بقلم: عبد الرحيم علي
في العدد رقم"43"، الصادر في شهر ديسمبر 1979، يكتب أحد الشباب إلى مجلة "الدعوة".
أنا شاب متدين أحب الطاعة وأواظب على الصلاة. ولكني أتأثر حين أرى امرأة سافرة أو أستمع إلى قصص الحب والغرام، وأخشى على ديني. . فماذا أعمل؟ وهل تباح العادة السرية؟ وخاصة أن أمثالي كثيرون "ف. م. جمال" القاهرة.
فكيف يجيب مفكر الإخوان ومفتيهم عن الشق الأول من الأزمة التي يطرحها الشاب؟!:
• لفت نظري كثرة الرسائل حول هذه المعاني. ونبارك في الشباب هذا الإحساس الكريم والخوف على أنفسهم والتفكير في مستقبلهم، فالشباب المتدين المسلم في حيرة - حين يخرج إلى الشارع أو الجامعة أو العمل - بين سفور فاضح وشعور مرخاة وملابس شفافة كاشفة. وخلط عجيب بين أزياء الرجل وملابس النساء. وترجل النساء. وتأنث البعض من الشباب. وهذا كله من عمل أعداء الإسلام، حدث في غفلة من المسلمين، وغيبة النظام الإسلامي الذي يحمي الفرد والأسرة والأمة. جاء في البروتوكول التاسع لحكماء صهيون "لقد خدعنا الجيل الناشئ من الأمميين (أي من غير اليهود) وجعلناه فاسدا متعفنا بما علمناه من مبادئ ونظريات معروف لدينا زيفها التام. ولكنا نحن أنفسنا الملقنون لها"، ويجب على المؤمنين الصادقين من حملة المنهج الإسلامي أن يفكروا في حلول عملية لواقع الشباب ولمشاكله فليس من المعقول ونحن نربي الشباب على العفة والطهارة والتسامي بأنفسهم أن نتجاهل نداء الغريزة، "فلا رهبانية في الإسلام"، ويجب علينا كآباء أن نتخلص من تعقيدات المجتمع وشكلياته، وأن ننظر إلى الزواج على أنه طاعة وقربى إلى الله لا سلعة محل مساومة. وبمجرد القدرة العادية للشاب على الزواج علينا أن نعينه على استكمال نصف دينه في حدود سماحة الإسلام وبساطته. وعلينا كأصحاب دعوة أن نجعل من أنفسنا حقل تجربة وميدان تطبيق لما ندعو إليه، ويومئذ نكون قد نجحنا وقدمنا حلولا لكثير من المشاكل. وهذا خير ما نقدمه لدعوتنا.(9)
مقدمة إنشائية وعظية، لكنها تفضي سريعا إلى تبرئة الشباب المأزوم من كل ذنب، فالعبء كله يقع على ما يحويه الشارع من المفاسد والشرور التي تصنعها النساء: السفور الفاضح والشعور المرخاة والملابس الشفافة!. ولا بد أن تطل فكرة المؤامرة التي يدبرها أعداء الإسلام في كل مكان وزمان، وليس أدل على هذا من "بروتوكولات حكماء صهيون" للتأكيد على أن اليهود يخططون ويدبرون ويكيدون للإسلام، وإنهم نجحوا في ذلك بلا مشقة أو عناء، وكأن المسلمين مجرد أدوات لا عقل لها ولا إرادة لديها!. إن سؤال الشاب ينتهي بكلمات واضحة محددة تحتاج إلى إجابة مشبعة مقنعة: ماذا أفعل؟!. البرنامج البديل الذي يقدمه الإخوان يتسم بالعمومية والغموض، فكيف يمكن التخلص من تعقيدات الزواج؟ وكيف نعين الشباب عليه؟. ثمة ضروريات أساسية كتوفير المسكن والحد الأدنى من تكاليف المعيشة، وهى هموم مادية مباشرة لا يكمن علاجها بالشعارات الرنانة. ولعل الشاب نفسه قد أدرك من الإجابة غير المشبعة أنه لن يجد علاجا قريبا ميسورا، وأن الإخوان أنفسهم لا يملكون تصورا علميا محددا واضحا لتحويل النوايا الحسنة والعبارات البراقة إلى واقع فعلي ملموس. ولأن الإخوان لا يملكون علاجا حقيقيا للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع المصري، فإنهم يتشبثون بالإدانة القاسية للمرأة والمطالبة بقمعها وترويضها وحجبها عن الأنظار، كأنها عدوى قاتلة!.
ويتجلى عداء الإخوان غير المحدد للمرأة في فتوى أخرى يقدمها العدد رقم "39" أغسطس1979، إذ يسأل مسلم من ألمانيا. .
أريد الاستفسار عن هذا الحديث الذي قرأته وما هي دلالته. . يقول رسولنا صلى الله عليه وسلم "صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها. وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا". .
وتأتى الإجابة عن الشطر الثاني من سؤاله على النحو التالي:
الشطر الثاني من الحديث يخبرنا عن صنف من النساء يصفهم بأنهن كاسيات لأن ما عليهن من الثياب لا للستر والتغطية بل لإظهار مفاتن الجسد فهن عاريات وهذا هو أكثر ملابس النساء في عصرنا هذا. . ويشير الحديث إلى التسريحة التي يصنعها الكوافير اليوم. وإلى "الباروكات" التي يتفنن في صنعها ووضعها. كل هذا العري والتكلف لإثارة الشهوات والإغراء والفتنة يقول صلى الله عليه وسلم "أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية"، ولقد حذرنا الحديث من الوقوع في الانحلال؛ لأنه شر ما تصاب به الأمم.
وحذرنا من هذه الأصناف وأخبرنا بطردهم من رحمة الله لأنهم أعداء لله ولرسوله وللإنسانية. . وواجب على كل مسلم أن يحرس الإيمان في نفسه وبيته وبيئته وأن يحذر من التقليد والمقلدين وأن يتواصى مع الآخرين بالحق والصبر. وأن ينزل على أمر الله ورسوله. وكل مسلمة يجب عليها أن تحذر من هذه الأوصاف التي ذكرها الحديث حتى تجد ريح الجنة وتكون من أهلها وإلا فإن الأمر خطير. واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم تُوفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون".(10)
نساء العصر الحديث هن المقصودات بالحديث المنسوب إلى الرسول، والمفردات المستخدمة في الشرح والتحليل تتجاوز الماضي البعيد إلى الواقع المعاصر، وهو ما يتمثل في "الكوافير" و"الباروكة" والعري والتعطر، وهذه المفردات جميعا من علامات الفساد والانحلال والتدهور في المجتمع!. المشكلة الحقيقية أن الإخوان يختزلون مشكلات الواقع المعقدة في الفساد الأخلاقي وحده، ثم يختزلون هذا الفساد في المرأة دون الرجل، ثم يترجمون الفساد النسائي إلى بعض المظاهر الشكلية التي لا يمكن أن يمثل اختفاؤها علاجا ناجحا لمن يعجزون عن الزواج، ويعانون من الحرمان الجنسي. ويتوقون إلى تكوين أسرة مستقرة.
السؤال هنا: هل يرى الإخوان المسلمون أن العوامل الاقتصادية والسياسية بعيدة عن التأثير الحقيقي، أم أنهم لا يملكون برنامجا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا متماسكا يتيح لهم التصدي للمشاكل المتراكمة؟!
برنامجهم القاصر ذو الطبيعة الإنشائية الوعظية يدفعهم إلى الإلحاح على مخاطر السلوك الفردي، وهي ممارسات قد تكون خاطئة مرذولة تستحق الإدانة والرفض، لكنها انعكاس للأزمة العامة وليست صانعة لها. ما الذي يمكن استخلاصه من عموم الرؤية الإخوانية المتحاملة على المرأة ؟!
إذا كانت المرأة هي أصل الفساد وصانعة الشرور في الدنيا، والمعرضة للعذاب الأكبر في الآخرة، فإن الحديث عن حقها في تقلد المناصب الرفيعة في الدولة، بل حقها في العمل أيضا دون نظر إلى خطورته وأهميته، لا يحتاج إلى مناقشة، فالمسألة محسومة، ولا يحق للمرأة أن تماثل الرجل أو تزاحمه في أمور الدنيا.
في العدد رقم"58"، فبراير 1981 يسأل "ن. س. ز. " من سوهاج:
ما هو سند الحديث الذي يقول "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" وما هو حكم تولي المرأة الولاية العامة؟. .
ويقدم الإخوان الإجابة نهائية وحاسمة تعلن عن رفضهم الصارم:
- الحديث صحيح ومروي في صحيح البخاري وأحمد والنسائي والترمذي. عن أبي بكرة رضي الله عنه. قال: "لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس ملكوا عليهم بنت كسرى قال: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" يقول العالم الداعية المرحوم المودودي: "إن هذا النص – يقصد الحديث – إذا قرن بقوله تعالى "الرجال قوامون على النساء" فهما قاطعان بأن المناصب الرئيسية في الدولة – رئاسة كانت أو وزارة أو عضوية مجلس شورى أو إدارة مختلف مصالح الحكومة – لا تفوض إلى النساء.
- وقد يأتي الاعتراض من هنا: بأن الحكم في الآية وهو القوامة إنما يتعلق بالحياة العائلية لا بسياسة الدولة. . ونسأل هذا المعترض المخالف لصريح القرآن والسنة. إذا كان الله جل جلاله لم يجعلها قوامة في البيت على عائلة واحدة. . فهل يبيح لها أن تصبح قوامة على الدولة وبها ملايين البيوت؟؟ لا شك في أن القوامة على الدولة أخطر شأنا. ونحن نرى في أيامنا هذه، تطاولا منهن على دين الله. . فواحدة تقول "إنني ضد الحجاب والمحجبات يخفن الأطفال بمنظرهن الشاذ" ثم يأتي التطاول على الإسلام فتقول "الإسلام لم يدع إلى ارتداء الحجاب"، ثم تتطاول على الحدود التي فرضها الله فتقول عنها "إنها موضوع يحتاج إلى مناقضات كثيرة"، وكيف يفلح قوم يجاهر بينهم بمثل هذه المنكرات وما فيها من خروج صريح على منهج الله ورفض له بل وتطاول عليه، وهناك فرق بين تولي المرأة المناصب وتسيير دفة الأمور وهو ما منعه الإسلام، وبين قيامها بدور الفقيه أو الموجه أو المفتية لبنات جنسها كما تستشار أيضا. ولقد استشار المصطفى صلى الله عليه وسلم زوجته أم سلمه بعد صلح الحديبية وأشارت عليه بالرأي السديد. وكان الخلفاء يستشيرونهن ويعتدون بآرائهن إذا كانت أهلا لذلك، يقول بعض التابعين ما اختلفنا في رأي ولا فقه ولا علم ولا شعر ثم رجعنا إلى أم المؤمنين عائشة إلا وجدنا عندها الفتوى فيما اختلفنا فيه.(11)
الحديث من قبيل العام الذي قصد به الخاص، كقوله تعالى في محكم تنزيله "الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم"، فلا الناس الأوائل هم كل الناس ولا الناس الآخرون هم كل الناس، وكذلك ما ورد في قتال النصارى واليهود حتى يدفعوا الجزية في الآية 31 من سورة التوبة (آية السيف)، وكان مقصودا به قسم من نصارى الشام واليهود الذين تم إجلاؤهم من المدينة لجرائم ارتكبوها، وقد كانوا جميعا يجهزون لغزو المدينة وإخراج الرسول والمسلمين منها، وليس كل النصارى أو كل اليهود. وعلى الرغم من أن قاعدة "العام والخاص" في النص القرآني وفى أحاديث الرسول الكريم لا تخفى على ذوي العلم بأصول الفقه فإن مفتي الإخوان اعتبر الحديث ليس من قبيل العام الذي قصد به الخاص ( أي قوم كسرى والمرأة) واستعان في إثبات وجهة نظره بالمودودي، ليقطع في النهاية بأن الحديث يقضي بالإبعاد الشامل للمرأة، ليس عن منصب رئاسة الدولة فحسب، بل عن كافة الوظائف الأخرى، كبيرة كانت هذه المناصب أم صغيرة، بما في ذلك رئاسة الإدارات في المصالح الحكومية!.
ويتجلى الخلط الفادح في اعتبار الإخوان أن قوامة الرجل على المرأة في البيت تبرر القوامة الحتمية للرجال على النساء في ميادين العمل المختلفة، ويغفلون أن امرأة عالمة في تخصصها قد تطيع زوجها في البيت دون أن يكون أكثر منها علما، وليس من المنطقي أن يرأس المرأة في عملها العام من هو دونها كفاءة وقدرة، لمجرد أنه رجل!. ويستمر الخلط المتعمد عند الحديث عن قوامة المرأة الرئيسة العاملة على ملايين في البيوت، فكأن رئاسة المرأة لشركة أو مصلحة حكومية مما يمتد تأثيره إلى الملايين!
وينتقل صاحب الفتوى من حق المرأة في العمل والصعود الوظيفي بالكفاءة والخبرة إلى هجوم فجائي على بعض أفكار النساء ومطالبهن: الحجاب والحدود، وتتم صياغة هذه الأفكار دون دقة، فيقال إنهن متطاولات على الإسلام، وهو ما يعني ببساطة أنهن كافرات مباحات الدم!. لا علاقة لهذا الهجوم العنيف غير الموضوعي بالفتوى التي تتصدى لها المجلة الإخوانية، فضلا عن أن مثل هذه الأفكار التي "تتطاول" على الإسلام -من منظور الإخوان- يرددها رجال كثيرون ولا تقتصر على النساء وحدهن، فكيف يكون الحكم عليهم، وما علاقة ذلك الاختلاف الفكري بحق المرأة في تولي المناصب؟!. إذا سلمنا جدلا بتجاوز بعض النساء، فهل يترتب على ذلك حرمان الجنس كله من حق أصيل؟. وما العمل مع "الرجال" الذين يتجاوزون؟. هل يتم تحريم مناصب الدولة على الرجال أيضا؟!.
الغريب أن صاحب الفتوى لا يجد حرجا في أن تتولى المرأة القيام بدور الفقيه مع بنات جنسها، وهى وظيفة تتطلب علما وإحاطة، فهل تكون أمور الدنيا عند الإخوان أخطر من أمور الدين؟ وكيف يستساغ أن تقوم المرأة بدور الفتوى، بكل ما يترتب عليه من نتائج وآثار، ويخشى على المجتمع من قيامها بدور في القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بوصفها عالمة ومتخصصة.
مثل هذا التحريم الجائر غير المقنع، والفصل غير المبرر عبر جواز الفتوى في الدين وتحريم الفتوى في الدنيا، يتضمن تشكيكا ضمنيا في عديد من الدول الإسلامية التي وصلت فيها المرأة إلى مناصب الرئاسة العليا، كما هو الحال في باكستان وبنجلاديش وتركيا، فهل غفل علماء الدين هناك، وبعضهم ممن يضرب بهم المثل في العلم، عن إدراك الحكم النهائي الذي يصدره الإخوان في مصر كأنهم يقررون حقيقة يقينية لا مجال لمناقشتها؟!.
من الضروري هنا أن نسأل الإخوان عن تقيمهم للآراء المضادة التي يبديها احد أهم الفقهاء في العصر الحديث، وأفتى به الدكتور محمد سليم العوا في كتابة "الفقه الإسلامي في طريق التجديد"، يقول العالم الكبير بالحرف الواحد: "والحق أن المرأة، من حيث تمتعها بحقوقها وحرياتها العامة، ومشاركتها في العمل السياسي العام، كالرجل سواء بسواء. وإنه لا تعارض بين قيامها بواجبها السياسي وبين قيامها بواجباتها الأخرى إلا بقدر ما يقع مثل هذا التعارض بين واجبات الرجل السياسية وواجباته الأخرى كذلك. وهو تعارض يزال-حين يقع- بصورة فردية في كل حالة على حدة، وليس من بين وسائل إزالته أو رفعه وضع قواعد مانعة للمرأة من العمل العام، أو قبول هذه القواعد حين يضعها الآخرون. ويضيف الدكتور العوا: والمعترضون على ولاية المرأة للمناصب السياسة يحتجون بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" وهذا الحديث لا حجة فيه؛ لأن الأمر الذي يشير إليه هو أمر الولاية العامة التي ليس فوقها ولاية. وهى الخلافة أو الرئاسة العامة للدولة الإسلامية الواحدة التي تضم العالم الإسلامي كله. وهى دولة لم تعد موجودة الآن، ولا يتوقع أن توجد في المستقبل البشري المنظور. ويصل العوا إلى القول ولا بأس من حيث الأهلية والكفاءة أن تتولى المرأة بعض هذه السلطات- ولو كانت رئاسة الدولة- لأن أيا من تلك السلطات- بما فيها الرئاسة نفسها- لا تمثل الأمر الذي يدل الحديث على عدم فلاح من يولونه لامرأة لذلك فإنني لا أرى مانعا شرعيا من ولاية المرأة أي منصب تؤهله لها كفاءتها وقدرتها وثقة الناس- الناخبين- فيها إذا كان من مناصب الانتخاب أو ثقة المسؤولين عن التعيين إذا كان مما يعين له القائم به".(12)
المساواة بين الرجل والمرأة هي الأصل، وحق المرأة في تقلد المناصب الرفيعة في الدولة مما يقره الإسلام، والفساد الذي يتوقف عنده الإخوان مسئولية مشتركة بين الرجل والمرأة، وهذا الفساد ليس إلا تعبيرا عن خلل سياسي واجتماعي وثقافي، وهو يتطلب برنامجا عمليا لا يملكه الإخوان، ولن يملكونه أبدا؛ لأنهم راضون بالوقوف في المنطقة التي يتوهمونها دافئة بين الدين والسياسة، وهم يتصورون بذلك أنهم يربحون من الشعارات الدينية، ولا يخسرون لأنهم بعيدون عن العمل السياسي الحقيقي. لكن الإخوان يتورطون في أمور السياسة والدنيا، وتكشف بعض قيادتهم عن الانتهازية السياسية التي تتدثر بالدين وتبحث فيه عن مبرر لا وجود له ولا مسوغ.
في العدد رقم "25" من مجلة "الدعوة"، الصادر في يونيو 1978، يسأل الشيخ إدريس الحسن، من السودان:
هل يجوز شرعا أن يمنع بلد إسلامي تزوج فتياته لأي مسلم من بلد آخر.
وتأتي الإجابة سياسية أكثر منها دينية:
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير" وليس اختلاف الموطن سببا في منع الزواج فمتى كان المسلم مستقيم السلوك قادرا على الإنفاق على أسرته فليس في الإسلام ما يمنع من تزويجه من يريد ممن يحللن له. وأعتقد – أخي السائل – أن السلوك الذي أشرت إليه في بعض البلاد الإسلامية يرجع إلى أسباب أخرى غير الموانع الشرعية. ولا شك أن تقييد المباح جائز شرعا إذا دعت إليه مصلحة.(13)
الحديث النبوي الشريف واضح في تحديد شروط الزواج الشرعي المتكافئ الذي لا يجوز منعه: الدين والخلق، وصاحب الفتوى نفسه يؤكد أن اختلاف الموطن لا يصلح سببا لمنع الزواج، وسرعان ما تستدرك الفتوى لتصل إلى نتيجة مغايرة، مفادها أن مثل هذا المنع مباح وجائز عند الضرورة، والضرورة هي المصلحة التي يحددها الحاكم والعرف الاجتماعي بطبيعة الحال. البلاد التي تقيد الزواج معروفة، وليس من "مصلحة" الإخوان إغضابها أو نقد ما تمارسه من سياسات قد تصطدم مع صحيح الدين. من هنا يلجأ الإخوان إلى القاعدة الفقهية الصحيحة التي لا يستعينون بها عندما يناقشون قضايا أخرى لا تقل أهمية. السياسة هنا، وليس الدين، هي التي تلعب الدور الأكبر في تشكيل الفتوى، وليس الموقف من المرأة في عمومة إلا فعلا سياسيا، يتدثر بالدين لإخفاء المصداقية والتغطية على الجانب السياسي ذي الجذور الاجتماعية وثيقة الصلة بالدنيا.
الإخوان المسلمون والحقوق الإجتماعية والإنسانية للمرأة:
ونصل الى فتاوى الإخوان وأفكارهم في الجوانب التي تتعلق بالحقوق الإجتماعية والإنسانية للمرأة مثل:
1- العلاقة مع الزوج
2- المتعة الجنسية
3- الصحة البدنية والنفسية
4- الزي
5- العمل
أولا: العلاقة مع الزوج
سبق أن أشرنا إلى عجز الإخوان المسلمين عن تقديم علاج جذري عملي لمشكلة الزواج، المرتبطة بعدة عوامل اقتصادية واجتماعية معقدة ومتداخلة، ويميل الإخوان دائما إلى ترديد العبارات الإنشائية في محاولة منهم لإزاحة المشكلة وعدم التورط في الاعتراف بغياب برنامج تفصيلي يتيح لهم أن يتصدوا لعموم المشاكل الاجتماعية المتفاقمة، بما فيها مشكلة الزواج. ويتكرر هذا الموقف بشكل تفصيلي في العدد رقم 37، الصادر في يونيو 1979. يسأل مجدي دياب، من بني سويف:
1- ويجيب الشيخ الخطيب:
مشكلة الزواج صارت صعبة، المهر مرتفع والشبكة وأزمة السكن فما هو الحل؟ الحل أن نعود إلى شرع الله، فما نحن فيه من مشاق وشدائد سببه أننا أعرضنا عن تحكيم شرع الله وصدق الله العظيم "ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا" إن الإسلام لم يضع حدا لتكاليف الزواج لاختلاف الناس في الغنى والفقر والسعة والضيق. وترك المسألة حسب الطاقة، فيصح أن يكون المهر خاتما من حديد، أو قدحا من تمر. أو تعليما لكتاب الله. إذا تراضى الطرفان على ذلك... قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل يريد الزواج "التمس ولو خاتما من حديد، فالتمس فلم يجد شيئا، فقال له-هل معك من القرآن شيء؟ قال نعم سورة كذا وكذا؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد زوجتكما بما معك من القرآن" رواه البخاري ومسلم. وقد زوج سيد أهل المدينة وعالمها – سعيد بن المسبب – ابنته لطالب علم فقير بدرهمين ولم ينكر عليه بل عد بذلك من علمه وفضله، وتزوج عبد الرحمن بن عوف على صداق خمسة دراهم وأقره الرسول على ذلك. والإسلام يعتبر قلة المهر من يمن المرأة وبركة الزواج، جاء في الحديث "أن أعظم النكاح بركة أيسره مئونة"، وجاء أيضا "يمن المرأة خفة مهرها. ويسر نكاحها. وحسن خلقها. وشؤمها غلاء مهرها وعسر نكاحها. وسوء خلقها" ولا علاج للبشرية إلا بالعودة إلى هذا النبع الصافي لنجد الحياة واليسر والسعادة والاستقرار. وهذا هو العلاج والدواء.(14)
العودة إلى شرع الله هي الحل، وتغيب التفاصيل بطبيعة الحال. ويتجاهل الإخوان المسلمون حقيقة أن الزواج في العصر الحديث مسألة معقدة، وأن الأزمة التي يعانيها الشباب لن تنتهي إذا كان المهر خاتما من حديد أو قدحا من التمر. المستهدف أن يضم الزوجين مسكن، وأن يكون لهما من الإيراد الشهري الثابت المضمون ما ينهض بتكاليف المعيشة ومفرداتها المتنوعة: الطعام والشراب والدواء والمواصلات وإيجار المسكن وغير ذلك كثير من وجوه الإنفاق الضرورية. النماذج التي يستعرضها صاحب الفتوى تنتمي إلى مرحلة تاريخية مختلفة. السائل يتكلم عن أزمة المساكن، ولا تعليق من الجماعة حول هذه النقطة، فهي تعرف أن الأزمة المشار إليها لا يمكن أن تعالج بالكلمات البليغة واستدعاء بعض الحكايات القديمة، والبديل المريح هو إيثار الصمت الكامل كأن أحدا لم يسأل!
الزواج تسبق مراحله الخطبة، فهل من حقوق للخاطب؟ وهل يمكن أن يتم الزواج قبل التعارف الوثيق بين زوجي المستقبل، وهو تعارف ضروري حتى لا ينشأ التنافر ويظهر الاختلاف الذي تفسد الحياة الزوجية فيما بعد؟.
يلح هذا الهاجس على كثير من الشباب المسلم الذي يسعى إلى التمسك بدينه ومسايرة روح العصر في الوقت نفسه، وتأتي الإجابة في العدد رقم "12"، مايو 1977.
ج: لا يجوز لرجل أن يرى من المرأة الأجنبية – التي ليست محرما له – إلا ما أباحه الشارع من المرأة في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل المرأة عورة إلا وجهها وكفيها" وحملوا قدميها على الوجه والكفين للحاجة.
أما الخاطب فيجوز له أن ينظر من خطيبته الوجه والرقبة واليدين والقدمين، كما يجوز له أن يكرر النظرة ويتأمل المحاسن من فوق الثياب بدون إذن إذا أمن الشهوة وبغير خلوة.(15)
هل يستطيع الخاطب، عبر هذه النظرة، أن يتعرف على الملامح "الكاملة" لمن ستكون زوجا له؟!.
إن الزواج لا يقتصر على العلاقة الجسدية الحسية بطبيعة الحال، فكيف يتعرف طرفا العلاقة؟ هل تتيح النظرة للوجه والرقبة والقدمين واليدين معرفة بالعقل وطبيعة التفكير والطباع الغالبة ومستوى الوعي والإدراك، ويزداد الأمر تعقيدا وصعوبة عند من يقيمون خارج الوطن، ويضطرون إلى الاحتكاك بالتقاليد والعادات والأعراف المسيطرة هناك.
في العدد"23"، إبريل 1978، يسأل طالب مقيم في ألمانيا الغربية:
المجتمع هنا يحتم على الشخص أن يتزوج إن أراد العصمة. والزواج بالعربيات له مشاكله، والأسهل الزواج من الأجنبيات فما الحكم؟ وما رأيكم في الصداقة قبل الزواج بقصد التعرف؟.
وتأتى الإجابة:
الزواج من المسلمة المتدينة أفضل من الزواج من مجرد مسلم