الأقباط متحدون - هل تقدم بعض الولايات الأميركية على الطعن بقانونية أمر ترامب التنفيذي المعترف بالقدس عاصمة لاسرائيل؟
  • ٠٣:٣٤
  • الأحد , ١٠ ديسمبر ٢٠١٧
English version

هل تقدم بعض الولايات الأميركية على الطعن بقانونية أمر ترامب التنفيذي المعترف بالقدس عاصمة لاسرائيل؟

ميشيل حنا حاج

محافظات

٤٢: ٠٨ ص +02:00 EET

الأحد ١٠ ديسمبر ٢٠١٧

القدس
القدس
الكاتب والمفكر ميشيل حنا الحاج.
 

 من المرجح بل ومن المؤكد أن السلطة الوطنية الفلسطينية،ستطرح قضية هذا الاعتراف الأميركي غير القانوني والشرعي، أمام المحافل الدولية بما فيها مجلس الأمن والمحاكم الدولية. ولكن هل يمكن أن تقدم بعض الولايات الأميركية أيضا، على الطعن بالأمر التنفيذي الذي وقعه ترامب... تطعن به أمام المحاكم الأميركية العليا، كما فعلت بالنسبةلقراره التنفيذي الخاص بحظر السفر الى اميركا على رعايا ست دول أو أكثر ذات اغلبية اسلامية. فقد طعنت فيه ولاية واشنطن وولايتي كاليفورنيا ومريلاند وفرجينيا وولايات أخرى. وقد نجحت هذه الولايات في وقف تنفيذ ذاك الأمر التنفيذي لتسعة شهور تقريبا، اضطر معها الرئيس ترامب لاعادة صياغة أمره التنفيذي مرة ومرتين بل وثلاث، مع اجراء تعديلات كثيرة عليه لجعله أكثر قبولا، مما أدى في نهاية الأمر الى اقراره بصيغته المعدلة كثيرا، من قبل كبرى المحاكم العليا الأميركية، مع بقاء حق لبعض الولايات بالطعن فيه أمام محاكم الاستئناف.

واستندت الولايات التي طعنت في القرار، الى عدم قانونيته والى عنصريته، نتيجة ما تضمنه من تمييز ضد المسلمين، خلافا للمبادىء القانونية السائدة في الولايات المتحدة التي تحظر التمييز على أساس العرق أو اللون أو الجنس أو الدين.
 
وعدم القانونية هذه، قد تكون أيضاماثلة في القرار التنفيذي الأخير الصادر عن ترامب، والخاص بالاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل، وما رافقه من قرار بنقل السفارة الأميركية فورا من تل أبيب الى القدس تأكيدا لقراره ذاك.   فهذا الأمر التنفيذي كسابق  قراراته السابقة، تشوبه أيضا عيوب قانونية، أهمها تناقضه مع قرارات دولية، اضافة الى تعارضه مع اتفاقات دولية رعتها الولايات المتحدة والتزمت بها.  فهذا قد يتيح الفرصة لبعض الولايات غير الراضية عن قرارات الرئيس ترامب الارتجالية والمتعارضة مع رغبة الشعب الأميركي، ومع التزامات الولايات المتحدة الدولية، اضافة الى عدم رضاء هذه الولايات ابتداء عن رئاسة الرئيس ترامب للولايات المتحدة... يتيح لها الطعن أيضا بقراره الأخير هذا، أسوة بطعنها في قراره الشهير السابق. ومن هذه الولايات، ولايات واشنطن (غير واشنطن دي سي) ، ومريلاند، ونيويورك، ونيوجيرسي، وفيرجينيا وولايات أخرى متضررة من قرارت ترامب الارتجالية والضارة بالمصالح الأميركية.
 
فهذا الأمر التنفيذي لا يتعارض فحسب مع ما أشيع عن وجود صفقة القرن التي تتبناها الولايات المتحدة، اذ يتعارض أيضا مع التزامات أميركية دولية

كثيرة منها:
اولا) تناقضه مع قرار مجلس الأمن رقم 242 القاضي بانسحاب القوات الاسرائيلية من الأراضي المحتلة والعودة الى حدود عام 1967،أي الى الحدود السائدة  قبل الاجتياح الاسرائيلي. والمعلوم أن القدس الشرقية كانت من الأراضي التي احتلت عندئذ، وكانت آنئذ تشكل جزءا لا يتجزأ من أراضي الضفة الغربية الواقعة آنئذ  تحت سلطة المملكة الأردنية الهاشمية التي ضمت شرق نهر الأردن وغرب النهر، والتي تم فك الارتباطبينهما لاحقا، دون أن ينفي فك ذاك الارتباط، من كون الضفة الغربية بما فيها القدس، أراض محتلة اسرائيليا منذ حزيران 1967.
 
ثانيا) يتناقض مع اتفاقية وادي عربة الموقعة في تسعينات القرن الماضي، والتي رعتها الولايات المتحدة، حيث قضت الاتفاقية بالاعتراف بالأردن حام للأراضي المقدسة في القدس الشريف، وهو الالتزام الذي ناقضه الرئيس ترامب باعترافه بالقدس (دون تحديد كونه يعترف بالقدس الغربية فحسب)، عاصمة لاسرائيل.فرغم فقرة أوردها في خطابه تشير الى ان المقصود بحدود القدس المقصودة، يجري التفاهم عليه لاحقا، قام رئيس الوزراء

الاسرائيلي نتانياهو، بالتأكيدأنه سيحترم حق كافة الطوائف بممارسة شعائرهم الدينية دون تعرض لهم من السلطات الاسرائيلية، مما يفهم معه أنه يعتبر القدس الشرقية، حيث توجد المواقع الدينية الاسلامية والمسيحية، جزءا لا يتجزأ من عموم القدس، الأمر الذي سارع "نير بارك"، رئيس بلدية القدس الغربية، الى تأكيده لقناة سي أن أن، قائلابأن القدس الموحدة هي المقصودة بالقدس التي اعترف ترامب للتو بها عاصمة لاسرائيل. فهي القدس الموحدة اذن، والتي يؤكد ويكرر رئيس  بلدية القدس الغربية بأنها القدس الكبرى، هي المقصودة بذاك القرار، متناسيا حقيقتين هما بوابة "مندلبوم" التي كانت تفصل بين القدسين، والتي عبرها بحراسها الاسرائيليينفي جانب والاردنيين في حجانب آخر، كان يتنقل السكان والدبلوماسيون والسائحون القادمون الى القدس الشرقية قادمين من القدس الغربية، أو العكس، اضافة الى تناسيه قرار مجلس الأمن رقم 242 السابق ذكره.
 
ثالثا) اتفاقية اوسلو التي وقعها في عام 1993في واشنطن، العرب والاسرائيليون ورعتها الولايات المتحدة ممثلة بكلينتون، رئيسها آنذاك.  فهذه الاتفاقية قد أكدت على الحق الفلسطيني بالقدس الشرقية باعتبارها واحدة من الثوابت الفلسطينية التي لا يمكن التخلي عنها.
 
رابعا) حق تقرير المصير الذي تقره كل القوانين الدولية. ففلسطينيو القدس الشرقية، قد أكدوا  مرارا وعبر العديد من الانتفاضات على الاحتلال الاسرائيلي... أكدوا رفضهم للاحتلال  وتشبثهم بعروبتهم وبعروبة القدس وفلسطينيتها. فهل هناك حق تقرير مصير أوضح من هذا؟
خامسا) المواقف الدولية المؤكدة لعدم شرعية هذا القرار وعدم قانونيته، لكونه مخالفا لقرارات مجلس الأمن ولكل الاتفاقات والتفاهمات الدولية.  ومن أبرز الدول المعترضة على القرار، الجمهورية الفرنسية، وكذلك بريطانيا والمانيا وكندااضافة الى معظم دول العالم، علما أن بعض هذه الدول، كبريطانيا وفرنسا والمانيا وكندا، بل وتركيا أيضا، هي من أبرز الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة، لكن مع الولايات المتحدة التي لا يرعاها رئيس متخبط طائش فرح بكونه رئيسا، كما يفرح الطفل بلعبة اشتراهاويؤكد مرارا بخطوات متسرعة، أنه رئيس فعلي ويمارس لعبة الرئاسة بطيش وتسرع، متأثرا بما توحي اليه به ابنته وزوجها اليهودي جيرارد كوشنر، وكل أثرياء الولايات المتحدة من اليهود الذين اشتروا له مقعد الرئاسة بملياراتهم، لا برضاء الشعب الأميركي الذي صوت بأكثر من ثلاثة ملايين صوت لصالح منافسته هيلاري كلينتون، علما أنه قد ورد في فيديو وصلني ليلة أنس (ولا أدري مدى دقته)، يفيد أن كوشنر هو أحد المستوطنين اليهود ولديه منزل في اسرائيل. 
 
فلم ينقذ الرئيس ترامب من مأزق عدم رضاء الشعب الأميركي عنه، الا نظام الكلية الانتخابية الذي  يسعى لارضاءالولايات الصغيرة على حساب الولايات الكبيرة غير الراضية عن ذاك النظام (نظام الكلية الانتخابية)، كولايات نيويورك وكاليفورتيا ومريلاند وغيرها من الولايات الكبرى المغلوبة على أمرها نتيجة أعراف ونصوص دستورية، وأكثرها عدم رضاءولاية كاليفورنيا التي تتداعى الآن لاجراء استفتاء في نيسان 2019، يقرر قاطنوها على ضوئه، البقاء في الولايات المتحدة أو الخروج من اتحادها  العقيم، والذي يظلمها كثيرا لكونها أقوى الولايات الأميركية اقتصاديا، ومع ذلك لا يراعي النظام القائم مصالحها، بل يهملها اهمالا يكاد يكون تاما خصوصا بالنسبة لاختيار الرئيس الصالح للبلاد، وذلك ارضاء للولايات الصغيرة المتشبثة بنظام الكلية الانتخابية، الذي ادى في عام 2016 لانتخاب رئيس لم يكن أكثرية الشعب الأميركي (كما دلت أصوات المقترعين)، راضية عنه، وهم لم يزالوا غير راضين. ـ اذ تكشف عدة استفتاءات حديثة بما فيها استفتاء أجراه مركز "بروكينز" للدراسات الاستراتيجية، عن تدني شعبية الرئيس رونالد ترامب لتصل الى 33 بالمائة فحسب،  مقابل 64 بالمائة غير راضية عنه وعن نهجه السياسي المتخبط، والذي يؤكد انعدام خبرته السياسية الضرورية لادارة البلاد بشكل صحيح، والتي ادت الى رفضه والغائه (تقريبا) كل شيء صنعه سلفه خلال فترة رئاسته، لا لشيء الا كثمرة لنهجه العنصري الرافض حتى لشرعية رئاسة الرئيس اوباما،  لا لسبب الا لكونه رئيسا اسود ينتمي للأميركيين الموصوفين  بالأفريقيين.
 
سادسا) وهذه النقطة تستند الى كونه قرارا له بواعث عنصرية، تماما كما كان الأمر بالنسبة للأسباب الموجبة التي استندت بعض الولايات الأميركية اليها في طعنها بقانونية الأمر التنفيذي الذي يحظر على رعايا عدة دول عربية ذات أكثرية اسلامية، من السفر الى الولايات المتحدة. فالقرار التنفيذي الجديد قد حابى يهود اسرائيل، ليس استنادا فحسب الى مؤثرات اللوبي الصهيوني اليهودي الأميركي، بل أيضا نتيجة عنصرية الرئيس الأميركي التي بدت واضحة خلال حملته الانتخابية والتي تعادي العرب والمسلمين، والتي بدت واضحة في قراره التنفيذي الخاص بحظر السفر الى أميركا على رعايا بعض الدول ذات اكثرية المسلمة السابق ذكره، وتكرر الآن في قراره التنفيذي الأخير بمحاباته اسرائيل، كرها منه للعرب وللمسلمين وللفلسطينيين. 
 
سابعا) خطوته المتسرعة تلك، كي لا أقول الغبية، قد أنهت دور الولايات المتحدة كوسيط في النزاع العربي الاسرائيلي، والذي طالما تشبثت أو تظاهرت على الأقل، بالقيام به، وبالتالي وضعها في موقع الطرف المنحاز تماما وبشكل مكشوف، للطرف الاسرائيلي.
 
فهذا القرار المتسرع، قد شكل "وعد بلفور" آخر كما أسماه سماحة "حسن نصر الله" في خطابه الأخير. ومع ذلك فهو وعد أو تعهد قابل للتعديل وللاستدراك، بالايضاح أن المقصود هو الاعتراف بالقدس الغربية فحسب كعاصمة لاسرائيل، مما يخفف من وطأة القرار وضرره  على الشعب الفلسطيني خاصة، وعلى العرب والمسلمين عامة، علما بأنه قد أفرز نتائج غير مرضية لحلفائه في دول الخليج. فطالما سعت المملكة السعودية للعب دور القائد للعالم الاسلامي، وها هو الآن الرئيس أردوغان  يطرح نفسه منافسا على قيادة العالم الاسلامي، بدعوته لمؤتمر قمة اسلامي يعقد يوم الأربعاء القادم في تركيا.  فبعد أن كانت السعودية تخطط مع الولايات المتحدة، ويقال مع اسرائيل أيضا كما يردد البعض، لخوض حرب ضد ايران في مسعى لتأكيد موقع السعودية كقائدة  للعالم الاسلامي، بات عليها الآن أن تخوض أيضا حربا من نوع ما ضد تركيا أيضا (المتحالفة كذلك مع قطر)، والتي باتت مستندةلتحالفها مع روسيا الاتحادية،  تسعى لانتزاع موقع القيادة للعالم الاسلامي، من كل من السعودية وايران في آن واحد.
 
فما هو الحل اذن  للوضع المتأزم، والذي ازداد الآن تأزما بعد قرار ترامب الارتجالي؟
لا حل يبدو بالأفق غير تراجع الرئيس ترامب عن قراره التنفيذي المتسرع، واجراء تعديل عليه، كما أجرى تعديلات متكررة على قراره الخاص بحظر السفر الى أميركا على رعايا بعض الدول ذات الأغلبية السكانية من المسلمين... يقصره على القدس الغربية كعاصمة لاسرائيل.  
 
 وقد جاء التعديل الأول سريعا لذاك القرار على لسان "تيلرسون" وزير الخارجية، الذي أكد اليوم بأن نقل السفارة الى القدس، لن يجري قبل عام أو عامين على الأقل. 
 
فهل ننتظر اذن  التعديل الثاني للقرار المرتجل، وهو التعديل المحدد بالمقصود بالقدس عاصمة لاسرائيل، ليقول بأنه القدس الغربية فحسب، ولا يشمل القدس الشرقية التي تحدد المفاوضات الثنائية اللاحقة ضمن مفاوضات السلام الشاملة، حدود القدس الاسرائيلية، أو المعتبرة اسرائيلية.
العضو في مركز الحوار العربي الأميركي – واشنطن.
المستشار في المركز العربي الأوروبي لمكافحة الارهاب - برلين.