الأقباط متحدون - حديث آخر الشهر 2-2
  • ١٣:١١
  • الثلاثاء , ٣٠ يناير ٢٠١٨
English version

حديث آخر الشهر 2-2

د. مينا ملاك عازر

لسعات

٤٧: ٠٣ م +02:00 EET

الثلاثاء ٣٠ يناير ٢٠١٨

ارشيفية
ارشيفية
د. مينا ملاك عازر
نستكمل اليوم سلسلة حديث آخر الشهر، متحدثين عن مواقف الشعوب، وبالأخص الشعب المصري من المقاومة للمحتل، ومقاومته للحكام في ما يعرف بالثورات على كل طاغي ومستبد، وأرصد لك عزيزي القارئ، قصة مصطفى البشتيلي ابن بولاق: وهو الحي العريق الذي شهد أحداث ثورة القاهرة ضد الاحتلال الفرنسي.
 
وهنا نذكر قصة رجلاً، نادراً ما يذكره أحد بالرغم من دوره العظيم في تاريخ مصر، أصل هذا الرجل  من قرية بشتيل بمحافظة الجيزة، عندما احتل الفرنسيون مصر عام 1798 كان مصطفى البشتيلي تاجراً ثرياً يمتلك وكالة (محلاً كبيراً) لبيع الزيوت في بولاق أبو العلا، ويعيش حياة مرفهة مع أسرته، لم يكن ينقصه شيء، لكنه قرر أن يقاوم الاحتلال الفرنسي فشرع يخزن البارود في براميل الزيت استعداداً ليوم الثورة ثم وشى به بعض جيرانه للسلطة الفرنسية التي أمرت بتفتيش الوكالة، ولما وجد الفرنسيون البارود عنده قبضوا عليه، وألقوا به في السجن بضعة أشهر ثم أطلقوا سراحه، كان من الممكن لمصطفى البشتيلي عندئذ أن يبتعد عن المشاكل ويعكف على تجارته المربحة، لكنه كان مصراً على مقاومة الفرنسيين.
 
وفي مارس عام 1800 عندما اندلعت ثورة القاهرة الثانية ضد الجيش الفرنسي تحول مصطفى البشتيلي إلى زعيم حقيقي يمد الثوار بالأسلحة وينفق من ماله لتلبية احتياجاتهم ويقودهم بنفسه في غاراتهم المستمرة على معسكرات الفرنسيين .
 
وكان نابليون بونابرت قد عاد إلى فرنسا، وترك قيادة الحملة للجنرال كليبر الذي فوجئ بضراوة الثورة فعرض على المصريين الثائرين الصلح، ولما رفضوا شن الجيش الفرنسي هجوما كاسحاً على القاهرة، استباح خلاله قتل المصريين وسبى نسائهم ونهب أموالهم ومتاعهم، وقد انهمرت القنابل الفرنسية بغزارة فأحرقت حي بولاق بالكامل وأحياء أخرى كثيرة في القاهرة.
 
وفي النهاية تمكن الفرنسيون من إخماد الثورة المصرية، وفر مصطفى البشتيلي هرباً من الفرنسيين لكنهم نجحوا في القبض عليه.
 
هنا حدثت واقعة مأساوية وفريدة من نوعها، لم يرد الجنرال كليبر أن يصدر قراراً بإعدام مصطفى البشتيلي حتى لا يتحول إلى بطل في نظر الشعب، فطلب من جموع المصريين في بولاق أن يعاقبوا البشتيلي بأنفسهم لأنه حرضهم على الفتنة التي أدت إلى إحراق بيوتهم وقتل أقاربهم، وسبي نسائهم.
لقد حمل الجنرال كليبر مصطفى البشتيلي المسؤولية عن كل الجرائم التي ارتكبها الجيش الفرنسي لإخماد الثورة، الغريب أن المصريين اقتنعوا بهذا المنطق الشاذ وقاموا بتجريس مصطفى البشتيلي!
 
والتجريس عقوبة قديمة يتم فيها إجلاس الشخص المعاقب على الحمار بالمقلوب ثم يطوفوا به بالشوارع، فيبصق الناس على وجهه ويصفعونه ويشتمونه، قام المصريون بتجريس زعيمهم مصطفى البشتيلي وفي النهاية انهالوا عليه ضرباً بالنبابيت حتى قتلوه!
 
وبمناسبة كليبر أحب أن أعلمك بأن من أوشى بسليمان الحلبي هي سيدة مصرية شاهدته من شرفة منزلها وهو يقتل كليبر ثم يختبئ بين الناس!!
 
ودعك مما فعله المصريين من رموز ثوراتهم وزعمائهم الثائرين او ابطال مقاومتهم ولأثبت لك ان المسألة عامة وشائعة أسمح لي بأن أحكي لك كيف تم القبض علي تشي جيفارا في مخبئه بوشاية من راعي أغنام، سأل أحدهم الراعي الفقير: لماذا وشيت عن رجل قضى حياته في الدفاع عنكم وعن حقوقكم؟  فأجاب الراعي: كانت حروبه مع الجنود تروع أغنامي!
 
يبدو أن ثمة تباين بين حسابات الثوار وحسابات من يثورون لأجلهم لتحسين أحوالهم أو لتحريرهم، وهذا التباين الذي ينجم عنه كوارث، وأتمنى أن يتاح لي الوقت يوماً ما لرصد سبب ذلك التباين، وهل يعود لحسابات خاطئة لدى الثوار أم لدى المثار لأجلهم، أم الثوار في ثورتهم لا يستوعبوا تقدير احتياجات أخرى وضرورية بجانب تلك التي يثورون لأجلها، فيضرون من ثاروا لحريتهم أم أن المجتمعات الجاهلة تتسبب في فشل ثوارها.
المختصر المفيد  الثائر لأجل مجتمع جاهل، هو شخص أضرم النيران بجسده كي يضيء الطريق لشخص ضرير.