هل تنجو مصر من عش الدبابير؟
مقالات مختارة | مي عزام
السبت ٣٠ ديسمبر ٢٠١٧
(1)
ماذا يحدث في سيناء؟، سؤال تكرر وخاصة بعد حادثي مسجد الروضة ومطار العريش، في الحادثين الأخيرين ظهرت بصمات أجهزة استخباراتية، أجهزة تقدم معلومات دقيقة لرجال صناعتهم الإرهاب والموت وليسوا سوى أداة تنفيذ. حادث العريش، الذي كان المستهدف منه مقتل وزيري الدفاع والداخلية في آن واحد، لا يمكن أن يمر مرور الكرام، دون أن تستدعي الذاكرة بعضا مما صرح به موظف تحليل البيانات في المخابرات الأمريكية "إدوارد سنودن"، حين فضح، في عام 2013، برنامج بريزم الذي تتجسس به أمريكا على العالم، حتى هواتف زعماء الدول الأوروبية الحليفة لأمريكا كانت تحت المراقبة.
(2)
يعتريني الشك في دور للمخابرات الأمريكية والموساد، في عملية مسجد الروضة ومطار العريش. مؤخرا قدم بوتين الشكر لنظيره الأمريكي، لأن الأخير أبلغه بمعلومات استخبارية عن عملية إرهابية كان يخطط لها في بلاده وتم إحباطها جراء هذه المعلومات، فلماذا لا يحدث ذلك مع مصر؟، رغم أن السيسي في أول لقاء له مع ترامب في البيت الأبيض طلب منه بصورة مباشرة التعاون في مكافحة الإرهاب وخاصة في المجال الاستخباراتي، وأكد الرئيس الأمريكي دعمه الكامل لمصر في مكافحتها الإرهاب.
مصر في حاجة إلى معلومات، وأمريكا تمنعها عنا لسبب في نفس يعقوب، سواء كانت معلومات تخص الإرهاب في سيناء أو الصحراء الغربية وحدودنا مع ليبيا، وأعتقد أن هذا وراء الاتفاق بين مصر وروسيا والذي تم في نوفمبر الماضي ويسمح للطائرات العسكرية للدولتين بتبادل استخدام المجال الجوي والقواعد الجوية العسكرية ومدة الاتفاقية 5 سنوات، روسيا لديها أجهزة تماثل ما لدى الاستخبارات الأمريكية ويمكن الاستفادة منها بشأن حدودنا الغربية بصفة خاصة.
(3)
داعش أعلنت مسؤوليتها عن عملية مطار العريش، وأن الأمر تم بإطلاق صاروخ موجه لطائرة أباتشي، وأعلن المتحدث العسكري أن القذيفة أصابت إحدى طائرات الهليكوبتر بشكل جزئي، وأدى الحادث الإرهابي إلى استشهاد ضابطين وإصابة آخرين. هذا الحادث يضرب عدة عصافير بحجر واحد: سيناء ساحة مفتوحة أمام التنظيم الإرهابي، مصر غير قادرة على تأمين محيط المطار مع وجود زيارة لشخصين على قدر عالٍ من الأهمية (وزيري الدفاع والداخلية) وهما مسؤولان عن الأمن في الداخل وعلى الحدود، إذن كيف يمكن أن تؤمن حياة السائحين في مطاراتها؟، مصر لا تستطيع تأمين الأوضاع في سيناء والحل: تواجد قوات دولية لتأمين سيناء، وهو المتداول في بعض وسائل الإعلام الأمريكية مؤخرا. والحقيقة أن المطلوب ليس تواجد قوات دولية ولكن أمريكية لتأمين سيناء وغيرها من المناطق في مصر كتب عنها دانيال بنيم في مجلة «فورين بوليسي» مقالا بعنوان «ماذا يريد ترامب حقا من السيسي؟».. من بين ما قاله في المقال إعطاء القوات الأمريكية إمكانية الوصول إلى منطقة سيناء، والسماح لها بتأمين حدود مصر من الفوضى القادمة من ليبيا وغزة، وكذلك حماية قناة السويس، وتأمين سيناء. وذكرت ذلك تفصيلا في مقال نشره «المصرى اليوم» في إبريل الماضي بعنوان: ماذا ستقدم مصر مقابل ما تطلبه من ترامب؟
www.almasryalyoum.com/news/details/1113499
(4)
كيف استطاع الإرهابيون الذين قاموا بحادث مطار العريش معرفة موعد زيارة الوزيرين؟ من الذي قدم لهم هذه المعلومة السرية للغاية، إلا أجهزة استخبارات لديها برامج تنصت على اتصالات جميع المسؤولين المصريين بمن فيهم رئيس الدولة وفك الشفرات التي يمكن أن تستخدم في هذه الاتصالات، وهو ما سبق أن فضحه سنودن في 2013 عن برنامج بريزم، وما صرح به في 2015، بعد أن نصب "أبو بكر البغدادي" نفسه خليفة للدولة الإسلامية في العراق والشام، المعروفة اختصارا باسم داعش، وعلق "إدوارد سنودن" على الأمر بتصريحات صحفية جاء فيها، إن جهاز "السي آي إيه" والمخابرات البريطانية تعاونا مع الموساد الإسرائيلي لخلق منظمة إرهابية قادرة على جذب كل المتطرفين في جميع أنحاء العالم بمكان واحد، منتهجة استراتيجية تدعى "عش الدبابير" تهدف إلى تركيز جميع التهديدات الرئيسة في مكان واحد، من أجل السيطرة على المتطرفين، وفي نفس الوقت زعزعة استقرار الدول العربية.
كما أنني أميل لتصديق أن أبوبكر البغدادي تلقى تدريبًا عسكريًا لدى الموساد، بالإضافة إلى تلقيه دروسا في الاتصالات وأسلوب مخاطبة الجماهير والتأثير عليهم وحشد المتشددين في جميع أنحاء العالم لنصرته، ولعل ذلك يجيب عن: لماذا لم تتعرض إسرائيل لهجمات داعش ولو مرة واحدة؟، والأخبار التي تؤكد علاج الدواعش في المستشفيات الإسرائيلية وإعادتهم من جديد للقتال في سوريا.
(5)
التاريخ يؤكد أن إسرائيل لا يمكن أن تكون حليفا لمصر أو جارة يؤمن غدرها، لأن مشروعها يناقض المشروع الوطني المصري، لديها مطامع في أرضنا لا تخفيها، تروج له مرة على اعتبار أنه حل للقضية الفلسطينية، عبر صفقة القرن التي تظهر وتختفي كل فترة، ومرة أن الأمر لصالح البلدين والمنطقة، وهي لا تخطط إلا لصالحها وكذلك أمريكا التي خططت لتقسيم العراق وسوريا وفشلت لظروف إقليمية ودولية خارجة عن إرادتها، وهي الآن تعمل على استعادة نفوذها في المنطقة بعد العودة الروسية البارزة.
(6)
واليوم حادث إرهابي جديد يهز حلوان وهذه المرة موجه ضد الأقباط.. هل الأمر مصادفة: أن تتزامن هذه العملية مع الحديث عن مشروع قرار في الكونجرس قدمه 6 أعضاء من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، يطالب بربط المعونة باتخاذ مصر خطوات لضمان المساواة وإنهاء تهميش المسيحيين في المجتمع المصري، ويراه البعض ذريعة للتدخل الأمريكي في الشأن الداخلي المصري، أو تبرير وجود قوات دولية لحماية المسيحيين وتأمين سيناء، عش الدبابير على ما يبدو تم نقله لمصر.. اللهم احم مصر وشعبها.
نقلا عن المصري اليوم