الأقباط متحدون - هويدا طه تكتب: زوجي مستنير.. زوجي مصري
  • ٠٣:٢٢
  • الاربعاء , ١٧ يناير ٢٠١٨
English version

هويدا طه تكتب: زوجي مستنير.. زوجي مصري

مقالات مختارة | هويدا طه

٣١: ٠٧ م +02:00 EET

الاربعاء ١٧ يناير ٢٠١٨

هويدا طه
هويدا طه

بالطبع لا يمكن أن أتناول حياتي الشخصية على الملأ، لكنني بالفعل شعرت (بالدهشة الأولى) حين سمعت هراءً من هذا الرجل المصري القح في موقفه من زوجته، ثم قرأت تعليقاً يقول إنه لا يختلف عن عدد من الرجال وكلهم من المشاهير الذين سجنوا وقهروا زوجاتهم بمنتهى الأنانية والتخلف والشعور بالنقص والقلة.

وكان أن شعرت (بالدهشة الثانية) حين تراءت لي تلقائياً صورة زوجي في مقارنة مع تلك المسوخ، هي دهشة لأنني لم أفكر فيها من قبل، وهذا ليس حديثاً عن حياتي الشخصية، بل هي نظرة على رجل مصري آخر في هذه الرقعة الجغرافية المنكوبة بالتخلف والانحطاط.

زوجي رمضان مبروك هو هذا الرجل الذي كان في فترة خطوبتنا منذ أربعة وثلاثين عاماً مناصراً لقضايا المرأة، يسارياً تقدمياً وشغوفاً بفكرة العدالة والحرية الذاتية، وكان ذلك مصدر سعادتي بالطبع.

يا تلك الأيام.. حين كنت في العشرين من العمر ومندفعة وثورية وأريد تغيير العالم وقلبه رأساً على عقب.. بل عدله إذ رأيته في غمرة الثورية مقلوباً..

-

 والآن وبعد رحلة أربعة وثلاثين عاماً معاً.. وبعد أن سمعت عن هؤلاء المتخلفين.. مدركة بخبرتي في الحياة أنهم نموذج عام لغالبية ذكور المصريين.. أردت أن أمنحكم التفاؤل بأن وسط العتمة قد تكون هناك نقطة نور.. إذا رعيتها لابد لها أن تنتشر.. قررت أن أحكي عن هذا الرجل.. رمضان.

-

ذلك الذي كان ولازال يفخر بي ويقول زوجتي لديها قلم جميل وأنا أول قراءها والكتابة في طوعها أينما ووقتما شاءت.. (هو من يقول ذلك ولست أنا بالطبع :) )

** كان يؤنبني حين أنشغل في العمل ومع الأولاد فلا أكتب مقالي الأسبوعي في جريدة القدس فأقول متبرمة: مشغولة! فيذكرني: أروع مقالاتك كتبتيها وإنتي تعبانة ومش نايمة ووراكي ألف حاجة، متتحججيش.

** زوجي الذي كان يفرح حين أخبره أنني سوف أسافر غداً أو خلال أيام إلى الدولة الفلانية لإنجاز عمل ما أو مدعوة لندوة ما أو أو.. فيترك ما يشغله ويسعى حثيثا لمساعدتي في الاجراءات ويجتهد ليدبر لي ما يكفيني من مال.. ثم رغم انشغاله في عمله يطمئنني أنه مع الأولاد: سافري ياهدهد يا متألقة.. هكذا كان يقول..

سافرت شمال وجنوب وشرق وغرب الكوكب.. ودائما يطمأنني في التليفون أنه والأولاد: تمام، كل شيء تمام ركزي ف اللي انتي فيه..

** زوجي الذي حين أنجبنا بنتين توأم أصغر من أخيهما بأربع سنوات.. ظل منذ نعومة أظفارهم يغرس في عقل الولد والبنات أنهم كلهم متساوون.. واهتم دائماً أن يعلم ابننا بسام أن البنتين وعد وندى مثله تماما في كل شيء.. وأن الحرية في هذا البيت مكفولة للجميع.. وكان يتعمد إظهار اشمئزازه من تلك العائلات التي يتسلط فيها الأخ على أخته.. فصار ابننا يحترم حق أختيه في الانطلاق والسفر واتخاذ القرار مثل أبيه تماماً.. بل صار الابن مثل أبيه يحتقر كل من يقهر المرأة وينفر من كل رجل يتسلط على زوجة أو أخت أو إبنة أو أي امرأة.

** حين سمعت عن هؤلاء المتخلفين الذين يتحدثون بفخر عن قهر زوجاتهم وبناتهم وأخواتهم تذكرت فجأة في (دهشتي الثانية) أنني لم أضطر أبداً على مدى تلك السنين أن (أخوض معركة) مع زوجي لأجل حرية البنتين بل.. تذكرت (طلة الفرحة والفخر) في عينيه يوم كنا نوصل ابنتنا إلى المطار وهي مسافرة إلى الخارج لأول مرة في العشرين من عمرها لدراسة الماجستير.. وهو يقول لها: الحياة مش دراسة بس.. ادرسي واتعلمي واتفسحي وشوفي الدنيا اللي مشفنهاش احنا..

اتذكر يوم قررت ابنتنا الأخرى أن (تسكن وحدها) وكان يساعدها في نقل حاجياتها إلى سكنها الجديد، ثم حين قررت العودة راح يساعدها في نقل حاجياتها مرة أخرى دون أن يؤنبها أو يلومها،

** اتذكر حين سافرابننا للمرة الأولى وحده وهو لم يكمل بعد الثامنة عشرة وكان سعيداً أن ابنه (سيتعلم بمفرده بعيدا عن املاءتنا) كما كان يقول.. ويضحك حين كان يجدني في لحظة قلق أضعف.. فأخاف عليه من شلة سوء في الغربة أو تجربة تؤلمه.. ثم اتذكر أنه رغم ذلك حين عاد إبننا في أول إجازة له كانت في عينيه نظرة لهفة لاحتضانه.. أنت أيضاً يضعفك حب الابن مثلي..

** أتذكر حين كنت أنشغل في إخراج فيلم فأعمل عليه بلا توقف وكأن يومي خمسين ساعة وليس أربع وعشرين.. ويهتم هو بدلاً مني رغم انشغاله في عمله بأمورنا العائلية.. ثم أراه يشاهد الأفلام الوثائقية على قناة روسيا اليوم ويعود ليقول لي ملاحظاته عن فيلم أعجبه لأراعي الملاحظات في فيلمي القادم.

** واتذكره حين كان يلهث ورائي أيام قضية أمن الدولة التي اتهمتني ب (تشويه سمعة مصر) :) حين أخرجت فيلماً عن التعذيب في أقسام الشرطة... ولا أنسى تلك النظرة في عينيه وقت أن أخذني الشرطي مكبلة اليدين إلى غرفة الحجز في قسم شرطة في مصر الجديدة فالتفتت لأراه من بعيد يشير إليّ بعلامة تشجيع بيده مثل تلك التي نعمل بها (لايك) في أيامنا هذه.. كان ذلك عام 2007، وبعد دقائق ثقيلة في غرفة الحجز في ذروة برد يناير فتح باب الحجز وجاءتني أكياس أرسلها زوجي وبها بطانية وأكل وعصير ومناديل وكلمة: أحبك.

** ثم أتذكر أنه يلومني حين أكف عن ممارسة رياضة المشي فيزيد وزني فيقول لي إنتي حلوة ف كل الأحوال بس أنا خايف عليكي من التخن ده.. حيأثر على ركبتك، كفاية كسل وإمشي والعبي رياضة، ثم يقول غاضباً: إيه الكسل ده مكنتيش كده.

** اتذكر أنني لم اضطر يوماً إلى نفاقه كي (يسمح) لي بخروج أو سفر أو كتابة أو عمل أو اتخاذ أي قرار من أي نوع..

ثم أتذكر أنه كان يقول للولد وللبنتين إن الحرية ليست فقط في اتخاذ القرار المستقل بل حتى لابد من حرية التجربة والخطأ..

** اتذكر أنه كان مناصراً لحق المرأة في الحرية أيام خطوبتنا ثم بعد الزواج صار أكثر مناصرة لحرية زوجته ثم بناته ثم صار الآن (يفخر) بأن زوجته حرة مستقلة و(يفخر) بأن بنتيه الرائعتين مستقلتان في الرأي والحركة والتجربة والخطأ واتخاذ القرا ر.. وأن جميع أبنائه أفضل منه.

-

 لا أكتب ذلك لأقول إنني كنت محظوظة وكفى، بل لأقول لكم: لا تيأسوا.. لربما إذا كانت الكثرة بين الرجال المصريين يشبهون تلك المسوخ التي أثارت الجدل مؤخراً.. بكلامها المتخلف.. التافه تماماً كما تفاهتهم.. فإن (قلة) من الرجال المصريين مثل رمضان.. ربما تكفي..

تكفي كي تعطينا الأمل..

صحيح أن هؤلاء المسوخ هم مصريون..

لكن رمضان مبروك .. زوجي.. هو أيضاً مصري..

يقول الشاعر

أحبك حبين، حب الهوى.... وحباً لأنك أهلاً لذاكَ
نقلا عن مصريات

الكلمات المتعلقة