الأقباط متحدون - غدًا أُغرِّد مع عصافير شُرفتى
  • ٢٣:٠٤
  • الاثنين , ١٥ يناير ٢٠١٨
English version

غدًا أُغرِّد مع عصافير شُرفتى

مقالات مختارة | فاطمة ناعوت

٣٣: ٠٧ ص +02:00 EET

الاثنين ١٥ يناير ٢٠١٨

فاطمة ناعوت
فاطمة ناعوت

مثل كثيرين غيرى فى كلِّ بقاع الأرض، أهوى تربيةَ العصافير، خارج القفص. فى الحقيقة، لا قفصَ هناك على الإطلاق. إنها عصافيرُ السماء واليماماتُ التى تُحلِّقُ فى سماءِ الله حُرَّةً. فإذا ما تبعثر الشَّفَقُ فى سماء الكون، يتلوه الغَسَقُ البرتقالىّ الآسرُ، حَطَّتِ العصافيرُ على الأشجار، حتى تبيتَ ليلَها فى أعشاشٍ لا يعلمُ أماكنَها إلا الله. وإذا ما الفجرُ شقشقَ من جديد، وابتسم النهارُ فى وجه الشمس، خرجتِ العصافيرُ تطلبُ رزقها. وفى شُرفتى الجميلة، بعضٌ من رزقها الوفير المنثور فى بقاع الأرض. على أغصان الشجيرات، أُعلِّق أراجيحَ صغيرةً مُلوّنةً؛ مُثبَّتاً عليها قواريرُ زجاجيةٌ مقلوبة؛ أملأ بعضها بالماء، وبعضها بالحبوب والبذور مما يأكل الطيرُ. تزورنى العصافيرُ فى السابعة من نهار كلِّ يوم، تأكلُ وتشرب وتُصوصو وتُغنّى. فإذا ما انشغلتُ يومًا عنها وتأخرتُ عن ملء الأراجيح بالخير والحُبِّ والحَبِّ، نقرتِ العصافيرُ على زجاج النوافذ فى غرفة نومى وفى غرفة مكتبى حتى تُنبّهَنى على تقصيرى، فأصدعُ لها وأهِمُّ بالواجب المقدّس، وأنا أعتذر.

فى إهداء ديوانى الشعرى التاسع: «شُرفتى مَحَطُّ العصافير»، كتبتُ الإهداءَ على هذا النحو: «إلى العصافيرِ التى تزورُ شُرفتى/ كلَّ صباح.../ بكامل الحرية تملأون بيتى زقزقةً وغناءً وصَدحًا…/ من دون قفصٍ…/ فأنا لا أقايضُ حريةً بماءٍ وقمح…/ فشكرًا على الموسيقى/ وشكرًا على الشَّدو».

فإذا ما سافرتُ فى عملٍ، أو أقعدنى مرضٌ، تعلمُ العصافيرُ أن رزقَها فى شُرفتى مَحمِىٌّ بقوى النظام الكونىّ الدقيق. فلا ماءٌ يجفُّ من قارورة، ولا حَبٌّ ينفدُ من صحنٍ، ولا حُبٌّ يخفُت فى قلب. فى سفرى يقومُ رفيقُ الدرب «نبيل» بالمهمة النبيلة التى تضمنُ ألا ينقطعَ الشَّدوُ عن بيتى. من تونس الخضراء، أرسلتُ لعصافير شُرفتى الشهر الماضى هذه الرسالة: «لا تَخفْن يا عصافيرَ شُرفتى من غيابى فى السفرْ.../ فبينما أنا فوق جبالِِِ البربرْ أجمعُ الزهرَ والرياحين لأجدِلَ بها ضفائرَ بلادى/ ثمّة بُلبلٌ فارسٌ يقطعُ الآن سهولَ الوديان ويحصدُ الحقولَ والسنابلَ/ ليجمعَ لكُنَّ فى كفّيه حِفنةَ القمحِِ اليومية والشَّعير/ وإنّه على الِله رزقُكُن/ فالسماءُ لا تنسى عصافيرَها».

فى البدء، كانتِ العصافير تجفلُ وأنا أضعُ لها الطعام والماء فى صحونها وقواريرها وأراجيحها. فتطير إذا ما دخلتُ الشرفةَ، وتظلُّ ترقُبُنى من بعيد. فإذا ما مضيتُ إلى حال سبيلى، جاءت إلى طعامها وشرابها. ومع الوقت، حين تأكدتِ العصافيرُ أننى كائنٌ مسالم، لا أحمل لها الأذى كما يحملُ القُساة، بدأتْ تطمئنُ إلى وجودى بينها، وتلتقطُ الحَبَّ من كفّى. بل وسمحت لى أن ألتقط لها الصورَ وهى تشدو وتُرفرِفُ بجناحيها وتنادى على رفيقاتِها لتُخبرها أن ثمة طعامًا ها هنا وأن المأدبة قد طابت زينتُها. وصرتُ أنشر على صفحتى صور عصافيرى الطليقة التى لا يحدُّ حريّتَها قفصٌ ولا تقطعُ المدى أمام عينيها قضبانٌ قاسية فتُشوّه صفحةَ السماء. والجميل حقًّا هو أن كثيرين من قرّائى بدأوا يفعلون ما أفعل. فمن لديه عصفورٌ فى قفص، فتح له الباب وأطلق سراحه وظلّ يقدّم له الطعام والشرابَ حُرًّا خارج القفص. ومن لم يقتن عصافيرَ أو طيرًا، صنع لها أراجيج وقوارير ملأى بالخير والحبّ فامتلأ بيته بالشدو الحُرّ غير المرهون بسرقة الأعمار والحريات. فشدوُ الطيور لا يكون أجملَ إلا إن كان حُرًّا. حقيقةٌ علمية لا جدال فيها. كما الإنسان، لا يُغنّى إلا إن كان حُرًّا.

وغدًّا الثلاثاء ١٦ يناير، فى السابعة مساءً، يُنظّم لى «أتيليه القاهرة» العريق أول أمسيةً شعرية لقراءة بعض من قصائد ديوانى الجديد الذى يصدر مع معرض القاهرة الدولى للكتاب عن دار «روافد». وحين نُشر الخبر، وجدت أحد أصدقاء صفحتى: الكاتب «خالد جعفر»، قد كتب ما يلى على صفحته: «غدًا تُغرِّدُ الشاعرةُ مع عصافير شُرفتها فى أتيلييه القاهرة». فأعجبتنى التغريدة وقررتُ سرقتها ووضعها فى عنوان هذا المقال الذى تقرأونه الآن.

«لا شىءَ يُطعِمُ العصافيرَ/ سوى حباتِِّ الشَّعير/ التى تتدفأُ فى صدورِ البنات…/ لهذا

يخبئُ الفلاحون نهودَ الصبايا/ داخلَ مِخلاتٍ يحملونها على ظهورهم/ ويمضون».
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع