه أنه لا يدين لأحد بدين، راح الفريق شفيق يلعب لعبة المساومة مع الآخرين في محاولة للفت الأنظار، ربما تبدأ مساومات من أي نوع، فالرجل ليس من ضمن أهدافه بالفعل، وهذا تحدٍ مطروح عليه وعلى حوارييه، ليس من ضمن أهدافه أن يأتي إلى مصر أو يخوض بالفعل انتخابات جدية، رغم اتفاقه مع الإخوان والقطريين، هو أذكى بكثير من أن يخوض انتخابات مسمومة بهذا الشكل؛ لأنه يعرف نتيجتها مسبقًا، وقد خبر الشعب المصري وأنصار الدولة في لحظات الحسم كيف يكونون، هو مستوعب جيدًا للتغييرات الكبرى، التي حدثت في فترة غيابه، ويعلم جيدًا من أين جاءت الـ١٢ مليون صوت، مستوعب أن الوقت غير الوقت والظروف مختلفة، لكن.. فكرة المساومة تملأ رأسه، فكرة الانتقام حتى ولو كان على جثث المصريين.
تغير الرجل، ربما لم يحتمل أن يعيش خارج إطار السلطة، ربما شعر بالمهانة ككثيرين اعتقدوا أن لديهم دينًا في رقبة عبدالفتاح السيسي، يجب عليه أن يرده إليهم في صورة مناصب أو تقديرات معنوية في أقل تقدير، قالها الفريق بكل وضوح في أكثر من حديث تليفزيوني، وربما كان محقا، آنذاك، أنه كان يعتقد أن هناك من سيتصل به بعد ٣٠ يونيو، ويطلب منه أن يأتي ليحتفل معهم بالانتصار، ولكنّ الآخرين كان لديهم منطقهم، أين كان الفريق شفيق والجميع يعد العدة، ويتحمل ما لا يطيق لإزاحة الإخوان عن سدة الحكم؟!
وأصارحكم القول.. فقد كنت أعتقد -لفترة قريبة- أن الفريق شفيق لا يمكن أن يكون من هؤلاء، فجميعهم صبية، "عبده مشتاق"، ولكن الرجل تقلد أرفع المناصب وكان قاب قوسين أو أدنى من تولي منصب رئيس الجمهورية، فضلًا عما حازه من مكانة في قلوب المصريين، ولكنه فاجأني في المرة الأخيرة بكم المرارة التي تسكنه، والتي تسيطر على كل تفكيره، والتي دفعته دفعًا نحو القرار الذي اتخذه، مسكونًا بفكرة المقامرة والمساومة، أقول هذا كله لأخلص إلى الآتي: وقفنا مع الفريق شفيق لأنه كان مرشح الأمة المصرية في مواجهة أعدائها، والآن نقف ضده مهما كره الكارهون، واتهمنا الذين لا يعرفون، طالما وضع يده في يد أعداء الأمة، هذه هي معادلتنا ببساطة لسنا مع أحد ضد أحد إلا بمقدار قرب ذلك الشخص من مصالح وثوابت الأمة المصرية وبعد الآخر عنها، شاء من شاء وأبى من أبى.
وللحديث بقية.
نقلا عن البوابة نيوز