الإمام الأكبر فى بئر العبد
مقالات مختارة | بقلم : حمدي رزق
٠٤:
٠٣
م +02:00 EET
الأحد ٣ ديسمبر ٢٠١٧
لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذوو فضل، أصاب فضيلة الإمام الأكبر الطيب أحمد الطيب شيخ الأزهر طيباً بزيارته لأم شهداء العريش، التى فقدت زوجها و12 من أبنائها وأحفادها، فى الهجوم الإرهابى على مسجد الروضة ببئر العبد، وكان حديثه لأم الصابرين ملهماً، قال فضيلته: أمثالكم مَن يعلموننا نحن الصبر.. ولا تحرمينى من شرف خدمتك. أحسنتَ يا مولانا.
الإمام الأكبر وجمع من الرئاسات الدينية فى بئر العبد يؤدون صلاة الجمعة فى نفس البقعة الطاهرة التى ارتوت بدماء الشهداء، تستحق توقفاً باعتبارها رسالة أزهرية وطنية فى مواجهة خوارج العصر البغاة، وتبيناً لمراميها بأن مصر لن تركع أبداً لغير وجه الله، ومهما كان الخطب جللاً فإن روح مصر لا تهزمها جحافل الإرهاب مستمسكة بدينها الوسطى فى مواجهة فقه دموى خرج علينا من فلاة نفوس متصحرة دينياً وإنسانياً.
الإمام ذهب بالأزهر الشريف إلى خط المواجهة الأمامى، يعوض غياباً، يستعيد حضوراً، فالمواجهة العسكرية/ الأمنية الناجحة لن تحقق أهدافها جميعاً إلا بمواجهة فكرية قوامها مدنى (ثقافى)، وهنا نسجل غياباً فادحاً، وقاعدتها دينية مستقرة إسلامياً برفض الإرهاب وتحريم قتل النفس إلا بالحق، وغيابها يكلفنا كثيرا.
الفكر يُواجَه بالفكر، والفقه يُواجَه بالفقه، ونحن نحصد حصاد غياب المؤسسات الفكرية والدينية تماماً عن المشهد السيناوى، سيناء تعانى فراغاً عمرانياً وفكرياً وفقهياً، للأسف تمددت جماعات سلفية وجهادية وداعشية فى الفراغ الذى خلفته المؤسسات المدنية الثقافية والدينية الأزهرية.
وكما خلت سيناء من مظاهر العمران طويلاً، خلت من كل ألوان التحصين الفكرى، مدنياً كان أو دينياً، تُرِكَت هكذا نهباً موزعاً بين دعوات وجماعات سممت الآبار السيناوية، تعانى سيناء فكرا مسموما، وفقها مستجلبا، ما جرى فى مسجد الروضة حصاد سنين من الغياب الفكرى والفقهى.
فى انتظار القافلة الثقافية إلى سيناء، فإن زيارة الإمام التى استوجبها الحادث، يجب أن تكون مفتتحاً لاهتمام المؤسسة الدينية الرسمية بسيناء، يجب أن تترجم قرارات الإمام السبعة فى بئر العبد إلى خارطة طريق لنشر الفكر والفقه الإسلامى الوسطى المعتدل فى ربوع الصحراء، سيناء تحتاج إلى خطة لاستزراع أشجار الفكر المعتدل ورعايتها حتى تثمر ثمراً طيباً.
حضور الإمام كان ملهماً، ولكن غياب الأزهر بعد الحضور سيكون مؤلماً، والقوافل التنويرية قبل القوافل الصحية ومعها، مطلوب جسر فكرى فقهى يعبر بنا إلى سيناء، يملأ فراغاً ويغطى خواء، ويصد ريحاً عاتية، لا ينقص الأزهر العلماء المواجهون يتوجهون إلى مساجد سيناء يملأون الفراغ، ويقاومون المد التكفيرى، ويقاومون فكر الجماعات السلفية الجهادية، ويحصنون التربة الفكرية الدينية.
حسناً قال الإمام الطيب، فى جمع من أبناء روضة الشهداء: الأزهر جاءكم بشيوخه وأبنائه وبناته ليُعَزِّيكم ويُخَفِّف عنكم مصابكم، ويضع يده فى أيديكم من أجل نهضة هذه القرية علميًّا وصحيًّا واجتماعيًّا. ولكن يا مولانا إذا انتهت الزيارة عند حدود كلمتكم الطيبة، لم تحقق هدفاً، وإذا تمخضت الزيارة عن حجة هنا أو معهد دينى هناك فلن تغير شيئاً من خارطة الفكر الداعشى الذى يرتع فى الفراغ السيناوى، الجماعات الجهادية يا مولانا الطيب استلبت عقول شباب القبائل، ونحن وأنتم عنهم غافلون.
نقلا عن المصرى اليوم