الشيخُ الطيب.. الشيخُ الشابُّ.. شكرًا لك

نموذجٌ مشرّفٌ للمؤمن الحقّ كما يريده اللهُ (تعالى). نموذجٌ رفيعٌ لرجل الدين الحق، كما يليقُ به أن يكون. نموذجٌ راقٍ للإنسان المُعافَى من أمراض الأشرار وأدرانهم، كما رسمَه اللهُ أمام ملائكته ليكون خليفتَه على الأرض، فاستحقَّ أن تسجدَ له الملائكةُ. نموذجٌ للمصرى النبيل خليقٌ بأن يكون حاملاً مِشعلَ أولى حضارات الأرض وأعرقِها. نموذجٌ يُحتذَى للمسلم الذى لا يكتفى بأن يَسْلَمَ الناسُ من لسانِه ويده، بل يعمل على حماية الناس من ألسن الأشرار وأياديهم. نموذجٌ طيبٌ لشيخ أزهرى، لا نقبل مَن هو دون تحضّره من رجال الأزهر الشريف ودُعاتِه. نموذجٌ يُعيدُ إلى أذهاننا نماذجَ فريدةً مرّت بتاريخنا من رجالات الأزهر فى عهودٍ سابقة أكثر سُموًّا، حين كان الأزهرُ يقوم بدوره الذى ينبغى له فى تحقيق رسالة السلام والمحبّة، التى جاء بها الإسلامُ إلى هذا العالم. الشيخ الطيب، خطيبُ مسجد «الدسوقى»، بحى حلوان، المجاور كنيسة مارمينا، التى تعرّضت، قبل أيام لعمل إرهابى خسيس، أهرق دماءً كثيرة، وكان مُقرَّرًا له أن يُهرِق المزيدَ من الدم، لولا تحضُّرُ هذا الشيخ، وإسلامُه السوى وإيمانُه الحقّ.

الشيخُ الشابُّ: «طه رفعت» ابنُ الأزهر الشريف، وأحد نماذجه المُنيرة المستنيرة. فى صباح يوم الجمعة الماضى، كان الشيخ طه يختلى بنفسه فى غرفة الإمام بالمسجد، يُجهّز الخطبة التى سوف يُلقيها فى صلاة الجمعة. وفجأة سمع صوتَ رصاصٍ يزأرُ بالشرِّ والتوعّد آتيًا من صوب الكنيسة المجاورة. فأدرك على الفور أن عملاً إرهابيًّا يجرى، وأن كلَّ لحظة تمرُّ قد يقطُرُ فيها دمٌ، وتُزهَق روح. فأسرع من فوره إلى ميكروفون المنبر، وراح يحشد الناس لأن يهُبّوا للذود عن الكنيسة ومَن بها من أقباط. لم ينظر هذا الشيخُ المثقف، بعين الطائفى، إلى عقيدة المُهددين فى الكنيسة المجاورة، إنما شاهدهم بقلبه بشرًا أبرياء فى منحة، فسعى سعيًّا لإنقاذهم من وابل رصاص أعمى، لأنه يعلم أن «إغاثة الملهوف» هى أحبُّ الأعمال عند الرحمن الرحيم. ذاك أن ديننا يحثُّنا على تمثّل صفات الله قدرَ وسعنا، فنكون رحماءَ مع جميع خلق الله دون استثناء لأن: فى كلِّ كبدٍ رطبةٍ أجرٌ. هتف الشيخُ الطيب فى الميكروفون: يا عبادَ الله، احتشِدوا، واحموا الكنيسةَ كما تحمون الجامعَ. أغيثوا إخوانَكم المسيحيين من الإرهاب الذى يستهدف الكنيسة الآن. وبالفعل، انتفض أهلُ الحى جميعُهم لحماية الكنيسة من الانفجار الوشيك، غيرَ خائفين على أعمارهم أن تقصفها شظيةُ قنبلة أو رصاصةٌ فى يدٍ شرير بليد القلب يقتاتُ على نحيب الثكالى ودموع الأيتام. شيخٌ مسلمٌ مثقفٌ هبَّ لحماية بيت يُذكَرُ فيه اسمُ الله، وإنقاذ إخوة له فى الإنسانية وفى الوطن وفى الجوار. شيخٌ يحفظُ قلبُه كلمات الله التامّات حين قال: «ولا تعتدوا إنَ اللهَ لا يُحبُّ المعتدين»، «وتعاونوا على البرِّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثمِ والعدوان»، «لا ينهاكُم اللَّهُ عن الذين لم يقاتلوكم فى الدينِ ولم يُخرجوكم من دياركم أن تَبرُّوهم وتُقسِطوا إليهم إن اللهَ يحبُّ المُقسطين»، «ولا تُجادلوا أهلَ الكتابِِ إلا بالتى هى أحسن»، وغيرها العديد من آياتِ الذكر الحكيم التى تُكرّسُ قيم السلام، وتنهى عن العنف والتباغُض بين الناس.

ذلك السلوكُ النبيل من خطيب المسجد المثقف كان قصيدة بليغةٍ قدّمها رجلُ دين وطنى واع، واكتملتِ القصيدةُ الراقية بسلوك المواطنين الشرفاء الذى هبّوا لنجدة أشقائهم وحماية بيت الله وإنقاذ الكنيسة من خطر مُحقّق، لولا رحمة الله، ولولا نبالة شعب مصر المتحضّر الجميل.

أقولُ لذلك الشيخ المحترم شكرًا لك، ليس فقط لأنك أنقذت أشقاءنا فى لحظة فارقة، ولكن كذلك لأنك أثبتَّ لمصر وللمصريين وللعالم أن من يُشيعون الفُرقة والتباغض والعنصرية من بعض رجال الدين هم القِلّة، لكن صوتَهم عالٍ وصخبَهم ضاجٌّ، فيُظنُّ أنهم كُثرٌ. وأقول لشعب مصر مسلمين ومسيحيين: سيبقى الخيرُ فى مصرَ لأنها مذكورةٌ فى كلمة الله. وكل عامٍ ومصرُ بخير.
نقلا عن المصري اليوم