الأقباط متحدون - قراءة ثانية للتاريخ
  • ٠٠:٠٧
  • الخميس , ١٤ ديسمبر ٢٠١٧
English version

قراءة ثانية للتاريخ

د. تيتو غبريال

مساحة رأي

٠٦: ٠٣ م +02:00 EET

الخميس ١٤ ديسمبر ٢٠١٧

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

بقلم : د. تيتو غبريال 

 
إليكم أيها الأحباء ومضة من ومضات كنيستنا القبطية وهذہ الومضة آتية من العصر الفاطمى الذى بدأ بخلافة المعز لدين الله الفاطمى، والذى يعد من أعجب العصور التى إجتازتها مصر رغم تمتع المصريين فيه بأوسع المعانى للحريات الدينية رغم ما عاناہ الأقباط من إضطهاد دينى فى سبيل العقيدة.
 
فى هذہ الأيام تصوم كنيستنا القبطية( الشعب القبطى) صوم الميلاد المجيد والذى ينتهى بالإحتفال بعيد ميلاد الرب يسوع المسيح الذى لم يبدأ الإحتفال به قبل القرن الرايع الميلادى ، لأن سر الفصح - كل فكر المسيحيين وحياتهم فهو حجر الزاوية بالنسبة لإيمانهم لأن قيامة الرب  يسوع هى غاية إيمانهم وعقيدتهم وفرحهم- ولو لم يكن المسيح قد قام فباطل هو إيماننا ، لذا فهو إكليل الأعياد وعيد أعيادها ، والعيد الذى يتلوہ فى المرتبة مباشرة، فهو عيد العنصرة (عيد حلول الروح القدس ) ، فهو إستمرار لعمل الخلاص فى الكنيسة .
 
 أما عيد الميلاد فهو الإحتفال بتجسد الله الذى نصب خيمته بيننا وقد صار من أهم أعياد المسيحيين فى العالم أجمع لما يحمله من حب وبركة ونعمة ، ولأهمية هذا العيد يقول القديس يوحنا ذهبى الفم : "بدون هذا العيد سوف لاتكون معمودية أو قيامة أو صعود ولا حلول الروح القدس ، لذلك يعتبرہ أصل جميع الأعياد " .
 
وعودة إلى ومضتنا التاريخية -فصوم الميلاد يتكون من ثلاثة وأربعين يوماً (حيث رتب هذا الصوم فى الكنيسة القبطية فى القرن الحادى عشر فى عهد خرستوذولس وكان فى بادئ الأمر أربعين يوماً مثل عدد أيام صوم الأربعين) . والذى أضاف إليه الثلاثة الأيام (أصوام شدائد)التى صامها الشعب لنقل جبل المقطم.-وكان المعز لدين الله الفاطمى رجلاً محباً لمجلس الأدب ، لمباحثات الدينية ، وأيضاً كان ولوعاً بالعلوم الروحية ولشدة ولعه بهذہ العلوم كان يدعو رجال الدين-من مسلمين وقبط ويهود - ليتناقشوا أمامه بكل صراحة،معلنا أن حرية الرأى لها حرمتها وأنه على المتناقشين أن يبادلوا الحجة بالحجة من غير غضب أو خصام .وكان هناك رجلاً يهودياً متعصباً ، إعتنق الإسلام لينال منصبه ، وكان إسمه " يعقوب  بن كلس " وكان مبغضاً للمسيحيين خاصة "قزمان بن مينا الشهير بأبو اليمن " . وكان يعقوب بن كلس  صديق إسمه موسى وقد إستصحبه معه عدة مرات إلى دار الخلافة ، وطلب من المعز أن يسمح له بمجادلة الأنبا إبرام (بطريرك الأقباط فى ذلك الزمن) . وإمتلأت نفس الخليفة رغبة فى أن يسمع ما قد يدور من الحوار بين البابا ابرام وهذا اليهودى .،فقال له " " إن شئت يوماً أن تحاجج اليهود بنفسك أو بواسطة من تختار من الأساقفة فتعال إلى دارى وناقشهم أمامى ...وأدرك البابا رغبة الخليفة المستترة لهذہ المناقشة  وإتفقا على الموعد المناسب وإصطحب معه الأنبا ساويرس اسقف الأشمونين ( كاتب سير البطاركة )وذهبا سوياً إلى دار الخلافة حيث وجدا فى حضرة المعز الوزير بن كلس ومعه موسى . وبعد تبادل التحية جلس البابا والأنبا ساويرس فى صمت ، ومرت لحظات قال المعز بعدها " تكلم أيها البابا الوقور أو أمنح رفيقك الأذن فى الكلام ، فمنح البابا البركة للاسقف الأشمونى للكلام . فقال الأنبا ساويرس : " ليس من اللائق أن أتحدث إلى يهودى فى حضرة الخليفة ".
 
فاحتد موسى قائلاً: " انك تهيننى على مسمع من أمير المؤمنين  إذ تستنتج أننى جاهل". أجابه الأنبا ساويرس" إن قدمت لك الدليل على جهلك فلا تغضب " . وهنا قال المعز : " لاداعى للغضب فى المناقشة لان الحرية مكفولة لكل منكم ليعبر عن عقيدته بصراحة ولا حرج عليه،. فقال الأسقف : " لست أنا الذى يستنتج جهلكم بل أن نبيا عظيماً نال كرامة خاصة هو الشاهد عليكم " فسأل موسى : " ومن يكون هذا النبى ؟ " أجابه : " أنه أشعياء الذى قال عنكم  : " الثور يعرف قانيه ، والحمار معلف صاحبه ، أما إسرائيل فلم يعرفنى " .
 
فسأل المعز : " أهذہ كلمات أشعياء النبى فعلاً ؟ " . أجابه موسى : " نعم يا مولاى " . فاستطرد الأنبا ساويرس يقول: " ترى أذن أن نبياً عظيماً من أنبيائكم قد أعلن بأن الحيوانات أكثر فهماً منكم " ..وسر المعز بهذہ الدعابة ، ورأى أن يكتفى بها دون الخوض فى جدال أو مناقشة ..وقد أستثار هذا الحادث حقد كل من يعقوب بن كلس وصديقه موسى وكان الغضب قائدهم والإنتقام باعثهم ولن يكفوا عن البحث فى الأنجيل حتى وجدوا أنشودتهم فى قول السيد المسيح له المجد "..من له أيمان كحبة الخردل فإنه يقول لهذا الجبل إنتقل فينتقل ".وقد إمتلئوا فرحاً وأبلغوا المعز بما عثروا عليه معتقدين أنهم لم ينالوا من البابا واسقفه فقط بل بواسطة هذہ الأية سينهوا على الأقباط جميعهم ..وحينما تأكد المعز من البابا بوجود هذہ الأية خير البابا بين إثبات هذہ الأية أو الإبادة الكاملة له وللأقباط جميعهم بحد السيف ...وطلب البابا من المعز أن يمهله ثلاثة أيام ووافق المعز على طلبه ...
 
وإعتكف البابا فى الكنيسة المعلقة وصام هو و الكنيسة ثلاثة ايام طالباً رحمة رب المجد وفى فجر اليوم الثالث ظهرت له أم النور وبعد أن طمأنته أخبرته بالقديس سمعان الخراز التى ستجرى على يديه المعجزة ...وقد أعلمته كيف سيجد هذا القديس ... وبعد ان وجد البابا القديس سمعان الخراز وعرف قصته ومقدار إيمانه وقداسته قال القديس سمعان الخراز للبابا :"أصعد يا أبى المكرم إلى الجبل الذى يشير عليك الخليفة به ، وخذ معك رجال الدين والشمامسة والأراخنة ، وإجعلهم يحملون عالياً الإنجيل والصلبان والشموع الطويلة الموقدة والمجامر مملؤة بخوراً . واطلب إلى الملك وحاشيته أن يصعدوا معكم .. فتقفون أنتم على ناحية من الجبل ، بينما يقفون هم على الناحية المقابلة لكم .. وسأقف أنا خلف غبطتكم مباشرة .. وحين يستقر بكم المقام   . إقرأ ما تشاء من الأنجيل ثم ردد " كير يا ليسون " " أنت وكهنتك احدى وأربعين مرة . وأصمت بعد ذلك مدى لحظات ، ثم أسجد أنت وكهنتك معاً أمام العلى ، وكرر هذا العمل ثلاث مرات ... وفى كل مرة تقف فيها بعد السجود أرسم الجبل بعلامة الصليب فسترى مجد الله " ...وعمل البابا بنصيحة سمعان الخراز تماماً .. فحدث أنهم - حين سجدوا بعد الصلاة والإسترحام - إنخفض الجبل ، فلما وقفوا أرتفع الجبل .. وكرروا الصلوات والسجود ثلاثاً وكان الجبل ينخفض عند سجودهم ويرتفع عند وقوفهم حتى أن الشمس ظهرت من أسفل الجبل وكانت الأرض تهتز عند صعودہ ونزوله مما أوقع الرعب فى قلب الخليفة وقلوب حاشيته مما جعله يطلب من البابا أن يكف ويهتف قائلاً " عظيم هو الله تعالى . وتبارك اسمه ،" . ثم إلتفت إلى الأنبا آبرام وقال له : " لقد أثبتم أن إيمانكم إيمان حى حقاً ، " ... 
 
والآن علينا أن ندرك أن الضيقة التى أوشكت أن تقضى على المسيحيين فى كل البلدان الإسلامية بدأت نتيجة إهانة الأنبا ساويرس لليهودى  - رغم إقتناع الكثيرين بأن الضيقة كانت آتية لا محالة- لكن كانت هناك طرق كثيرة لإدارة الحوار غير طريقة الإهانة التى إنتهجها الأنبا ساويرس التى لم تكن من الحكمة التى علمنا إياها السيد المسيح فى نقاشاتنا مع من يحبوننا ومن لا يبادلوننا الحب . ويبقى السؤال كيف نقل الجبل؟
الذى نقل الجبل هو الرب يسوع المسيح وقد نقل الجبل للأسباب التالية :- 
 
1-السبب الأول والرئيسى هو أن قائل هذہ الآية هو الرب يسوع المسيح الأبدى الذى لايزول حرف واحد من كلامه أليس هو القائل " فإنى الحق أقول لكم : إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل . " ( متى 4 : 18 ) وأكد كلامه " السماء والأرض تزولان ولكن كلامى لا يزول  ."  فى ( متى 24 :  35) و أيضاً فى مر (13 ؛ 13 ) و أيضاً فى لو ( 21 : 33 ) .
 
2-السبب الثانى أن رحمة الله أبدية كذاته فكيف يفنى شعبه الذى أحبه وأخلى ذاته وضرب وجلد وصلب وقام ليفديه وليتحقق في صلبه العدل والرحمة ،وليس لهذا الشعب يد فيما يحدث له ، فكيف يجنى ثمار ما لا يزرعه . وهذہ المعجزة ترسخ فى وجدان وعقول تابعيه من خلال الروح القدس وكلامه لتلاميذہ  " وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به . وها أنا معكم كل الأيام إلى إنقضاء الدهر " . ( متى 28 :20 ) . 
 
3- السبب الثالث هو أن  الله الذى يتمجد فى قديسيه وآيضاً لا يدع نفسه بلا شاهد فقد أشار إلى قداسة وإتضاع القديس سمعان الخراز الذى لولا  هذہ التجربة لما عرف به أحد .
 
هذہ المقالة بمناسبة الثلاث ايام المضافة لصوم الميلاد المجيد و تذكار نياحة البابا ابرام ابن زرعة ال ٦٣ التى توافق يوم الجمعة  ١٥ديسمبر ٢٠١٧ – ٦ كيهك ١٧٣٤.

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
حمل تطبيق الأقباط متحدون علي أندرويد