فنان الزمن الجميل .. أنشودة الحب والوطنية
ميرفت عياد
السبت ٣٠ ابريل ٢٠١١
بقلم: ميرفت عياد
فنان الزمن الجميل.. اللحن الذي عزف على أوتار القلوب على مدار أجيال متعاقبة.. الصوت الدافئ الذي أذاب الجليد الرابض فوق القلوب المتحجرة.. نسيم الحب.. وعبير الحرية.. نغمات العشق الخالدة التي ارتَّجت لها أوتار عوده لتخرج ألحانًا لا يستطيع الزمن أن يمحوها، أو موجة الأغاني الشبابية أن تخطف الأضواء منها.
إنه الفنَّان القدير موسيقار الأجيال الدكتور "محمد عبد الوهاب" الذي نحتفل بذكرى رحيله عن عالمنا يوم 3 مايو من كل عام، ونحن لا نرثيه ولكن نرثي أنفسنا؛ لأننا فقدنا قيمة فنية قلما يجود الزمان بمثلها.
بزغت شمس يوم 13 مارس 1902 في حى "باب الشعرية" معلنة ميلاد طفل جميل متعدد المواهب، فقد كان حقًا ملحنًا ومطربًا ومؤلفًا موسيقيًا وممثلًا سينمائيًا، كان هذا الشاب ذا العود اليافع والنظارات الدائرية مؤمنًا بأهمية العلم في ثقل الموهبة، لذا قام بدراسة آلة العود في معهد الموسيقى العربية، ليمتزج العلم بالموهبة مخرجًا لنا أنغام مازالت تطرب الآذان وتروي النفوس العطشى إلى لحظة هدوء وسلام، إلى لحظة طرب أصيل.
ارتبط موسيقار الأجيال بأمير الشعراء "أحمد شوقي"، حيث كان يعتبره الأب الروحي والمثل الأعلى الذي تعلَّم منه الكثير، وكان نبراسًا له يهتدي به في طريق الفن الذي لم يخلُ من العوائق والمشاكل. وبالفعل استطاع "أحمد شوقي" أن يصطحبه في الحفلات والسهرات التي تضم رجال الصحافة؛ أمثال "عباس محمود العقاد" و"طه حسين" و"المازني"، وأيضًا رجال السياسة؛ أمثال "سعد زغلول" و"أحمد ماهر".
بزغ نجم الفنان "محمد عبد الوهاب" وذاع صيته واكتسب شهرةً في الوسط الفني، وظل في أحاديثه الصحفية أو التليفزيونية يذكر فضل أمير الشعراء عليه، ولم يكتف بهذا بل لحَّن له العديد من القصائد مثل "دمشق" و"مضناك جفاك مرقده"..
"لقاء السحاب".. هذا هو اللقب الذي أُطلق على لقاء ألحان "عبد الوهاب" وحنجرة "أم كلثوم" الذهبية، حيث شدت وغنت عشرة من أجمل أغانيها من ألحان "محمد عبد الوهاب"، وهم: أنت عمري، أنت الحب، أمل حياتي، فكروني، هذه ليلتي، ودارت الأيام، أغدًا ألقاك. كما لحَّن للعندليب الأسمر "عبد الحليم حافظ" العديد من الأغاني العاطفية التي مازالت في وجدان الشعب المصري حتى الآن؛ مثل توبة، أهواك، فوق الشوك، لست قلبي، وغيرها..
أما أغاني "عبد الحليم حافظ" الوطنية، فاستطاعت ألحان "عبد الوهاب" أن تحيي كلماتها وتشعل حماسة الشعب ورغبته في النضال، مثل: يا حبايب بالسلامة، المركبة عدت، الوطن الأكبر، والتي غناها العندليب مع مجموعة كبيرة من الفنانين.
ومن يستطيع أن ينسى أغاني فيلمي "غزل البنات " و"عنبر" التي لحَّنها الموسيقار "محمد عبد الوهاب" وشدى بها صوت الفنانة الجميلة "ليلى مراد"، والتي قام "عبد الوهاب" بتلحين العديد من الأغاني لها؛ مثل: حيران في دنيا الخيال، ياللي غيابك حيرني، أرق النسيم. إلى جانب العديد من الفنانين والفنانات التي قامت أوتار "عبد الوهاب" بالتلحين لهم.
عاش "عبد الوهاب" قلبًا ينبض بالحب لوطنه، وهذا ما ظهر في أنغامه وألحانه التي تعدَّت الأربعين أغنية، ولعل أهمهم النشيد الوطني "بلادي.. بلادي" الذي قام بإعادة تلحينه وتوزيعه بناء على طلب من الرئيس الراحل "محمد أنور السادات"، إلى جانب العديد من الأغاني الوطنية الأخرى؛ مثل: نشيد الجهاد، زود جيش أوطانك، نشيد الحرية، نشيد القسم، دقة ساعة العمل، بطل الثورة، حرية أراضينا، قولوا لمصر، وغيرهم الكثير.
ولم يقتصر إبداع "عبد الوهاب" على مجال الطرب فقط، بل استطاع أن يطوِّع موهبته المتعددة ليقوم بتقمص سبع شخصيات قام بتمثيلها في سبعة أفلام سينمائية قام ببطولتها، وهم: الوردة البيضاء، دموع الحب، يحيا الحب، يوم سعيد، ممنوع الحب، رصاصة في القلب.
ومن الطبيعي أن تحصد موهبة متألقة مثل موهبة الموسيقار "محمد عبد الوهاب" العديد من الجوائز التي يصعب حصرها، مثل الدكتوراة الفخرية من أكاديمية الفنون، ولقب فنان عالمة من جمعية المؤلفين والملحنين في "باريس"، ولقب "فنان الشعب"، والميدالية الذهبية للرواد الأوائل في السينما المصرية، والاسطوانة البلاتينية، وغيرها الكثير.
ورحل موسيقار الأجيال "محمد عبد الوهاب" يوم 3 مايو 1991 عن عمر يناهز التسعين عامًا بعد أن أمتع الملايين ومايزال يمتعهم بفنه وموهبنه الخالدة.