الأقباط متحدون - قِيَادَةُ النَّجَاحِ
  • ١٠:٢٧
  • الأحد , ٣ ديسمبر ٢٠١٧
English version

قِيَادَةُ النَّجَاحِ

القمص. أثناسيوس فهمي جورج

تأملات كنسية

٣٦: ٠٢ م +02:00 EET

الأحد ٣ ديسمبر ٢٠١٧

صور_أرشيفية
صور_أرشيفية
القمص اثناسيوس جورج
 
نجاح أي قيادة يتوقف على الاتصال ووضوح المفاهيم ونضوج الرؤىَ. لذلك القائد الناجح يختار الالتصاق بالحكماء؛ لأنه بصُحبتهم قد اختار مشورة الصلاح لا الغباء... فمُساير المختبرين يكون خبيرًا (أم ١٣ : ٢٠)؛ ومشير الحكماء يقود بالفطنة والشفافية وبراهين الاستقامة، أمَّا القائد الفاسد أو المعوجّ يقرِّب منه المنافقين والمنتفعين.
 
صدق القيادة في أداء دورها بأمانة لحساب المسيح وحده، حتى لا تصبّ أعمالها لخدمة الكرامات والنجومية والمنافسة مع النظراء، من أجل مجد الذات واستدرار المديح. فلا يكفي إنجاز العمل؛ إلا بقدر ما يكون فيه الحق ظاهرًا؛ ليس فقط أمام الناس؛ إذ يمكننا خداعهم وتضليلهم بأنصاف الحقائق كي نعظم ذاتنا ونبدو صادقين؛ لكن بحفظ الحق أمام الله من غير غش ولا تدليس، في بركة الإنجاز لثمر البر المزروع في السلام والخالي من المنافقة والمناكدة والمخادعة. (المخاطبين أصحابهم بالسلام والشر في قلوبهم) (مز ٢٨ : ٣).
 
فراغ الروح وخواؤها يجعل أي نفس مفلسة منشغلة بالخصومة مع محيطها، تخشى مواهبهم فتضحِّل من قدراتهم، بإنتقادهم وهدمهم والتصيُّد لهفواتهم والتحريض المبطَّن عليهم؛ لأجل عزلهم وتوفير الأسباب الواهية لإقتلاع تاريخهم ومحوهم.. بينما القائد الغيور ينشغل بالتكامل والتشجيع وفتح آفاق جديدة. 
 
القائد القِزم عندما تستحيل عليه رؤية واقعه يسعى لتقزيم أدوار المساعدين ليحولهم لأُجراء تابعين من الصُم والبُكم. لذلك لا بُد عدم الالتفات لإسقاطاته بل اكتشاف مقاصد الله الشخصية في حياة كل نفس؛ لأنها مخلوق مميز لها رسالتها التي لا تتوقف عند الإتباع السلبي؛ بل منجزة بالإطلاع والإبداع؛ حسب الموهبة المعطاة للجميع، لا وفقًا لرؤى عجائزية شائخة أنتجتها عقول ونفوس متحوصلة حول رؤىً أحادية ذاتية واهية.
 
كل قائد يريد النجاح عليه أن يشارك بإيجابية في الأعمال الجماعية؛ ويساهم في أعمال الشركة التي تحترم العقول الإنسانية؛ وتقدس الدور الحركي الوظيفي لكل عضو في الكنيسة من دون استئساد أو استبعاد؛ حيث أن كنيستنا الأرثوذكسية كنيسة جموعية لا تأخذ بعصمة أحد ولا تُختزل أبدًا في شخص؛ لأنها كنيسة اقتفاء وإرشاد وتشاور وحوار وهارموني Harmony، وهي ترفض العزف المنفرد.
 
القائد الضعيف والمهتز يتصرف انطلاقا من جحيم الاامان فتكون أعماله عشوائية متضاربة وفاشلة؛ حتى ولو بدت غير ذلك؛ لأن نتاجها اصطناعي لا طبيعي.
 
كل تلميذ في مدرسة القيادة الناجحة لا بد أن يتخلص من المجالات المعطوبة؛ لأن إخفاء عطانتها لا يمنع من فَوَاح رائحتها ولو بعد حين.
 
الأداء لأي دور كنسي لا بُد أن تلازمه النعمة والإفراز مع طلب حكمة أبي الأنوار الذي من عنده كل عطية صالحة وتامة. لذلك فاشلة هي الأعمال غير المملَّحة بملح الروح، الصادرة عن أهواء ونفسنة الأنانيات الذاتية الضيقة والأهداف المعوجة، فالويل لمن هو وحده؛ والويل لكل مستغني عن الخيط المثلُوث الذي لا ينقطع (جا ٤ : ١٢).
 
القائد الكنسي الناجح هو الذي يجعل الأبدية في قلبه حتى لا يصرف عمره كالقابض على الريح أو كالذي يقتات الريح فيحصد الزوبعة وراء إنجازاته وأمجاده ومشترياته؛ لأن هذه جميعها عطاء مجاني من الله بواسطه شعبه، ولن تكون ذات معنى ومغزى إلا بحضور بهاء عمل الله فيها بثماره الجوهرية لا القشرية.
 
مقاصد الله العميقة ليست في الافتخار الباطل ولا في السلطة والسطوة المادية ولا في المقتنيات؛ لأن الأمور الباطلة هي التي تفتقر إلى الجوهر، تهتم بالكم دون الكيف!! بالشكل والمظهر دون حياة (شجرة التين _ الورد الاصطناعي).
 
لأجل ذلك حكمة القائد الكنسي ليست مأخوذة من هذا العالم بدهائه وخبثه ووسائله وحِيَله؛ لكنها بحكمة الكاملين المكتومة؛ التي تبني بيتًا للرب في كل قلب؛ بناءًا داخليًا ومذبحًا قلبيًا وسط النفس؛ فتكون قدس أقداس لحمية؛ فما أكثر المتزاحمين من الذين ينالون شفاء الخلاص.
 
عمل القيادة في الكنيسة يحترم عقول ونفوس الرعية التي اقتناها الرب بدمه؛ لأنها ليست بُكَمَاء؛ لكنها عاقلة؛ لذا اشتراها بحياته وجعلها خاصته بعلامة الدم المحيي (شعب اقتناء) (١ بط ٢ : ٩) اختاره الفادي الكوني؛ وجعله نصيبًا وميراثًا خاصًا له؛ وهو ثمين في عينيه للغاية. وقد وَجَبَ رعايته بالحكمة لا بالحماقة؛ بالفهم لا بالمكر؛ بالبِر لا بالمخادعة والفكر الذاتي.
 
لكل قيادة دورها التدبيري الذي يتنبَّه لوزناته الخاصة؛ ويتاجر بها حسب قانون الوكيل الأمين الحكيم ليتممها من دون ملامة؛ لا بخدمة العين كمن يُرضي الناس (أف ٦ : ٦)؛ بل كرابح للبركة. ضابطًا نفسه من التشويش والتشتُّت والتنقل الباطل بين الأمور التي هي علامة الخفة المتأصلة .
 
ويرى الباحثون أن كل قيادة ناجحة لا بُد أن تتوخىَ المصارحة وتتعاقد مع الحقيقة؛ كي تجعل قيادتها متطورة فاعلة إلى ما هو قدام؛ لتبلغ الهدف باستقدام؛ وفقًا للوصايا الإنجيلية ومنهج كنيستنا وخبرات قديسيها ومعلميها؛ لأن هذه جميعها تجعل أجندة القائد المستقبلية (تكاملية + تفاعلية + إلهامية + تبادلية + تحويلية + مركَّزة المبادئ) دسمة وواضحة ومُنجِزة؛ عكس القيادة العقيمة التي تُسفر عن خواء وتخبُّط الفشل .