ماذا بعد النكبة.. وماذا بعد النكسة؟
مقالات مختارة | حسن حنفي
الجمعة ١٢ يناير ٢٠١٨
مصطلحان أبدعهما الفكر العربى بقدرته البلاغية. النكبة للتعبير عن هزيمة العرب فى 1948، وضياع نصف فلسطين. والنكسة لتصوير هزيمة العرب فى 1967، وضياع النصف الآخر. ومن يدرى ماذا تخبئ صفقة القرن ثمنا للقدس، ولكل الشهامة العربية؟!.
وبالرغم من هذه الهزائم ظل الأمل العربى قائما. وهو العودة إلى حدود يونيو 1967 شرطا للسلام مع إسرائيل وكما جسده مشروع السلام العربى فى بيروت. وانتظارا لتحقيق هذا الأمل توسعت المستوطنات فى الضفة الغربية. وأعلنت الجولان جزءا لا يتجزأ من إسرائيل. وأخيرا إعلان الولايات المتحدة الأمريكية القدس، شرقا وغربا، عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها كبداية لباقى سفارات الدول التى تسير فى ركابها وتخشى من قطع المعونات عنها. ثم يزداد الأمل الفلسطينى طموحا بأنه سيأتى يوم تعود فيه فلسطين كلها من النهر إلى البحر.
والآن يُعد لصفقة القرن التى أعدها الرئيس الأمريكى مع ولى العهد السعودى بعد أن استعد لها واضعا جميع المعارضين لها فى المعتقلات قبل أن تتم. وهى تقوم على إرجاع الضفة الغربية للأردن، وعودة غزة لمصر كما كان الأمر قبل يونيو 1967 كما يريد العرب بالرغم من معارضة إسرائيل التى أخذت الثمن المقابل مسبقاً وهو القدس. وعلى الفلسطينيين أن يجدوا عاصمة جديدة لدولتهم التى لم تنشأ بعد فى أبوديس بجوار القدس أو رام الله وسط الضفة. وسيعترض الفلسطينيون، ولكن خلافهم سيكون مع الأردن، كما حدث من قبل وليس مع إسرائيل. وقد يعترض الفلسطينيون فى غزة لكن الثمن سيكون رفع الحصار عن القطاع، وفتح الحدود مع سيناء يستوطنون فيها، من الزخم إلى البراح السكانى. والثمن تعمير سيناء، ومد المياه لها لزراعتها، واستخراج ثرواتها المعدنية بدلا من تهجير سكانها فى العريش إلى مدن القناة. والمسلمون إخوة. فإذا تقاتلوا فقد تقاتل قبلهم المسلمون فى سوريا والعراق واليمن وليبيا. فأصبح الدم العربى بلا ثمن. فالكرة الآن فى ملعب العرب ولا خوف من المقاومة بعد إعلان «حماس» منظمة إرهابية، وإصرار إسرائيل على نزع السلاح منها كشرط لأى مفاوضات نهائية من أجل السلام. وتظل المستوطنات فى الضفة تحت السيادة الإسرائيلية وتربط فيما بينها بطرق سريعة، دولة قائمة داخل الدولة المنتظرة التى تبقى منزوعة السلاح فى مقابل إمدادها بالخدمات الأولية كالمياه والغاز والكهرباء وشبكة الاتصالات والمواصلات.
والسعودية قائدة العرب الجديدة مع قائدة العرب القديمة متفقة على ذلك. والعرب فى علاقات متبادلة سرية مع إسرائيل. أما علناً فالمظاهرات من أجل القدس العربية، وعقد المؤتمرات العربية من أجل إدانة أمريكا وإسرائيل بالأقوال دون الأفعال. واليهود الشرقيون أصلهم عربى من المغرب وتونس ومصر واليمن والعراق. ساميون. عاشوا سويا فى الأندلس قبل سقوطها فى أيدى الفرنجة.
هل صفقة القرن نوع من الواقعية السياسية أم استسلام مهين؟ إن المغرب مازال يقاوم بالرغم من بعده جغرافيا عن القدس، ولكنها تاريخيا وروحيا هى جزء منه. والعالم الإسلامى شرقا مازال يقاوم: تركيا، إيران، ماليزيا، إندونيسيا والجمهوريات الإسلامية فى أواسط آسيا. إن النظم العربية متغيرة، ولكن الشعوب باقية. فما تقبله النظم السياسية قد لا تقبله الشعوب التاريخية. وتستطيع النظم العربية أن تستفيد من الصراع بين الشرق والغرب بالرغم من نهاية عصر الاستقطاب كما فعلت مصر فى الستينيات فى معارك التحرر الوطنى والتصنيع والتنمية. فلا تستطيع أن تكون صديقة للاثنين معا أو عدوة لهما. فالتناقض هو محرك الحياة. كما تستطيع أن تجد مصادر القوة لديها فى وحدة شعوبها بدلا من التقتيل وسفك الدماء المتبادل، والحروب الأهلية العرقية والطائفية. وإذا أصرت النظم السياسية على مجاراة صفقة القرن فيخشى عليها من الانقلابات والاغتيالات أو الثورات الشعبية كما حدث لرؤساء سابقين مادامت الشعوب أصبحت غير قادرة على رفع حالة الحزن والكآبة والبؤس واليأس عنها.
لقد زحف التتار والمغول من الشرق إلى بغداد والشام وأسقطوا الخلافة العباسية. فتصدى لهم الظاهر بيبرس وهزمهم فى موقعتى مرج دابق وعين جالوت. وزحف الصليبيون من الغرب. واحتلوا القدس مائتى عام فتصدى لهم صلاح الدين وأرجعهم من حيث أتوا. ورفضت الدولة العثمانية إعطاء هرتزل قطعة أرض من فلسطين ليقيم عليها دولة لليهود. واستولى محمد علىّ باشا على الشام لولا تكالب الغرب عليه لتدمير الأسطول المصرى فى عرض البحر الأبيض المتوسط فى موقعة نوارين. ووحد عبدالناصر مصر وسوريا إيذانا بالمعركة الكبرى القادمة فى فلسطين. ورفض تحرير سيناء قبل الضفة الغربية والجولان. واحتل المارشال جورو القدس بعد الحرب العالمية الأولى قائلا: «ها قد عدنا إليك يا صلاح الدين». وقامت الثورات الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلى قبل ثورة عز الدين القسام. واستمرت المقاومة الفلسطينية ترفض كل اتفاقيات السلام دون القدس. فالقدس خط أحمر. وعبرت مصر القناة. ودمرت خط بارليف. ومازال النداء يسمع من صوتها «وا قدساه»، وفى الشام «يا زهرة المدائن».
القدس أولى القبلتين، وثالث الحرمين. وكما فعل غاندى فى استدعاء مليونين من الهنود للجلوس فى الساحة الكبرى بنيودلهى. فمهما قتل الإنجليز منهم فإنهم لن يتجاوزوا بضعة ألوف. يستطيع العرب الذين يبلغون ثلاثمائة وخمسين مليونا، والمسلمون الذين يبلغون الآن مليارا وربعا أن يحولوا حجهم العام القادم إلى القدس عن طريق الأردن، وأن يقفوا على جبل المكبر بين سوريا ولبنان أو على حدود القدس ليزحفوا عليها. فمهما قتلت إسرائيل بالآلاف أو حتى بالملايين يظل الباقى منتظرا الشهادة. ويرى العالم كله النازية فى قالب الصهيونية بعد أن عادت من جديد تنكسر على أجساد الشهداء.
نقلا عن المصري اليوم