انتكاسة في الاستراتيجيةالأميركية الساعية لشرق أوسط جديد بثوب جديد، وهل كانت الاغارة الأميركية على القوات السورية محاولة لتعزيز الثقة الكردية بها؟
ميشيل حنا حاج
٠٣:
١١
ص +02:00 EET
الأحد ١١ فبراير ٢٠١٨
الكاتب والمحلل السياسي ميشيل حنا الحاج
الآستراتيجية الأميركية الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط، بنيت منذ عهد الرئيس جورج بوش الأب، على وجوب تقسيم دول المنطقة الى دويلات صغيرة وذلك حماية لاسرائيل، القاعدة الأميركية المتميزة والمتقدمة في هذه المنطقة، رغم وجود قاعدتي عيديد وانجرليك.
وكانت الحرب ضد العراق في عام 1991 بذريعة تحرير الكويت، هي الحرب الأولى الساعية لتحقيق هذا الهدف الأميركي، والذي أصيب بانتكاسة نتيجة التدخل الايراني في تلك الحرب، وزحف حرس الثورة الايراني نحو بغداد، بل ووصولهم الى مسافة لا تبعد كثيبرا عن بغداد، مما اضطر الرئيس بوش الى وقف القتال فجأة، بعد أن عقد صفقة سرية مع الرئيس الراحل صدام حسين، تأذن له بتجديد أسلحته مقابل قيامه بالتصدي لحرس الثورة الايرانية، وهو ما حصل فعلا وأدى لطرد حرس الثورة الايرانية لما وراء الحدود.
ثم جاءت قضية غزو العراق في عام 2003، وكانت هناك الكثير من الأدلة، على أن هدفها المباشر هو تفكيك العراق الى ثلاث دول وربما أربعة. ولكن عملية الغزو تلك، قوبلت باحتجاجات دولية عبرت عنها سلسلة من المظاهرت العربية والدولية الجامحة والمحتجة على تغيير الدول وتجزئتها دون استشارة شعوبها في استفتاء عام كما تقتضي مبادىء حقوق الانسان،
فادراكا من الولايات المتحدة لضعف مساعيها تلك نتيجة مجافاتها لمبادىء حقوق الانسان، قررت أن تعيد النظر في استراتيجيتها، دون تخليها عن رغبتها في تقسيم دول المنطقة الى دويلات بغية اضعافها. وهنا أعادت دراسة توجهها لايجاد شرق أوسط جديد. كل ما في الأمر أنها، مستفيدة من تجربتيها السابقتين، قررت اضفاء ثوب جديد على مشروعها لايجاد ذاك الشرق الأوسط الجديد.
فقد قررت ان تنفذه انطلاقا وتماشيا مع مبادىء حقوق الانسان، وذلك بتحريك الأقليات في المنطقة الراغبة فعلا في الاستقلال، كالأكراد والأماريع، بحيث يكون نشوء تلك الدول المقامة على أراض مقطتعة من أراضي دول المنطقة (العراق وسوريا وتركيا وايران في مشرق الشرق الأوسط، ومن تونس وليبيا والمغرب وربما ليبيا أيضا من أراضي الشمال الأفريقي)... هو الحل الملائم، خصوصا وأن حق تلك الأقليات في تقرير مصيرها، يتلاءم تماما مع حق تقرير المصير الذي تقره مبادىء حقوق الانسان. وهكذا نشطت الحركة الكردية بدعم أميركي، كما بدأت أصوات الأمازيق ترتفع مطالبة بالحكم الذاتي.
وتطور التحرك الكردي بشكل سريع وبدعم أميركي واضح. كما تبلور الدعم الأميركي له بشكل أكثر وضوحا، فتجلت القوات الأميركية منذ عام 2014 كحامية للأكراد, وقد لاحظ المراقبون كيف انبرت الطائرات الأميركية لافشال محاولات داعش لمحاصرة أربيل في العراق، ومن ثم عين العرب (كوباني) في سوريا، وبعدها جبل سنجار في العراق أيضا حيث يقيم الأزيديون المرتبطون توعا ما بالأقلية الكردية.
وبعدها لاحظ المراقبون تسلح قوات الحماية الكردية في سوريا، وبعدها ظهور جيش سوريا الدمقراطي ذو الأكثرية الكردية والمدرب والمسلح أميركيا، كما تعلن الولايات المتحدة جهارة.
ولكن انتكاسة واضحة أصابت فجأة ذاك التحرك، وذلك عندما رفض العراق الخارج من نصر في حرب ضد داعش، الاعتراف بنتائج الاستفتاء الذي اجراه اقليم كردستان العراق ، ووافق المستفتون فيه على اعلان الاستقلال. ثم جاءت النكسة الثانية، عندما قررت تركيا التصدي لمشروع الحكم الذاتي الذي يطالب به أكراد سوريا، تقديرا من الأتراك الذين يقاتلون أكراد تركيا في جنوب وشرق البلاد، بأنها خطوة نحو اعلان الاستقلال التام بعد حين، وهو استقلال سيؤدي لتقديم الدعم العسكري لأكراد تركيا، أعداؤها اللدودين.
وتجنبا من تركيا لتحقق نتائج كهذه، شرعت في عملية غصن الزيتون التي استهدفت أولا مدينة عفرين التي يسيطر عليها جيش سوريا الدمقراطي، مع تهديد بالزحف نحو مدينة منبج وقاعدة التنف الأميركية، اضافة لعشرة قواعد أميركية أخرى تقع شرق نهر الفرات، المنطقة المعروفة باسم الجزيرة، حيث يتواجد أكثر من الفي جندي أميركي يوصفون بكونهم خبراء ومدربين. ويقول الخبير العسكري السوري العميد السابق تركي الحسن، أن عددا من الدواعش يقاتلون الآن في صفوف جيش سوريا المقراطي.
ففي الوقت الذي باتت فيه الولايات المتحدة تعاني من انتكاسة واضحة، غير قادرة على ردعها الا اذا اشتبكت اشنباكا مباشرا مع القوات التركية التي تنذرها بوجوب سحب قواتها من منبج ومن التنف، فانها ليست مرتاحة لاحتمالات اشتباك كهذا مع القوات التركية، لما فيه من هزة قد تصيب حلف شمال الأطلسي عندما يلاحظ المشاركون الآخرون في الحلف، مأساة اشتباك تركيا وأميركا، العضوينالرئيسيين في الحلف، في قتال دام بينهما ...ولذا لم تجد أمامها، كما يرى بعض المراقبين، فرصة لاعادة الثقة لدى الأكراد في ثبات موقفها الداعم لهم، من مهاجمة القوات السورية وقوات موالية لها، فتقتل منهم أكثر من مائة عنصر، بذريعة أنها ترد على تحرش من تلك القوات بقوات سوريا الدمقراطية، في وقت تواجد في صفوف تلك القوات، عدد من الخبراء الأميركيين،، مما عرض حياتهم للخطر، فكان بالتالي لا بد من تأديب المهاجمين من السوريين وحلفائهم.
وفي وقت تقول فيه الناطقة باسم الخارجية الروسية، أن هذا الهجوم يحاول احباط المساعي السلمية لحل النزاع في سوريا، كما يهدد الحفاظ على وحدة الأراضي السورية... يضيف مصدر آخر في موسكو، أن الولايات المتحدة تحاول الاحتفاظ، (ربما لمصلحة الأكراد ودولتهم المستقبلية كما تأمل الولايات المتحدة)، بحقول نفط في منطقة كونكو. ولكن الدكتور فايز الدويري، الخبير العسكري الأردني، يرجح بأن هناك خط أحمر لن يسمح الأميركيون لأحد بتجاوزه، وهو خط يضم 27 بالمائة من الأراضي السورية.
ولكن هذا الأمر قد يبدو مستبعدا نظرا للاتفاق الدولي المعلن بوجوب الحفاظ على وحدة الدولة السورية، ما لم تكن تلك المساحة مخصصة لمشروع الدولة الكردية السورية التي ستبدأ بحكم ذاتي، والتي قررت الولايات المتحدة بأنها قادمة لا محالة، رغم الانتكاستين اللتين أصيب بهما مشروعها العتيد، لتكريس شرق أوسط جديد، عبر ثوب جديد من التخطيط والاعداد.
ولا يستبعد البعض أن تكون الاغارات الأميركية على المواقع السورية في دير الزور، الا رسالة تحذيرية موجهة لتركيا، مفادها أن أنظري ما حل بسوريا عندما هاجمت جنودنا وقوات جيش سوريا الدمقراطي. فهذا ما ينتظرك بل أكثر، اذا ما تجرأت (يا تركيا) على مهاجمة منبج والقاعدة الأميركية في التنف.
وبطبيعة الحال، ان صح هذا التوقع والاستنتاج، فان مفاده وجود تصميم لدى الأميركيين لا يردعهم عنه رادع، ومضمونه المضي قدما بمشروعها الشرق أوسطي، وهو مشروع الشرق الأوسط الجديد بثوب جديد.