الأقباط متحدون - أسعار الوجاهة والألقاب في مصر: من باشا وبك إلى سعادة المستشار وسيادة السفير
  • ١٨:٢٠
  • الخميس , ١٥ فبراير ٢٠١٨
English version

أسعار الوجاهة والألقاب في مصر: من باشا وبك إلى سعادة المستشار وسيادة السفير

منوعات | رصيف 22

١٢: ٠٥ م +02:00 EET

الخميس ١٥ فبراير ٢٠١٨

أسعار الوجاهة والألقاب في مصر: من باشا وبك إلى سعادة المستشار وسيادة السفير
أسعار الوجاهة والألقاب في مصر: من باشا وبك إلى سعادة المستشار وسيادة السفير

الوجاهة الاجتماعية، تلك القيمة التي يعطيها المحيط للفرد. ذلك الضوء الأخضر الذي يحصل عليه من ينال الوجاهة للحصول على امتيازات إضافية، بسيطة أحياناً، كأن تُفتح لك أبواب الأماكن والعربات، أو كبيرة كأن تُفتح لك أبواب الفرص في الحياة والعمل.

هي هدف للكثير من سكان العالم العربي والعالم بأسره، حيث يعتبرها مريدوها مقياساً لقيمتهم بين الناس، فيسعون إليها بكل قوة.

وفي مصر تحديداً، تجسدت الوجاهة الاجتماعية بشكل كبير في الألقاب التي تسبق الاسم أو تلحق به فتعطي لصاحبه رونقاً خاصاً وهيبة بين الناس.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، لا يزال لقب العمدة في القرى مجسداً لشخصية كبير البلد أو أهم من فيها رغم أن هذا اللقب عبارة عن منصب للشخص المسؤول عن القرية، والذي تعيّنه الدولة، وكانت له صلاحيات كبيرة في زمن الملكية.

كما لا يزال الناس يستخدمون مجازاً لقب الباشا وصفاً لشخص في منصب مهم.


يرى الدكتور علي شوشان، الخبير النفسي والاجتماعي، أن سعي الكثير من الناس للحصول على ألقاب لمّاعة، كالسفير والدكتور والمستشار حالياً، والباشا والبك في الماضي، قديم في المجتمع المصري بقدم الفراعنة.

ويقول شوشان لرصيف 22 إن الألقاب كانت منتشرة في مصر الفرعونية كنوع من أنواع الطبقية يفرّق بين الفلاح البسيط والملك أو الفرعون ورجل الدين الذي كان يلقب بالكاهن. مشيراً إلى أن هذه الألقاب اختفت في بداية دخول الإسلام لمصر قبل أن تظهر من جديد أثناء الحكم العثماني، وبالتحديد مع محمد علي، الذي جعل من الألقاب جزءاً أساسياً من حياة المجتمع الذي قسم إلى أفندي وهو المتعلم البسيط، والبك وهو التاجر المميز، وأخيراً الباشا وهو صاحب الثروات الطائلة.

في عصر الملك
تبلورت أهمية الألقاب في مصر منذ الحكم الملكي، عندما كان الملك من حقه أن ينعم بألقاب الباشوية والبكوية على من يريد، وكان هذان اللقبان تكريماً لمن يحصل عليهما.

وقد فتح  الفساد الباب كبيراً لمن لديه مال للحصول على هذه الألقاب.

أقوال جاهزة
بلورت أهمية الألقاب في مصر منذ الحكم الملكي، عندما كان الملك من حقه أن ينعم بألقاب الباشوية والبكوية على من يريد، وكان هذان اللقبان تكريماً لمن يحصل عليهما

في مصر تحديداً، تجسدت الوجاهة الاجتماعية بشكل كبير في الألقاب التي تسبق الاسم أو تلحق به فتعطي لصاحبه رونقاً خاصاً وهيبة بين الناس

ففي وقت من الأوقات كان يدفع التجار والساسة آلاف الجنيهات من أجل الحصول على واحد من هذين اللقبين لكي يضيفوا إلى شخوصهم وجاهة اجتماعية تساعدهم في أعمالهم.

وقد كشفت الدكتورة ماجدة بركة في كتابها "الطبقة العليا بين ثورتين" أسعار تلك الألقاب لمن كان يريدها عن طريق الرشوة، فسعر البكوية من 5 آلاف إلى 10 آلاف جنيه، وسعر الباشوية من 20 إلى 35 ألف جنيه، على أن تدفع هذه الأموال للقصر الملكي.  


انتهاء عصر الباشوية والبكوية
بعد ثورة الضباط الأحرارفي مصر عام 1952، وإطاحة الحكم الملكي، كان أحد أهم قرارات مجلس قيادة الثورة هو إلغاء التمييز بين المصريين، وقد أسفر هذا القرار في النهاية عن إلغاء تلك الألقاب تماماً، وعدم الاعتراف بأهمية صاحبها.

وبدأت وقتذاك إعادة تقسيم الثروات على المصريين مما أضاع على الكثير من البشوات والبكوات وجاهتهم الاجتماعية.


على الرغم من انتهاء عصر ألقاب الباشوية والبكوية وما تمثله، فإن الكثير من المصريين بدأوا في البحث عن ألقاب جديدة تعطيهم الوجاهة الاجتماعية ذاتها.

ومع صعود الضباط الأحرار للسلطة وزيادة نفوذهم ونفوذ المؤسسة العسكرية والأنظمة الأمنية اجتماعياً سياسياً، أصبحت الوجاهة في الرتب العسكرية، وراحت بعض الأسر توجّه أبناءها لكليتي الشرطة والحربية.

ولم يزل حتى اليوم، يتقدم للكليتن سنوياً مئات الآلاف من المصريين، سعياً إلى الوجاهة.

حملت الثورة التي أتى بها جمال عبدالناصر ورفاقه أفكاراً اشتراكية وتقدمية، تولي اهتماماً للعلم والتعليم، وترفع اجتماعياً من صنع نجاحه بيده، لا سيما عن طريق تعليمه، بدلاً من وراثة المجد والمال، والوجاهة الاجتماعية، كما كان الحال في العهد الملكي.

لذلك دفع الكثير من الأهالي أبناءهم نحو كلية الطب التي تعطي خريجها لقب دكتور، وكلية الحقوق التي تجعل من يتفوق فيها مستشاراً أو يسلك السلك القضائي بعد تخرجه منها ويترقي في مناصبه ذات الوجاهة الاجتماعية.

وأخيراً كلية الاقتصاد والعلوم السياسية التي تتيح للمتفوق فيها الدخول في السلك الدبلوماسي، فيتولى منصب سفير.


 اليوم.. لقبي بفلوسي
العديد من الراغبين في الوجاهة الاجتماعية التي تقدمها تلك الكليات فشلوا في دخولها أو فشلوا في التفوق فيها، ولذلك بدأوا يبحثون عن الألقاب التي تعطي الوجاهة على طريقتهم الخاصة. فاشتروا الألقاب من بعض المؤسسات التي تقدم الألقاب على غرار "دكتور" أو "مستشار" أو "سفير".

المستشار
أول الألقاب التي يسعى الكثير من المصريين للحصول عليها في العصر الحالي، لقب المستشار المخصص لرجال القضاء تحديدا،، والذي يعطي لصاحبه العديد من المزايا، أهمها الوجاهة الاجتماعية.

وقد ظهرت مؤسسات تعطي دورات في التحكيم الدولي على أن يحصل المتخرج من تلك الدورات على لقب مستشار بمقابل مادي زهيد لا يتعدى الـ 600 جنيه.

وانضم الكثيرون لتلك الدورات، وأصبح لقب "مستشار" متداولاً جداً لدرجة أزعج رجال القضاء أنفسهم، وجعلهم يبدلون لقب مستشار بلقب قاضٍ.

وحصل رصيف22 على صورة عن الشهادات التي تُسلم بعد انتهاء تلك الدورات وتتضمن لقب مستشار قبل اسم الشخص الذي أنجز تلك الدورة.

السفير
وهنالك إقبال كبير على لقب "سفير"، وذلك لما ينتج عن هذا اللقب من تسهيلات لصاحبه مثل الحصانة الدبلوماسية وغيرها من الخدمات الأخرى.

وفور انتشار لقب "سفير النوايا الحسنة" الذي يعطى للفنانين والسياسيين أصحاب الأدوار الاجتماعية المرموقة من قبل منظمة الأمم المتحدة، ويعادل لقب السفير الدبلوماسي، انتشرت الجمعيات والمنظمات الحقوقية في مصر التي ادعت أنها تستطيع أن تعطي هذا اللقب لمن يريده بمقابل مادي كبير.

ووصل سعر هذا اللقب في مصر عام 2017 إلى 12 ألف دولار رغم كونه لقباً غير رسمي، وقد تم القبض  في العام نفسه على عصابة مكونة من زوج وزوجته يقومان بالنصب على المشاهير من خلال سحب مبالغ مالية كبرى منهم في مقابل إعطائهم لقب سفير نوايا حسنة، وجواز سفر دبلوماسي مزور.

الدكتور
أشهر الألقاب التي يسعى إليها معظم الراغبين في الوجاهة الاجتماعية في مصر اليوم هو لقب دكتور، الذي لا يحصل عليه إلا من قام بعمل ماجستير ثم دكتوراه بعد تخرجه.

وفي ظل صعوبة الدراسات اللازمة للحصول على لقب "دكتور"، أصبح هذا اللقب كالألقاب الأخرى يباع ويشترى من جامعات ومنظمات دولية في بريطانيا وأسبانيا، وهذا ما كشفه أحمد العباسي الباحث الإعلامي ومدير وكالة شاهد الإعلامية الذي قرر أن يتقدم بطلب لمجلس النواب المصري للتدخل لإيقاف شراء الألقاب العلمية من الخارج، وعلى رأسها لقب "دكتور".

يقول العباسي لرصيف22 إنه رصد انتشار الألقاب العلمية في مصر، وخاصة لقب دكتور الذي أصبح ملازماً لشخصيات لم تكمل دراستها، إذ اشترت اللقب من جامعات بأمريكا وبريطانيا وأسبانيا كي يكسبوا وجاهة اجتماعية تعوضهم عن فشلهم في التعليم.

وأوضح العباسي أن انتشار هذا اللقب الرفيع زاد عن الحد مما جعله يتتبع خطوات الحصول عليه بطريقة غير رسمية أو بمعنى أدق بطريقة دفع الأموال لا الدراسة والكفاح، فوجد أن هناك جامعات ومؤسسات كثيرة تعطيه بمقابل مادي يراوح بين 600 دولار  10 آلاف دولار.

ورأى الباحث الإعلامي المصري أن التجارة في هذا اللقب تحديداً، محبطة لأنها تساوي من تعلم ودرس وبحث وتعب بمن معه أموال ويبحث عن وجاهة اجتماعية فقط.

هذا الواقه حث العباسي على التواصل مع نواب في البرلمان المصري لإصدار قرار يحظر شراء الألقاب العلمية، ويجعل لقب "دكتور" محصوراً بالدارسين والباحثين.

الكلمات المتعلقة