الأقباط متحدون - الأسباب التي فرضت استعجال الاعتراف بالقدس عاصمة اسرائيل
  • ٠٠:٠١
  • الجمعة , ٨ ديسمبر ٢٠١٧
English version

الأسباب التي فرضت استعجال الاعتراف بالقدس عاصمة اسرائيل

ميشيل حنا حاج

مساحة رأي

٢٣: ٠٨ ص +02:00 EET

الجمعة ٨ ديسمبر ٢٠١٧

القدس
القدس
الكاتب والمفكر ميشيل حنا الحاج.
 

 لا بد أن يلاحظ المراقب أولا ان الاعتراف قد شمل كامل القدس، اذ لم يحدد القدس الغربية فحسب التي هي على ارض الواقع، كما وصفها ترامب، العاصمة الفعلية لاسرائيل، ففيها الكنيست  وفيها مجلس الوزراء   ونشاطات اسرائيلية اخرى كثيرة.  

كما لا بد ان نلاحظ أـنه رغم قول الرئيس ترامب بأنه يترك للطرفين ان يتفقا عبر التفاوض على حدود القدس التي تشكل عاصمة اسرائيل مع التعبير عن حرصه على مراعاة الطرح القائم حول وجود دولتين، فان رئيس الوزراء الاسرائيلي ناتانياهو، لم ينتظر طويلا ليكشف عن تفهمه الفعلي للمقصود بالاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لاسرائيل. اذ اعتبر المقصود بهذا الاعتراف، اعترافا بكامل القدس عاصمة لاسرائيل. وتبين ذلك بوضوح عندما  وعد  في مؤتمره الصحفي الذي تلا بيان ترامب حول وضع القدس....وعد بأن تراعي الحكومة الاسرائيلية حقوق كافة الطوائف في ممارسة شعائرها الدينية وصلواتها بامان  في كافة معابدها الاسلامية والمسيحية، والتي هي على ارض الواقع  متواجدة في القدس الشرقية، مما يعني اعتبار القدس الشرقية، جزءا أساسيا من كامل  القدس التي اعترف بها ترامب عاصمة لاسرائيل.
 
والنقطة  الثانية هي ان الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل،  والذي  صدر عن الرئيس دونالد ترامب تنفيذا لوعوده الانتخابية، قد جاء رغم امتناع ثلاثة رؤساء جمهورية سابقين عليه، هم الرؤساء كلينتون وبوش الابن واوباما والذي تربع كل منهم على كرسي الرئاسة لفترتين رئاسيتين (مدة رئاستهم  استمرت 24 عاما)، فلم يقدم أي منهم ، حتى الرئيس الجمهوري بينهم (الرئيس بوش)، على التوقيع على قرار كهذا،  رغم وعود كل منهم الانتخابية بتنفيذ هذا الاعتراف، وهو الاعتراف بقرار صادر عن الكونجرس منذ عام 1995 والذي اعتبر القدس عاصمة لاسرائيل.  
 
فما الذي دفع الرئيس ترامب اذن للاقدام دون الآخرين على توقيع الأمر التنفيذي الذي لم يوقعه العديد من قادة الولايات المتحدة، بل وحذر من مغبة توقيعه الكثير من دول العالم وخصوصا دول العالم العربي والاسلامي،   كما حثه على الامبتناع عهن تلك الخطوة حليفاه الغربيان الرئيسيان أي  فرنسا وبريطانيا، اللذان اعتبراه مخالفا للقانون الدولي، لوجود قرار من مجلس الأمن يعتبر القدس الشرقية منطقة محتلة، وهو القرار 242 الذي طالب بالعودة الى حدود السادس من حزيران 1967، قرار شمل القدس الشرقية باعتبارها  ارضا فلسطينية احتلت خلال تلك الحرب الغاشمة.  بل وشجب هذا التوجه الترامبي الفاتيكان أيضا، اضافة الى قادة عدة دول  اسلامية ومنها تركيا وايران، وعدد كبير من قادة الدول  العربية كالأردن ومصر وسوريا والعراق والمغرب، بل قيادات  عربية حليفة للولايات المتحدة كالسعودية والامارت، ناهيك عن التحذير الأشد من السلطة الفلسطينية نفسها. فما الذي دفع اذن
 
الرئيس ترامب لتحدي العالم كله عمليا باستثناء اسرائيل، والاقدام على خطوة هوجاء كهذه؟  
هل هي رغبته في تنفيذ وعوده الانتخابية، علما أنه قد عجز عن تنفيذ وعود  انتخابية كثيرة أخرى  كبناء السور الفاصل بين المكسيك والولايات المتحدة على نفقة المكسيك. وفشل في اخراج الاثني عشر مليون مقيم على الأراضي الأميركية بدون اوراق رسمية، بل وفشل ايضا في ابطال قانون :اوباما كير" الصحي رغم محاولاته المتعددة،  ورغم توعده بذلك خلال  المرحلة الانتخابية. ونتيجة ذلك الفشل، فش خلقه بالاعلان عن الخروج من اتفاقية المناخ، وألآن من اتفاقية الهجرة، وقبلها من اتفاقيات أخرى كثيرة.
 
فما الذي نفخ فيه هذا الحماس لتنفيذ وعد قطعه لاسرائيل  دون العديد من الوعود الأخرى، علما أن استفتاء قد أجراه احد مراكز الدراسات الأميركية،
 
خرج بنتيجة تفيد أن 64 بالمائة من الأميركيين يعارضون خطوة كهذه؟
هل هي ضغوط صهره اليهودي جيرارد كوشنر، أم هي ضغوط الملياردير اليهودي شيلدن ايمرسن الذي تبرع بخمسة وعشرين مليون دولار (اضافة الى تبرعات  أخرى من ممولين يهود آخرين) لحملة دونالد ترامب الانتخابية؟  أم ترى أن السبب الحقيقي هو الحاح بنيامين ناتانياهو (اضافة الى  ضغوط السابق ذكرهم من ممولي حملة ترامب الانتخابية من اثرياء اليهود) للاستعجال بتوقيع الأمر التنفيذي الذي يعترف بالقدس عاصمة لاسرائيل، لكونه استعجالا بات مطلوبا قبل فوات الأوان، وقد تطلب الاستعجال به ضغوط المحقق مولر نتيجة التحقيق الذي يقوده حول التعامل غير القانوني من قبل اللجنة التي قادت حملة  ترامب الانتخابية مع روسيا الاتحادية، بغية مساعدة ترامب على الفوز بالرئاسة الأميركية  بأي ثمن.  فهذا التحقيق باتت حلقته تتسع خصوصا بعد اعترافات "مايكل فلين" – مستشار الأمن السابق للرئيس ترامب، انه قد كذب على الأف بي آي،  فشمل الاستماع  لأقوال ابن الرئيس ترامب، والدور آت على سماع أقوال صهره جيرارد كوشنر، مع توسع بالتحقيق تتسع حلقته يوما بعد آخر، مما بات يهدد بوصوله الى ترامب نفسه وما قد يؤدي اليه ذلك من السعي لعزله نتيجة احتمال ادانته، على الأقل، باعاقته تحقيق العدالة.
 
والواقع ان الحزب الديمقراطي وضع هذا الهدف نصب عينيه.  وهناك فئة قليلة جدا من السسناتورات الجمهوريين باتت تطرح أيضا هذا الاحتمال الذي قد تزداد حدته خلال العام القادم، حتى ولو لم يفلح المحقق "مولر" في اثبات اي من التهمتين موضع التحقيق، وهما التعامل مع روسيا لتحقيق منافع شخصية انتخابية، أو اعاقة تحقيق العدالة.  فالانتخابات النصفية القادمة للكونجرس الأميركي وموعدها شهر تشرين ثاني – نوفمبر القادم، قد تحمل مزيدا من الديمقراطيين الى المجلس بشقيه مجلس النواب ومجلس الشيوخ،  نتيجة  تراجع شعبية ترامب، ومعه الحزب الجمهوري،  بعد الكثير من التخبط الذي سلكه ترامب خلال مدة رئاسته  التي لم تجاوز الثلاثمائة يوم الا قليلا. فاذا تحققت أكثرية كافية للديمقراطيين، يصبح طلب عزل الرئيس ترامب عبر impeachment، امرا أكثر احتمالا  خصوصا بعهد التخبط غير المحدود في قيادته للبلاد.
 
فقد حاول ترامب تسعير حالة العداء مع كوريا الشمالية خلافا لنصيحة وزير خارجيته "تيليرسون" الذي سعى للتفاوض مع كوريا الشمالية عوضا عن استفزازها، وذلك تجنبا لخوض حرب نووية، بل حرب عالمية ثالثة لا يرغب ألأميركيون بها. كما تشدد في التعامل مع ايران، وأثار حالة من النفور في العلاقة مع الجارة المكسيك، وغير ذلك من مواقفه المعادية للاسبان  العاملين في الولايات المتحدة، اضافة الى اثارته حالة من العداء مع المسلمين بفرضه حظرا على قدوم مواطنين من ست دول مسلمة الى الولايات المتحدة، اضافة الى أمور أخرى كثيرة يصعب حصرها.
 
فهذا الخطر...خطر فقدان ترامب لموقعه الرئاسي، قد فرضت حالة استدعت حث الاسرائيليين وبعض يهود أميركا المتنفذين...حثه على الاستعجال بتوقيع الأمر التنفيذي الذي امتنع أسلافه من الرؤساء عن توقيعه،  وهو الأمر الذي يعترف بالقدس  عاصمة لاسرائيل، مع الاستعداد الفوري لنقل السفارة الاسرائيلية  من تل ابيب الى القدس  لتصبح السفارة الاولى التي تنقل  مكاتبها من تل ابيب الى القدس.
 
فالرئيس الذي يعتقد البعض انه قد استعان بالروس لمساعدته على الفوز بمقعد الرئاسة، كما استعان بالاسرائيليين وبيهود أميركا لمساعدته على الفوز بذاك المقعد الذي كان متلهفا للوصول اليه، ها هو يقدم الآن هديته الأكبر لدولة اسرائيل بالاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل، على أمل أن يرد له يهود أميركا هديته تلك، بمساعدته على البقاء في مقعد الرئاسة طوال مدة الأربع سنوات المقررة، وأن يحولوا بوسيلة أو بأخرى دون تطور التحقيق وتوسعه لتبلغ شباكه الجالس في مقعد الرئاسة. 
 
عضو في الحوار العربي الأميركي – واشنطن.
 
عضو في المركز العربي الأوروبي لمكافحة الارهاب - برلين   
نقلا عن صحيفة الراي اليوم

 
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
حمل تطبيق الأقباط متحدون علي أندرويد