بقلم: حمدي الحناوي

ما يجرى فى مصر الآن أشبه بمناورات تدريبية على الحرب الأهلية. دعايات تهئ مناخا للاشتباك. وقصص تتعلق كلها بنساء يقال أنهن دخلن الإسلام وتم اختطافهن واحتجازهن، وصيحات تستثير نعرة الذكور للاشتباك فى معركة لتحريرهن. وجماعات إيديولوجية تتشكل حول هذه الموضوعات. وأخيرا زعيم ملتح لا يتوارى خلف أى ساتر، ويقول علنا لجماعات الدهماء أنهم لن يكونوا رجالا إن لم يحرقوا الكنائس.

خليط من عواطف دينية مبهمة مع مشاعر ذكورة بدائية تدغدغها قصص نساء وزواج، وفى الخلفية أكاذيب عن أسلحة فى الكنائس. بهذا الخليط تتفجر طاقات تدميرية لدى الرعاع تدفعهم للهدم والحرق والقتل بلا مبالاة. لا أقول بلا تفكير، فهناك بالتأكيد من يفكر ويخطط، وتحوطا للفشل، قد يلبس ثياب "البراءة" ويلصق بالبلطجة مسئولة الجرائم الدامية. والمؤكد أنها جرائم بلطجة، لكن هناك مستفيدون منها، ومحرضون عليها، وقد تكشف التداعيات أن بقايا النظام القديم مع جهات خارجية يستغلون حالة الاحتقان. ولو صح هذا فالسؤال الذى لا يمكن تجاهله: من الذى يشعل النيران ويصنع الاحتقان.

تجاهل هذا السؤال يثير الاشتباه، ويمثل محاولة لصرف أنظارنا عن الفاعلين الحقيقيين، ويضع بذلك علامة استفهام. سيضبط متلبسا من يدعى أن المشاعر محتقنة بين المسيحيين والمسلمين بشكل عام، فالصحيح أن عشرات الملايين من المسلمين لا يشعرون بأى ضغينة، ولا يشعر بذلك سوى الدهماء، يتم حشدهم وتحريضهم ويعطون أجرا لقاء ذلك، يكفى أن يكون أجرا معنويا يتمثل فى الثناء على "جهادهم" ووعدهم بدخول الجنة.

ثمة من يلبس مسوح البراءة ويتحدث عن معالجة الأمر من الجذور كى لا تتكرر تلك الأحداث!! وهنا نتعجب، ففى قلب الحديث عن معالجة جذرية يدس السم، ويشير بعض المتحدثين (صفوت حجازى فى الشروق، 10 مايو 2011) إلى قضايا يسميها مشتركة، ويقول أن فى مقدمتها قضية الإسلام والتنصير، يضعها بهذه الصيغة ليبدو متوازنا، ويقول أن ردود أفعال الطرفين هنا سبب ضخم للاحتقان. هكذا تؤخذ شائعات التنصير كأنها حقيقة. ويضيف "الداعية" أن بعض المسيحيين يشعرون بالظلم فى بناء كنائسهم ويرد بأن المسلمين يتمنون أن تعامل مساجدهم كما الكنائس. وهكذا يقلب الآية لينفى المشكلة، ويوحى بأن بناء المساجد أكثر صعوبة.

لا يكتفى "الداعية" بذلك بل يردد فى النهاية ما يشاع عن استقواء المسيحيين بالخارج. لا يذكر المسيحيين نصا، لكن المفهوم أنهم هم المتهمون، وهنا محاولة لا لإثارة مشاعر الدهماء بل لتضليل النخبة، وإطلاق دخان للتغطية على الأفعال التى تحض على الكراهية وتهيئ مناخ التخريب والحرق والقتل. وبديهى فى مواجهة تلك الأفعال أن تبحث الضحية عن ملجأ للحماية، لكن رد فعل كهذا يصبح مبررا للتشهير وتصعيد العدوان.

نحتكم كلنا للاتفاقات الدولية دفاعا عن حقوق الإنسان ولمواجهة التمييز، دون أن يكون ذلك استقواء بالخارج. وكان بوسع الجامعة العربية أن تطلب تدخلا خارجيا مسلحا لحماية الشعب الليبى الثائر دون أن نتهمها بالخيانة. والأحرى ألا نسارع باتهام الضحية قبل أن نحاصر أعمال الترويع ونقطع الأيدى التى ترتكبها. لا نلوم بشرا يشعر بالخوف ونلوم من يروعه ويستثير خوفه. هذه حرب كانت مقدماتها مكبرات الصوت التى تذيع من المساجد ليل نهار سورا قرآنية بعينها، وخطابا ظلاميا يتهم غير المسلمين بالكفر.

تحية لمجلس الوزراء على موقفه الأخير، أما "الدعاة" فعليهم إيقاف طبول الحرب، ولن نقبل منهم كلاما ملتبسا عن حلول جذرية. بدلا من الكلام نريد أفعالا محددة. بداية الحلول الجذرية الحقيقية إيقاف فورى ونهائى وبات لأحاديث التكفير المذاعة، وإيقاف صيحات الاستنفار لاحتضان نساء مسيحيات.