هل تُريد أن تُصبِح مَشهورًا؟
ليديا يؤأنس
٠٧:
٠٩
ص +02:00 EET
الخميس ٤ يناير ٢٠١٨
قلم: ليديا يؤانس
الشُهرة قد يكون لها بريق يخطف القلوب والألباب، يلهث وراءها كثيرون فتهرب من كثيرين، أنها مِثل السراب يصعُب اقتناؤها.
الشُهرة قد تدفع للجنون، فتجد أن البعض قد يُدمرون حياتهُم ومُستقبلهُم، وأحيانًا ينتحرون اعتقادًا منهم بأنهم سيصبحون مشهورين، وللأسف قد لا تأتي الرياح بما تشته السفن، فتجدهم خسروا حياتهم في الجري وراء سراب الشُهرة.
الشُهرة قد تكون للأشخاص، وأيضًا للأشياء المعنوية والمادية، مثل المنشآت والمنتجات الصناعية والأشياء الطبيعية.
الشُهرة قد تكون في معظم الأوقات مُرتبطة بالنجاح، فالنجاح هو الذي يُشهِرْ صاحبه بدون أن يدري.
الشُهرة عُملة ذو وجهين قد تكون إيجابية أو سلبية.
من هو الشخص المشهور؟
الشخص المشهور هو من يعرفهُ الكثيرون، ولكن هُوّ نفسه لا يعرف الكثيرين مِنهُم.
هل أنت مِنْ الذين يعشقون الشُهرة ويلهثون وراءها؟
لفت نظري في أيامنا هذه، أن خدمة فيس بوك، أعطت الفرصة لكثيرين مما يتوقون إلي الشُهرة، بأن يحاولون التركيز على أنفُسهم، ويقومون بإحصاء عدد المُتابعين لهم.
الشخص قد لا يراعي مركزهُ الإجتماعي والوظيفي، فيقوم بعمل أشياء غير مقبولة، وينشُرها في شكل صور أو فيديوها، ليحظى بأكبر عدد من المُشاهدات والقراءات.
الشخص قد يضع نفسه تحت طائلة القانون، وفجأة يجد نفسه وراء القضبان، وعدد من الأيام أو السنوات، وأحيانًا محكومًا عليه بالإعدام.
(1)
شابة في مُقتبل حياتها الفنية، تُريد أن تُصبح مشهورة في لمح البصر، ضحكوا عليها وعملوا لها كليب "عندي ظروف"، ترقُص وتُغني، ولكنها لم تكتف بذلك، استخدمت كل امكانياتها في تقديم حركات وأشياء منافية للأخلاق، وأكثر من ذلك كانت علي استعداد أن تظهر في الكليب مُتجردة من ملابسها، أنها تُريد الشهرة بأي ثمن، الآن هي وراء القضبان مُنتظرة الشُهرة.
(02)
شاب كان يهذي بالشُهرة وعدد من "اللايكاتـ"، ترك أصدقاءه على فيس بوك يُشاهدونه، مُمسِكًا رضيعًا من قفاه بملابسه الخفيفة، وأخرجه من نافذة على ارتفاع شاهق، نعم حصل على "اللايكات" ومعها مصير مجهول، في أروقة المحاكم مُنتظرًا الشهرة.
هل كل المشهورين يعلمون أنهم مشهورين؟
البعض يعلم من إهتمام الناس، ووسائل الإعلام، والجوائز التقديرية التي يحصلون عليها، والبعض لا يعلم لأنهم لا يهتمون بموضوع الشُهرة، أنهم مُنهمكين في تحقيق مآربهم في عمل ناجح يخدم البشرية.
(01)
أكيد مُعظمنا سمعنا أو شاهدنا، الراهبة المُرتدية الساري الهندي الأبيض ذو الخطوط الزرقاء، الحاصلة على جائزة نوبل للسلام عام 1979، أنها الأم تريزا ذات الأصول الألبانية، رحلت عن عالمنا في 1997، وهي لا تعلم أنها مشهورة، أنها مشهورة بأعمالها الإنسانية التطوعية وليس بسبب جائزة نوبل، فالكثيرين أخذوا جوائزعالمية ولكنهم ليسوا مشهورين!
الأم تريزا كان يأسر قلبها الأطفال المُشردين الفقراء، كانت تجري وراءهم في الشوارع تُطعِمهُم وتُنظِفهُم، كان قلبها يئن مع المرضى المُتألمين، تطبطب وتداوي وتصلي، كانت لا تخشى العدوى وخصوصًا عندما تخدم مرضى الجُذام، كانت تهرع لنجدة المنكوبين وتقديم الحُب للجميع.
الأم تريزا تركت لنا "أيقونة حُب وعطاء" رائعة نقتدي بها، ومن أجمل أقوالها في الرد على مُنتقديها: النجاح ليس المقياس بل الصدق والأمانة والإخلاص في العمل هو المقياس.
(02)
اوعوا تقولوا لي أنكم مُش فاكرين الست سعاد ثابت .. المشهورة إعلاميًا باسم سيدة المنيا، ولكنها أخذت لقب سيدة مصر، بلا مُنافس بإعتراف كل المصريين، بعد الحادث الأليم الذي تعرضت له في مصر من أشهر فاتت، وتألم لها الضمير العالمي!
تذكرون الحادث الذي تعرضت له الست سعاد بأيدي وحوش بربرية، لا تعرف الإنسانية، ولا الآدمية، طريقها لقلوبهم المُتحجرة!
الست سعاد ثابت ذات السبعين ربيعًا، إعتادت إرتداء الجلباب الطويل والطرحة، لتغطية جسدها وشعرها، كنوع من الحشمة والوقار، وأيضًا لأن الكنيسة علمتها ألا تكون مُتبرجه.
البربر الهمج هجموا علي بيت الست سعاد، حاولت المسكينة المذعورة أن تختبئ، ولكنهم جروها من شعر رأسها، وفي وسط الشارع عروها من ملابسها كما ولدتها أمها، جروها علي الأرض، سحلوا هذه المرأة المُسنه التي لم تًسئ لأحد، وللأسف لم تشفع لها صرخاتها المُلتاعة، من ألم السحل، وألم العري والعار.
الست سعاد أصبحت من المشاهير، سوف يذكُرها تاريخ الكتيسة حتي ولو نسيها الضمير العالمي!
(03)
ده أكيد كُلكُم عارفينُه، وكمان كثيرين من العالم يعرفونهُ، أنه البروفيسور المصري البريطاني، أشهر جراح قلب علي مستوي العالم، أنه "السير" مجدي حبيب يعقوب، الذي اشتهر في الإعلام البريطاني بلقب "ملك القلوب".
الملكة اليزابيث منحته في عام 1966 لقب "فارس" وأطلق عليه عموم االبريطانيين والإعلاميين "ملك القلوب"، أيضاً في 11 أكتوبر 2007 منحته جائزة فخر بريطانيا، وهذه الجائزة تُمنح للأشخاص الذين ساهموا بأشكال مُختلفة من العطاء والشجاعة، أو ممن ساهموا في التنمية الأجتماعية والمحلية، لقد رأت لجنة التحكيم، أن الدكتور مجدي يعقوب قد أنجز أكثر من 20 ألف عملية قلب في بريطانيا وحدها، وقد ساهم بعمل جمعيات خيرية لمرضي القلب والأطفال في دول العالم النامية.
الدكتور مجدي يعقوب لا يحب الأضواء، ينأي بنفسه بعيدًا عن الشُهرة، ولكن الشُهرة تُطارده، لأنهُ يُقدم كل دقيقة من وقته، وكل نبضة من نبضات قلبه، لكل القلوب المُتألمة، فأستحق أن يكون مشهورًا رغم أنفه.
الشُهرة ليست بالضرورة أن تكون حسنة أو جيدة، ولكن مُمكن أن تكون سيئة بسبب الضرر الذي لحق الناس منها.
البعض مِنكُمْ قد يكون سمع أو قرأ عن "الهولوكوست"!
الهولوكوست هيّ الإبادة الجماعية لحرق وقتل ما يقرب من ستة ملايين يهودي على يد النظام النازي.
وبالتأكيد مُعظمنا سمع عن هتلر، السياسي الألماني النازي، الذي حكم المانيا في الفترة بين عام 1933-1945 أي حكم 12 سنة، اختارته مجلة تايم على انه واحدًا من بين مائة شخصية، تركت أكبر أثر في تاريخ البشرية في القرن العشرين.
هتلر قام بإعداد الجيش الألماني، فغزا بولندا في سنة 1939، مما أدى إلى إندلاع الحرب العالمية الثانية، وفي خلال 3 سنوات احتلت المانيا مُعظم قارة أوروبا (عدا بريطانيا)، وأجزاء كبيرة من أفريقيا، ودول شرق وجنوب آسيا، وثلث مساحة الأتحاد السوفيتي.
هتلر لم يكتف بما حققه من انتصارات وغزو للعالم، ولكن من ضمن انجازاته أيضا "الهولوكوست" أي حرق اليهود في الأفران.
بعض المؤرخين ينظرون لهتلر على أنه، شخصية فريدة في التاريخ، والبعض يعتبرونه من أكثر الشخصيات دموية في التاريخ، أنه لم يكتف باليهود، بل هناك جرائم قتل وتجارب علي البشر، فوصل عدد الضحايا من الغجر الذين قتلهم نحو 200.000، وأيضًا قتل نحو 200.000 من المُعاقين ذًهنيًا أو جسديًا في برنامج "القتل الرحيم"!
في الأيام الأخيرة من الحرب، تزوج من عشيقته ايفا براون، بعد قصة حب ظويلة، بعض الأقاويل تقول؛ أنه بعد أقل من يومين من الزواج انتحر العاشقان، ولكن البعض الآخر يُرجح أنهُما لم ينتحرا بل قُتلا!
يا تري شُهرة هتلر حسنة أم سيئة؟!
الشُهرة قد تأتي مُتأخرة جدًا بعد أن يموت الشخص!
قد تكون سمعت أو شاهدت أو قرأت عن هذه اللوحات الفنية الرائعة، "عباد الشمس" و "زهرة الخشخاش" و "الليلة المليانه نجوم" وغيرهم من إبداعات هذا الرسام العالمي، هذه اللوحات بعض من نحو 2000 لوحه للرسام الهولندي العالمي المشهور فينسنت فان جوخ، وتم ابداع هذه اللوحات في العشر سنين الأخيرة من حياته.
جوخ ولد في 30 مارس 1853 في جروت زندرت بهولندا، ومات عن عمر 37 عاما في 29 يوليو 1895.
تتميز لوحات فان جوخ بصدق المشاعر والجمال والألوان البارزة الزاهية.
فان جوخ يُعتبر من أشهر فنانين ورسامين القرن العشرين، وتُعتبر لوحاته من أغلي اللوحات في العالم، والجدير بالذكر أنه بعد مماته مُباشرة، تم بيع لوحة "بورتريه الدكتور غاشيه" "Portrait of Dr. Gachet" بمبلغ 82 مليون دولار أمريكي،
في حين أنه علي مدي حياته كلها، لم يتمكن من بيع إلا لوحة واحدة فقط، هي "الكرم الأحمر"، "The red vineyard" مُقابل 400 فرنك سويسري، أي ما يُعادل ألف دولار أمريكي.
كثيرًاً ما كان يقوم الفنان جوخ بحرق بعض لوحاته، ليس لأنه غير مُقتنع بإنتاجه، أو لأنها تحمل ذكريات سيئة إلي نفسه، ولكن للتدفئة بها شتاءًا، حيث أن هذا الفنان الذي تُباع لوحاته الآن بملايين الدولارات، كان يُعاني من الفقر الشديد.
حياة فان جوخ وإن كانت في ظاهرها تُعلن عن حياة إنسان تعيس، يُعاني من مشاكل عديدة، إلا أنه بداخله كان يملك قوة، ومن خلال لوحاته العديدة يُعلن أنه يتحدي الظروف الحاضرة، جوخ برغم ظروفه القاسيه كان مُستعداً لمُشاركة الآخرين مُعاناتهم والآمهم والتخفيف عنهم.
كتبوا عنه أنه ربما إستبد به إحساس بعدم الجدوي من حياته فأنهي حياته بطلقة مسدس عام 1895، وغُطي قبره بزهور عباد الشمس الحبيبة إلي قلبه.
ولكن بعض التفسيرات تقول؛ ليس من المعقول أن هذا العبقري الجبار يُقدم على الإنتحار، ولكن يبدو أنه مات مقتولًا، بسبب الغيرة من أحد الفنانين أصدقاءه.
فان جوخ لم يُفكر في الشهرة ولكنها جاءت سعيًا إليه، لأنه بالحقيقة يستحقها عن جدارة.
عزيزي القارئ بعد كل هذه الأمثلة والحقائق عن الشُهرة، هل مازلت تسعى وتلهث وراءها؟!
نعم الشُهرة لها بريق يخطف القلوب والألباب، قليلون يستطيعون مقاومتها، ولكن في إمكانك أن تُصبح مشهورًا، بسلوكك الإنساني، ومحبتك للجميع، وبتفوقك في أي عمل تقوم به حتي ولو كان بسيطا.