الأقباط متحدون - الطروحات الأساسية التي أسقطها ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل
  • ١٩:٤٩
  • الاربعاء , ١٣ ديسمبر ٢٠١٧
English version

الطروحات الأساسية التي أسقطها ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل

ميشيل حنا حاج

مساحة رأي

٣٥: ٠٨ ص +02:00 EET

الاربعاء ١٣ ديسمبر ٢٠١٧

المرجعيات الدينيه لفلسطين
المرجعيات الدينيه لفلسطين

بقلم - ميشل حنا حاج

هناك مثل شائع لدى العرب وربما لدى دول أخرى يقول، بأن مجنونا قد ألقى حجرا (ربما ثمينا) في البئر، واحتاج الأمر الى مائة حكيم لاستعادته. وها هو المجنون ترامب...عفوا أقصد الرئيس ترامب، قد رمى حجرا في البئر، فأي عدد من حكماء أميركا والعالم، سيحتاج الأمر لوضع حد لتفاعلاته.

 
 
فالقرار المتسرع الذي وقع عليه ترامب، أسقط العديد من احتمالات الحلول السياسية لقضايا مطروحة، لا على صعيد القضية الفلسطينية فحسب، بل أيضا على صعيد قضايا أخرى. ويمكن تلخصيها بما يلي:
 
 
1) أسقط مشروع صفقة القرن التي كان صهره "كوشنر" يعدها بالتعاون مع الأمير محمد بن سلمان، والذي قيل بأن الأمير محمد لدى استقباله للرئيس محمود عباس، مارس ضغوطا عليه بوجوب قبول المشروع القادم، والا نفضت السعودية يديها من القضية الفلسطينية، وسعت لعزله (أي محمود عباس) عن موقع الرئاسة، وهي ضغوط رافقها في المقابل، وعود بمبالغ باهظة لأبو مازن شخصيا اذا وافق على المشروع، أي على صفقة القرن الذي يقضي كما تردد، بأن يتقبل الفلسطينيون بتكريس كامل القدس (بشرقها وغربها) عاصمة لاسرائيل، مقابل الاعتراف بدولة فلسطينية عاصمتها "أبو ديس" عوضا عن القدس الشرقية،  اضافة الى وعود اضافية ربما تضمنت تفكيك بعض المستعمرات أو المستوطنات (وليس كلها)، المقامة على أراضي الضفة الغربية، والتي ستصبح دولة فلسطين المنزوعة السلاح. 
 
 
2) أسقط اتفاقية اوسلو بشقيها الأول الموقع عام 1993، والثاني الموقع عام 1995، واللذان يفرضان على السلطة الوطنية الفلسطينية، التنسيق الأمني مع اسرائيل بغية حمايتها من عمليات فدائية، ومن أية أعمال عنف من الفلسطينيين الغاضبين والرافضين للتواجد الاسرائيلي على ألأراضي الفلسطينية. فلن تجروء السلطة الفلسطينية بعد الآن، على اجراء أي تنسيق أمني مع السلطات الاسرائيلية، مما سيؤدي الى تصاعد أعمال العنف الفلسطيني، والتي عاد  مناضلوها يطالبون الآن بفلسطين من النهر الى البحر، عندما كانت تتقبل سابقا فكرة الدولة الفلسطينية على اثنين وعشرين بالمائة فقط من أراضي فلسطين، أي أقل من نصف المساحة التي خصصه للدولة الفلسطينية قرار التقسيم الذي صدر عام 1947، حيث كان يقضي بمنحها ثمانية وأربعين بالمائة من أراضي فلسطين. فقد رضوا سابقا بالغلب (كما يقول المثل) لكن الغلب (أو الجشع الاسرائيلي) لم يرض بهم.
 
 
3) الغاء اتفاقية أوسلو قد يتبعه الغاء اتفاق وادي عربة الموقع عام 1995، والذي  جرى التوقيع عليه استنادا لكون اتفاق أوسلو بشقه الثاني الموقع عام 1995، قد أنهى الصراع العربي الاسرائيلي. ويعكف حاليا عدد من النواب في البرلمان الأردني (كما تقول قناة رؤيا الأردنية)، على صياغة مشروع قرار يحظى بمباركة نسبة عالية من النواب في البرلمان الأردني، يسعى لالغاء اتفاق وادي عربة. وكانت قناة بي بي سي قد ذكرت في أحد نشراتها أن العديد من نواب البرلمان الأردني، قد طالبوا بالغاء اتفاق وادي عربة ردا على قرار ترامب التنفيذي الخاص بالقدس. وتأتي تلك الخطوات في ظروف من حالة التوتر السياسي بين الأردن واسرائيل، اثر قيام أحد العاملين في السفارة الاسرائيلة في الأردن قبل يضعة شهور، بقتل أردنيين بدم بارد، مما استدعى أن يطالب الآردن بسحب سفيرته  ومحاكمة القاتل، وأن يرفض حتى الآن عودة السفيرة الى عمان. 
 
 
4) أنهى دور الولايات المتحدة كوسيط في القضية الفلسطينية، اذ باتت تعتبر الآن طرفا في النزاع... طرفا منحازا لاسرائيل. اذ وعدها ترامب بالقدس الشرقية باعتبارها جزءا من القدس، وذلك عندما لم يحدد أن المقصود بالقرار، الاعتراف بالقدس الغربية فحسب كعاصمة لاسرائيل، وبالتالي يكون قد وعد اسرائيل بالقدس الشرقية، عندما لم يكن يملك حق اطلاق وعد كهذا.. تماما كما لم يكن من حق بلفور من قبله، أن يعد اليهود باقامة وطن قومي لهم على أراضي فلسطين، فكان وعد (وعد بلفور ووعد ترامب) ممن لا يملك حق التعهد به. ذلك أن القدس الشرقية باعتراف دولي ومن ضمنه القرار 242، مكرسة ارضا محتلة من قبل اسرائيل، وليست جزءا من القدس الغربية.  فهذا هو وضعها القانوني على الصعيد الدولي.
 
 
5) الأسلوب المبتهج الذي عرض فيه ترامب أمام عيون الكاميرات والصحفيين، توقيعه على الأمر التنفيذي،  زاد من حدة الغضب لدى العرب وخصوصا الفلسطينيين منهم. فقد أكدت علامات الابتهاج هذه، المبالغ  فيها والبادية على وجهه، مدى انحيازه لاسرائيل، ومدى تأثره بصهره كوشنر الذي وصفه أحد المعلقين، كما ورد في فيديو وصلني،  بأنه مستوطن وله منزل في اسرائيل. وهذا الابتهاج المبالغ فيه، أحرق أوراقا أساسية كانت قادرة على التأثير ربما ايجابا على الحل الشامل لقضية الشرق الأوسط المركزية، أي القضية الفلسطينية.  
 
 
6) ناقض الرئيس الأميركي نفسه عندما قال بأنه يوقع ذاك القرار استجابة لرغبة الكونجرس الأميركي الذي أقر بمجلسيه عام 1995، ليس مجرد الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل، بل الاعتراف بالقدس الموحدة، (فلا يجوز أن تبقى مجزأة) عاصمة لها، كما قال نص القرار الصادر عن الكونجرس... 
 
 
وقد ناقض ترامب نفسه مرتين، مرة عندما قام في محاولة منه للتخفيف من حدة الآثار المتوقعة نتيجة قراره ذاك، باطلاقه بارقة أمل للفلسطينين حول امكانية التفاوض مستقبلا على الحدود النهائية للمدينة، (وهو وعد يعلم في قرارة نفسه بأنه وعد كاذب، نظرا لكون المفاوض الاسرائيلي كان دائما في غاية التشدد لدى مناقشة مسألة القدس، وبالتالي سيصبح أكثر تشددا وتعنتا بعد الاعتراف الأميركي بها، بجزئيها، عاصمة لاسرائيل)... محاولا أن يبدو وكأنه يتحدى الكونجرس، رغم انصياعه الظاهر له، بتركه قضية احتمال التفاوض على الحدود النهائية للمدينة، قضية محتملة بل ممكنة، خلافا لقرار الكونجرس الملزم بالاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لاسرائيل.  
 
 
لكنه لو كان صادقا بتجروئه على مخالفة الجزء الملزم في قرار الكونجرس بابقاء القدس موحدة  بطرحه بارقة أمل التفاوض تلك،  كان بوسعه أيضا (لو كان صادقا) أن يخالف أو يتمهل على الأقل في الانصياع لقرار الكونجرس بمجمله، ويؤجل الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل، تماما كما فعل اسلافه الرؤساء الثلاثة الذين قبعوا على مقعد الرئاسة لأربع وعشرين عاما طويلة، دون أن يجروء أي منهم على توقيع أمر تنفيذي كهذا، ادراكا منهم لخطورة التطورات المرتقبة نتيجة له. بل وكان بوسعه أيضا، أن يقصر اعترافه على القدس الغربية فحسب عاصمة لاسرائيل، ملتزما التزاما واضحا بجزء من قرار الكونجرس دون الجزء الآخر...أي بالقدس الموحدة، تاركا امكانية توحيد جزئي القدس للتفاوض. وكان في عدم قصره الاعتراف بالقدس الغربية فحسب عاصمة لاسرائيل، (مع امكانية التفاوض على الجزء الثاني منها) يناقض نفسه أو يكشف عن تخبط واضح في قراره ذاك، وما تلاه من تعليق استدراكي عليه.
 
 
7) هذا الأمر التنفيذي المتعجل، لن تقتصر آثاره على القضية الفلسطينية. فهي قد تمتد لتحبط ولو الى حين (حين تهدأ العاصفة كما يتوقعون)، المشروع السعودي والذي بات يتصدره الأمير محمد بن سلمان، الراغب في التمهيد للشروع  بحرب ضد ايران بتعاون مع اسرائيل والولايات المتحدة، والتي لكل من اطرافها الثلاثة، أسبابه في المشاركة فيها. 
 
 
فاسرائيل تريد تدمير السلاح الصاروخي الايراني، باعتبار أن اسرئيل هي المستهدفة به. والولايات المتحدة التي بات يرأسها دونالد ترامب، ليست راضية عن الاتفاق النووي الذي وقعه اوباما معها، بل وليست راضية عن ايران وعن تطوير سلاحها الصاروخي باعتباره مهددا لحليفتها اسرائيل. ولكون ترامب عاجز عن الغاء الاتفاق النويي الخاص بايران لكونه قد أقر في مجلس الأمن، ولكون الدول الموقعة عليه (أي دول خمسة زائد واحد) تعترف  (باستثناء أميركا الرئيس ترامب)،  بأن ايران ملتزمة بحرفيته، بات الرئيس ترامب عاجزا عن نقض ذاك الاتفاق، مما يدفعه أكثر فأكثر، للاتجاه نحو الحرب ضد ايران  بغية تحجيمها والانتقام منها.
 
 
أما السعودية، فان كراهيتها لايران معروفة وواضحة، وتنم كل تصريحات المسؤولين فيها عن كراهيتهم لها لعدة أسباب، أحدها كونها تنازع السعودية على قيادة منطقة الشرق الأوسط والعالم الاسلامي، وثانيها تأثرا بما يوصف بالخلاف السني (الوهابي) الشيعي غير المبرر، والذي تتخذه السعودية كغطاء تصبغه على خلافها مع ايران، مدعية أن مرده تدخلات ايرانية في شؤون دول المنطقة وخصوصا في سوريا وفي الجارة اليمن، وذلك  بتقديمها الدعم التسليحي (كما يقول السعوديون) للأعداء من اليمنيين الحوثيين...الأمر الذي تعتبره سببا ثالثا يستوجب تلك الحرب. 
 
 
فهذا من جانبها يستدعي توسيع حرب اليمن لتشمل محاربة ايران باعتبارها المصدر للاضطراب الذي تواجهه السعودية، مع رغبة تشكل سببا رابعا مرده طموح خاص لدى الأمير محمد بن سلمان، لتحقيق نصر عسكري على ايران...نصر يتوقع أن يحوله الى قائد (ناصري) جديد للعرب، لكنه ناصري  يبتعد عن المفهوم العروبي، ويتسم بوشاح اسلامي طائفي اسمه السنة.  
 
 
وقد مهد الأمير محمد بن سلمان  طويلا لتحقيق حلمه بالنصر وذلك بعدة خطوات ملموسة، أولها فتوى أصدرها أحد المشايخ الوهابيين تفيد بأن اليهود من الموحدين (وكأن كونهم من الموحدين لم يكن معروفا منذ أجيال طويلة). ولكونهم من المتوحدين، لا يتوجب قتالهم. وثانيها بتكريس موقع على تويتر شعاره القول بأن الرياض أهم من القدس. واستدرج الموقع مئات الرسائل السعودية المؤيدة لهذا التوجه. والحقه بخطوة أخرى تضمنت اعتقال 208 من الأمراء وكبار أثريائها  بذريعة مكافحة الفساد، عندما كان الهدف الحقيقي كما تبين تدريجيا، اضافة لأسباب أخرى، هو الضغط عليهم للتبرع أو للتنازل عن أجزاء من أموالهم وممتلكلتهم تقدر بمليارات الدولارات، لتمويل الحرب القادمة ضد ايران.   
 
 
 8 ) من أبرز المآزق التي قاد اليها قرار ترامب الخاص بالقدس، اثارة الشكوك حول مبدأ سياسي هام هو مبدأ النأي بالنفس اللبناني...عن المشاركة بالنزاعات القائمة في المنطقة، وهو المبدأ الذي اعتمده اللبنانيون كأساس متفق عليه بين كل الأطراف السياسية اللبنانية، كأساس لعودة الرئيس سعد الحريري عن استقالته.  لكن القرار الذي اتخذه الرئيس ترامب بما أثاره من مشاعر وطنية، وما قاد اليه من مظاهرات احتجاجية في مدن العالم العربي بما فيها بيروت، قد طرح حاجة لتحديد مفهوم النأي بالنفس عن المشاركة في النزاعات القائمة في المنطقة. 
 
 
فهل هو نأي بالنفس عن المشاركة (مشاركة حزب الله اللبناني) بالنزاعات السعودية الايرانية المتفاعلة في بعض المواقع العربية وخصوصا في سوريا واليمن، أم يمتد ليشمل أيضا النأي بالنفس عن النزاع العربي الاسرائيلي. فبعد مظاهرة عارمة لاهبة جرت يوم الأحد قرب السفارة  الأميركية قرب بيروت، سارع حزب الكتائب اللبناني للتذكير بمبدأ النأي بالنفس المفترض، حسب اتفاق الأطراف السياسية المختلفة، ملوحا بأن تلك التظاهرات تتناقض معه.
 
 
وقد استدعى الأمر لقيام البعض بالتذكير بالفارق بين الأمرين...النزاع السعودي الايراني، والنزاع العربي الاسرائيلي حول القضية الفلسطينية. فالنزاع الأول هو نزاع تباركه أو تشارك فيه مع بعض التحفظات، دول عربية محدودة العدد. أما الثاني فهو نزاع تباركه كل الدول العربية ( رغم تراجعات ظهرت مؤخرا تنم خفية وباستحياء  من قبل دول عربية محدودة العدد)، خلافا للنزاع  العربي الاسرائيلي الذي يمثل القضية المركزية في كل النزاعات القائمة في المنطقة. كما أنه نزاع تتبناه الجامعة العربية التي تضم لبنان ضمن من تضمهم من الدول العربية الاثنين والعشرين. ويجري العمل حاليا في لبنان على تجنب الخلاف حول تفسير المقصود بمفهوم  النأي بالنفس، كي لا يؤدي الخلاف اللبناني اللبناني على تفسيره، الى انشقاق آخر واسع في الصف اللبناني.
 
 
هذا وقد تكشف الأيام القادمة مزيدا من المتغيرات التي ستؤثر على قضايا أساسية أخرى في المنطقة، وكلها متغيرات لا تصب في المصلحة الأميركية. ولعل أهمها قد يكون التخلي عن الاعتماد الكلي على الولايات المتحدة، فتشرع بعض الدول العربية في  وضع بيضها في سلة أخرى (كما يقول المثل)، ربما تكون من بينها سلتي الروس والصين، أو فرنسا في حد أدنى. 
 
 
 ألم أقل بأن مجنونا قد رمى حجرا في البئر، ويسعى الآن كل حكماء أميركا لاستعادته...ولكن ربما...هذه المرة، بعد فوات الأوان. 
 
الكاتب والمفكر ميشيل حنا الحاج.
 
عضو في مركز الحوار العربي الأميركي – واشنطن.
 
مستشار في المركز العربي الأوروبي لمكافحة الارهاب – برلين.   
 

 

الكلمات المتعلقة
حمل تطبيق الأقباط متحدون علي أندرويد