حكاية أبو السعود الإبياري، الكاتب الذي ألّف أكثر من 500 فيلم و300 أغنية ومسرحية
فن | رصيف22
الاثنين ١١ ديسمبر ٢٠١٧
باهتمام حقيقي راح الشاعر الكبير بديع خيري (1893_1966) يقرأ زجلاً كتبه طفل لم يتجاوز التسع سنوات، بخبرته تيقن أنه أمام موهبة متفردة.
لم يتردد في الاتصال برئيس تحرير مجلة الأولاد – وهي أول مجلة تجارية يحررها الأطفال للأطفال، أصدرها إسكندر مكاريوس 1923م- ليسأل عن وسيلة تصله بالزجال الصغير.
حضر الزجال الصغير إلى مكتب الكاتب، وهو لا يعرف ماذا ينتظره هناك، فإذ ببديع خيري يستقبله كما يليق بموهوب فعلاً، ليبشره بمستقبل مشرق ونجاح عظيم.
بالفعل، صدقت نبوءة خيري؛ فبعد سنوات ليست بالطويلة أصبح هذا الطفل نجماً في مجال الكتابة حيث قدم لفن السينما والمسرح بغزارة استثنائية.
إنه الكاتب أبو السعود الإبياري (1910_1969)، الذي لقّب بـ"أستاذ الكوميديا"، و"جوكر الأفلام"، و"منجم الذهب".
مع بديعة مصابني كانت البداية
كان مونولوجه الأول تحت عنوان "بورية من الستات" غناء سيد سليمان يعد بمثابة نقطة الانطلاق الأولى.
لم يمر المونولوج على الفنانة بديعة مصابني مرور الكرام، كانت تمتلك عين جواهرجي بإمكانه التقاط الأصيل والنفيس لتقديمه في الكازينو الخاص بها، وهذا ما فعلته مع الإبياري.
أقوال جاهزة
دعم لبلبة وعادل إمام وإسماعيل ياسين وعشرات غيرهم، عن دور الإبياري في السينما المصرية
قصص بدايات السينما المصرية والمسرح الذي ازدهر على يد الكاتب أبو السعود الإبياري
هناك اكتشف أبو السعود موهبة جديدة بالإضافة إلى كونه زجالاً، فكتب أول مسرحية له بعنوان "أوعى تتكلم" عام 1933م.
بعد نجاح مسرحيته الأولى أصبح واحداً من أهم كُتاب كازينو بديعة، فقدم على مسرحها رواية كل أسبوع، أي أربع مسرحيات في الشهر الواحد مع كتابة الأغاني الخاصة بالعروض أيضاً.
استمع أبو السعود الإبياري إلى منولوج كانت تقدمه محطة فيولا الإذاعية للمنولوجسيت الشاب إسماعيل ياسين فأعجب بصوته وخفة ظله وقدرته على أداء الكلمات وتوصيل المعاني، وعلى الفور عرض على بديعة أن تلحق تلك الموهبة للعمل بالكازينو.
أول دعاية لافتتاح فرقة أبو السعود الإبياري وإسماعيل ياسين
وافقت بديعة ليبدأ عهد من الصداقة والشراكة الفنية بين الثنائي أبو السعود الإبياري وإسماعيل ياسين دامت طوال عمرهما، وأثمرت عن أعمال فنية خالدة غيّرت شكل الكوميديا المتعارف عليها وقتها.
قدم الإبياري وسمعة عشرات المنولوجات والاسكتشات الفكاهية بكازينو بديعة، وأسسا فرقة التمثيل التي عرضت عشرات العروض المسرحية سواء كانت روايات عالمية تم تمصيرها أو أعمال مؤلفة.
ولكن، يبدو أن ما قدمه أبو السعود لم يكن كافياً لإرضاء طموحه الفني فكتب مسرحية بعنوان "99 مقلب" وعرض على بديعة أن تقدم فقرتها ضمن أحداث الرواية لتتحول الفرقة إلى فرقة استعراضية مسرحية.
الأستاذ-أبو-السعود-الإبياري-يتسلم-جائزة-أحسن-سيناريو-عن-فيلم-الزوجة-13 الأستاذ أبو-السعود الإبياري يتسلم جائزة أحسن سيناريو عن فيلم الزوجة 13
حققت تلك الرواية نجاحاً مذهلاً لدرجة أغضبت بديعة مصابني ودفعتها لطرد أبو السعود وإسماعيل ياسين، والسبب كما قاله إسماعيل ياسين في برنامجه الإذاعي "قصة حياتي" الذي كتبه أبو السعود بأن رواد الكازينو انصرفوا عن العروض والطعام واندمجوا مع العرض مما أدى إلى خسائر فادحة في الإيرادات.
منولوج عيني علينا، غناء إسماعيل ياسين وتأليف ابو السعود:
ولكن، رب ضارة نافعة، على حد تعبير أبو السعود، فهذا الطرد كان سبباً مباشراً لأن يتجه إلى السينما برفقة صديقه ليبدأ صفحة جديدة.
صانع السينما المصرية
في عام 1943م، اتجه أبو السعود إلى مكتب المنتجة والممثلة آسيا داغر، اللبنانية الأصل، طالباً منها أن تتيح له فرصة كتابة فيلم سينمائي. غير أن المنتجة اندهشت من طلبه، فهو كاتب مسرحي وزجال ولم يكتب السيناريو أو الحوار من قبل. ولكنها لم ترفض، بل قالت: "اكتب ودعنا نقرأ ونحكم".
كتب أبو السعود أول أفلامه السينمائية بعنوان "لو كنت غني"، ونال إعجاب آسيا وقررت إنتاجه على الفور، ليخرج إلى النور في العام نفسه، ببطولة بشارة واكيم وحسين الجزاريلي وإخراج هنري بركات.
في العام التالي قدم ثلاثة أفلام دفعة واحدة: أما جنان، وطاقية الإخفاء، وشارع محمد علي، وكان هذا الأخير سبباً في تعرضه لمحاولة اغتيال فاشلة من أحد أبناء هذا الشارع لاعتقاد الجاني أن الكاتب كشف عن خبايا وأسرار شارعه.
بعدها بعام واحد، كتب 10 أفلام كوميدية ليكون هذا الإنتاج هو متوسط إنتاجه الفني كل سنة.
قد يتساءل القراء عن هذه الغزارة الإنتاجية وكيفية كتابة أكثر من عشرة أفلام سنوياً. ربما تحمل قصة كتابة فيلم "صغيرة على الحب" الذي أنتج عام 1966م، من بطولة سعاد حسني ورشدي أباظة، الإجابة.
أبو-السعود-الإبياري-مع-إسماعيل-يس-في-افتتاح-فرقتهم-المسرحية أبو السعود الإبياري مع إسماعيل ياسين في افتتاح فرقتهم المسرحية
في هذا العام كان الإبياري معتل الصحة ومصاباً بذبحة صدرية من أثر ولعه بتدخين الشيشة، مما دفع الشركة المنتجة لسحب الفيلم من أبو السعود غير أنه أصر عليه، فكتبه في أربعة أيام فحسب. هذا ما فعله وهو طريح فراش المرض، فليس بالغريب ما قدمه وهو بكامل صحته.
كتب أبو السعود ما يزيد عن الـ500 فيلم، أي ما يعادل 17% من مجمل إنتاج السينما المصرية.
قلما نجد فيلماً كوميدياً قديماً إلا وكان من تأليف أبو السعود سواء كان هذا الفيلم لمحمد فوزي أو فريد الأطرش أو إسماعيل ياسين، أو غيرهم.
بعد ثورة الضباط الأحرار انطلقت مؤسسات عدة في الدولة لدعم الجيش، وكان لصُناع الفن النصيب الأكبر، ومنهم أبو السعود الذي طُلب منه أن يكتب أفلاماً تحث المواطن على التجنيد وتحببه بالخدمة بالجيش، فكتب سلسلة إسماعيل ياسين/ العسكري رجب الذي خدم في شتي مجالات الجيش. ولم يتقاضى عن هذه الأفلام أي أجر.
غزارة إنتاج لا مثيل لها
يعتبر أبو السعود من القلائل الذين استطاعوا أن يجمعوا بين الغزارة والجودة الفنية، وأبرز دليل على ذلك أن الشخوص التي خلقها لا تزال حاضرة حتى اليوم بآفهياتها الشهيرة التى لا نكف عن ترديدها حتى اليوم.
يحسب له أيضاً أنه هو من دعم الفنانة لبلبة وأطلق عليها هذا الأسم، كما أنه كتب فيلم "البحث عن فضيحة" أول بطولة مطلقة لعادل إمام، ولهذا الفيلم حكاية، فبعد سنوات من العمل لعادل إمام قرر أن يخوض تجربة البطولة فطلب من نجوم السينما وقتها أن يشاركوه في الفيلم كنوع من الدعم، ولم يرفض أحد طلبه، وبذلك كان هذا الفيلم صاحب أكبر عدد من النجوم على الأفيش، وهنا تكمن المعضلة: أي قصة ممكن أن تستوعب هذا العدد من الفنانين؟
جاء أبو السعود ليجد الحل الأمثل من خلال شخصية الصديق الذي لا يكف عن سرد الحكايات، ليشمل الفيلم حكاية أم بداخلها حكايات صغيرة وكأنها أفلام قصيرة مستقلة بذاتها ومرتبطة بالقصة الأصلية. هذا الفيلم عرض بعد وفاة أبو السعود الإبياري في عام 1967م.
العودة إلى المسرح
في عز مجده السينمائي لم ينس الإبياري حبه وشغفه بالمسرح فأسس مع صديقه إسماعيل ياسين فرقة مسرحية عام 1954م لإحياء هذا الفن الذي تأثر بصعود السينما وهيمنتها على الساحة الفنية.
كتب أبو السعود ما يتجاوز الـ60 مسرحية لم يبق منها شيء، والسبب يرجع إلى أحد العاملين بالإذاعة والتلفزيون الذي سجل عليها جميعاً مباريات لكرة القدم وبرامج أخرى.
ولكن كتاب أصدرته هيئة الكتاب مؤخراً للباحث نبيل بهجت بعنوان "مسرح أبو السعود الإبياري" وثق أهم المسرحيات التي كتبها أبو السعود، وقد قسمها إلى مسرحيات مقتبسة من نصوص عالمية مثل أعمال موليير: الشيخ متلوف، والنساء العالمات، ومدرسة الأزواج، وقسم للمسرحيات التي ألفها، ومنها: ليلة الدخلة، وغلط في الحساب، ووش تعب، والمرأة دائماً.
وهنا تسجيل نادر لمسرحية لإسماعيل ياسين:
أغاني بلا حصر
أما عن الأغاني التي كتبها أبو السعود فلا يمكن حصرها بسهولة، وإن رجح بعض الباحثين أنها تتجاوز الـ300 أغنية بالإضافة إلى أغاني الأفلام.
يمكن أن نذكر بعض هذه الأغاني مثل: يا نجف بنور، والحب له أيام، ويا عوازل فلفلوا، والبوسطجية اشتكوا.
الأغنية الأخيرة مُنعت من الإذاعة المصرية وذلك لأن والد عبد الناصر كان "بوسطجياً"، فظن العاملين بالإذاعة أن في الأغنية تلسين على القائد، لذا منعوها تماماً.