إنهم يقتلون الانتماء!!
بقلم: سوسن إبراهيم عبد السيد
من المفترض عند قيام أي شخص بمجهود ما.. أن يجني ثمار تعبه واجتهاده، خاصة إذا كُلِّل هذا الكفاح بالنجاح. وحينما قامت ثورة 25 يناير كانت مبادئها تنادي بالحرية والديموقراطية والعدالة.. ولم تحوِ شعاراتها أي صبغة دينية؛ لذا حق لها أن تسمَّى "ثورة شعب"..
وفي المرحلة الانتقالية لما بعد تلك الثورة, عانى الكثيرون ممن أصابهم ضرر بشكل أو بآخر- سواء اقتصادي أو سياسي- من أوضاعهم الحالية، متمنين أن تكون تلك الفترة هي مرحلة المخاض والألم التي يلحقها فرحة ولادة عصر جديد يعوِّضون فيه خسائر المرحلة السابقة، ويستنشقون فيه عبير الحرية والعدالة.. ولكن من المعروف أن النتائج تكون واضحة إذا ما ظهرت المقدمات التي تنبئ عنها.. بمعنى أن المقدِّمات الإيجابية تفرز نتائج إيجابية والعكس.
ما حدث في الأيام القليلة التي أعقبت الثورة يعتبر مقدمات لا تبشر أبدًا بنتائج إيجابية يتحقق معها ما كان الشعب ينادي به وضحَّى بأرواح كثيرة من أجل تحقيقه. فلقد دخل التيار الديني بكل ثقله ليحوِّل شأنًا سياسيًا "كاستفتاء التعديل الدستوري" إلى حرب دينية، وسُميت موقعة الصناديق!!
فكان الاستفتاء بـ"نعم" هو نصرة للدين الإسلامي والاستفتاء بـ"لا" هو ترسيخ لإلغاء المادة الثانية في الدستور، في خلط بالغ بين الثابت وهو "الدين" والمتغيِّر وهي "السياسة".
ونأتي للنقطة الأهم في هذا الحديث، وهي الاعتراض والثورة والاعتصام وقطع خطوط السكك الحديدية بسبب تعيين محافظ قبطي لمحافظة "قنا".. ولم تهدأ الأمور إلا حينما تم الإعلان عن تجميد نشاط هذا المحافظ ونقل صلاحياته إلى نائبه المسلم الديانة! وقيل في أول الاعتصام أن الاعتراض على تعيين هذا المحافظ هو ما تردد من إنه ينتمي إلى سلك الشرطة التي قامت بقتل المتظاهرين في الثورة ويحوي ملفه الكثير من قضايا الفساد.. ولكن بعد فترة وجيزة سقطت ورقة التوت الأخيرة وتم إعلانها صراحةً بأن الرفض يرجع لأنه "مسيحي" الديانة، ولا يجوز لغير المسلم الولاية على المسلم.. وهنا أنا لا أدافع عن شخص بعينه لمجرد إنه "مسيحي" ولكن الفكرة تكمن في الرفض على "الهوية الدينية" فأين مصرية هؤلاء الأفراد؟؟.. لماذا لا يُعامل المسيحي على إنه "مصري" أولًا قبل النظر إلى هويته الدينية؟!! إن هذا الحدث وردود الفعل التي صاحبته يضع الدولة على شفا منحنى خطير ينجم عنه قتل خطأ لشعور المسيحي بالانتماء لوطنه! فما الذي سيدفع الطالب المسيحي إلى الاجتهاد وإحراز النجاح إذا كانت نتيجته في النهاية ستؤدي إلى إقصائه مهما بلغ من تفوق؟؟؟!! كنا نرى ذلك جليًا في عهد ما قبل الثورة من عدم تعيين الأقباط كمعيدين ورؤساء جامعات... أليس من المفترض أن الثورة التي نادت بالعدالة أن تمحو تلك السلبيات؟؟
أما من الناحية الاقتصادية، سيفكِّر ألف مرة كل قبطي بالداخل وبالخارج يريد أن يستثمر أمواله في مشاريع تفيد البلد وتعمل على نهضتها، بعد الخسائر الفادحة التي لحقت بها قبل أن يخطو تلك الخطوة... فمنْ ذا الذي سيغامر بأمواله في إقامة مصنع أو شركة أو حتى مشروع صغير ليجد تلك الأموال قد نُهبت أو أُحرقت أو سُلبت بطريقة أو بأخرى، إذا كان مشروعه قريبًا من أحداث فتنة طائفية ما؟ !
حتى مرحلة قريبة كان الأقباط يُتَّهمون بالسلبية وعدم الانخراط في الحياة السياسية.. ورغم اشتراكهم بدمائهم وأرواحهم في تلك الثورة، إلا إنه تم تهميش دورهم بل وفي بعض الأحيان إنكاره تمامًا وكانهم ليسوا مصريون!! وفي مرحلة ما بعد الثورة حينما قام أحد رجال الأعمال بإنشاء حزبًا سياسيًا ودعا إليه جميع أطياف الشعب على مختلف انتمائتهم، كان النظر إلى ذلك الحزب أيضًا على أن منْ أنشأه "مسيحي" الديانة، والاشتراك فيه كان يتم بحذر شديد وترقُّب، حتى أن إحدى الصديقات المسلمات شكت لي من تعنت إحدى موظفات الشهر العقاري لرفضها استخراج توكيلًا لها تستطيع به الإنضمام لذلك الحزب!! متَّهمة إياها بالمحاباة للنصراني ونعتتها بأقذع الألفاظ..
أرجوكم، كفى قتلًا لانتمائنا للوطن.. المسيحيون مصريون أيضًا، لهم كل الحقوق وعليهم جميع الواجبات.. إذا كنا نادينا بالحرية، فالحرية ليست بإقصاء الأقلية. إن كنا نادينا بالعدالة، فالعدالة تشمل الجميع دون النظر إلى ديانتهم. إن كنا نادينا بالديموقراطية، فالديموقراطية لا تصطبغ بالدين حتى تكون لها شرعية تفرض ما لا يوافق الكل من أجل إرضاء البعض.
يجب الانتباه جيدًا أن مخطط تقسيم "مصر" يجري على قدم وساق.. فاضربوا بيد من حديد على كل من يريد الاشتراك في هذا التقسيم- بقصد أو بحسن نية- حتى نتفادى حروبًا أهلية يعقبها تقسيم يسهل معه خلخلة كيان وتماسك هذا الوطن.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :