مفكرون أقباط: نرفض الاستقواء بالخارج ونحتاج لوحدة الصف ونبذ الفرقة
هناك بعض القضايا يمثل الاقتراب منها صداعا سياسيا وأمنيا، لكن هناك قضايا أخرى لايمكن تقبل السكوت عنها، مهما كان هذا الصداع الذى ستجلبه. فالمناقشة بموضوعية كفيلة بوضع النقاط أعلى وأسفل الحروف. والحوار معها وعنها يفتح الباب لطرح حلول ربما تكون إضافة لا غنى عنها. من هذه القضايا بعض الأمور الخاصة بالتدهور الحاصل فى العلاقة بين المسلمين والمسيحيين.
مازالت أحداث إمبابة تلقى بظلالها على الشارع المصرى الذى أعلن توحده ووقوفه صفا واحدا ضد محاولات الفتنة وزرع الفرقة بين عنصرى الأمة؛ إلا أن ذلك لم يمنع كثيرا من المفكرين والسياسيين الأقباط من طرح بعض التساؤلات والانتقادات التى وجهت إلى الإدارة الكنسية لقضية كاميليا شحاتة والمتحولين من المسيحية للإسلام.
جددت قضية عبير فخرى الجدل الدائر حول قانون الأحوال الشخصية الخاص بالأقباط وأزمة الطلاق وعلاقتها بالتحول للإسلام. هذه الأحداث وغيرها البعض للمطالبة بتفتيش دور العبادة والتساؤل حول مدى إمكانية وجود أسلحة بالكنائس بالإضافة إلى الانتقادات الواسعة التى وجهت لسعى بعض الأقباط لطلب الحماية الدولية.
اعتبر المفكر الليبرالى كمال زاخر ما حدث فى إمبابة بعيدا عن الفتنة، ففى تصوره فكرة الفتنة غير واردة لأنه لم يتم التجريح أو التحدث بشكل غير لائق يمس عقيدة الآخر، سواء المسيحى أو المسلم، معتبرا ماحدث جزءا من مخطط أشمل لإحداث حالة من الفوضى تمهيدا للقفز على السلطة من قبل بعض التيارات المتطرفة المدعومة بدول إقليمية لإجهاض ثورة 25 يناير والحلول محل مصر فى دورها القيادى والرائد بالمنطقة.
أرجع زاخر تفاقم التوترات الطائفية فى مصر إلى المعالجات الخاطئة، سواء فى ظل النظام السابق أو حاليا، منتقدا ظاهرة استبعاد القانون الطبيعى واستبداله بجلسات الصلح العرفى والاكتفاء باستدعاء أحد الرموز الدينية لحل تلك القضايا مشيرا إلى أن ذلك قد يعالج العرض إلا أنه لا يقدم علاجا جذريا للمرض .
فيما يتعلق بقضية التحول من المسيحية للإسلام وعلاقتها بقانون الأحوال الشخصية، أشار زاخر إلى إن الأسر المسيحية مثل غيرها من الأسر التى تمر ببعض الخلافات وتتجاوزها وأن قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين مازال محل جدل داخل الكنيسة وليس صحيحا أن المشكلات الشخصية هى السبب الوحيد فى تحول الكثيرين للإسلام. وأضاف أن القضية بكل تشابكاتها يجب أن تعاد قراءتها وأن تحل على أرضية سياسية واجتماعية و اقتصادية قبل أن تحل على أرضية دينية.
انتقد زاخر القصة التى روتها عبير فخرى حول احتجازها بالكنيسة واصفا إياها بأنها مليئة بالمتناقضات بداية من سبب اختيارها للإسلام و كيف لم تحاول الاستغاثة بأى شخص طوال تنقلها بين الكنائس كما ذكرت وما الذى ذهب بها إلى الكنيسة .
ونفى ما يتردد حول وجود أسلحة بالكنائس مضيفا إذا كان ذلك الأمر صحيحا لتحركت جميع المؤسسات الأمنية فى الدولة منذ وقت طويل وعلم الجميع.
وبخصوص قضية كاميليا شحاتة، أشار زاخر إلى أن مكتب النائب العام قد وقع فى خطأ قانونى عندما وجه طلب الحضور لكاميليا على الكنيسة فهى لاتسكن ولاتقيم بالكنيسة كان من المفروض أن يتم توجيه الطلب إلى منزلها انطلاقا من كون النيابة تمثل المجتمع ولا تنحاز لطرف دون آخر ، كما أنه ليس مطلوبا من الكنيسة أن تمارس ضغوطا على أحد رعاياها لتسليمه للنيابة لأنها قضية حقوقية من الدرجة الأولى ليس للكنيسة دخل بها وليست طرفا فيها .
أضاف زاخر إن هناك ضغوطا تمارس على الأقباط ولايلتفت إليها وتتم معالجتها بشكل خاطىء وكان الرد على ذلك هو لجوء البعض لطلب الحماية ويجب أن نفرق بين الحماية الدولية والحماية للبلد لأن الحمايةلا تعنى احتلالامؤكدا على أنه يرفض فكرة التدخل الخارجى فى الشأن المصرى جملة وتفصيلا معتبرا تلك المطالبات بمثابة جرس الإنذار لإعادة النظر فى إدارة الأزمات المتعلقة بالملف القبطى بطريقة أكثر موضوعية فى إطار سيادة القانون والدولة .
يرى القس الدكتور إكرام لمعى مدير كلية اللاهوت الإنجيلى ضرورة تبنى موقف واضح تجاه تلك الأحداث من كافة القيادات الدينية المسيحية والإسلامية لحفظ حرية العقيدة والانتقال من عقيدة لأخرى بإعتباره أحد أهم حقوق الإنسان، إلا أنه يرى أن معظم المتحولين عادة ما يكون لهم أهداف أخرى لا علاقة لها بجوهر الدين الذى تحولوا له مثل المعاناة من الخلافات والمشاكل الشخصية والأسرية وتلك النماذج عادة ما تتسم بالجهل وضعف الوعى عامة والجهل بالدين خاصة سواء الدين الذى يعتنقونه أو الذى يرغبون فى التحول إليه .
بالرغم من وجود حرية الحركة بين الأديان فى كافة دول العالم وكونها أصبحت مثار فتنة فى مصر يرى لمعى بأن ردود الفعل تجاه تلك الأحداث أكبر بكثير من الأحداث نفسها ويتداخل فيها ظروف متشابكة بالإضافة إلى المحاولات الخفية التى تسعى لخراب مصر وتحويلها إلى دولة رخوة وفاشلة وهو مايخدم مصالح أعداء مصر، نافيا أن يكون هناك سلاح داخل أى كنيسة لأن ذلك يتعارض مع الفكر المسيحى والنظام الكنسي ولم يحدث من قبل فى التاريخ ، إلا أن الأسلحة من الممكن أن تكون فى أيدى الأفراد دفاعا عن ممتلكاتهم.
انتقد لمعى طالبى الحماية الدولية مشددا على كونه ضد التدخل الأجنبي فى الشأن المصرى مدللا على ذلك بكون الولايات المتحدة الأمريكية لم تفعل شيئا لمسيحيى العراق مضيفا إن من يحمى مصر هم المصريون أنفسهم والدليل على ذلك أن المسيحيين مارسوا عبادتهم لأول مرة خارج كنيستهم بميدان التحرير تحت حماية المسلمين والمسلمين كذلك صلوا بالميدان تحت حماية إخوانهم المسيحيين .
أكد لمعى أن من يلتحف بالطائفية يفقد مصداقيته كمصرى ويضر بمصالح البلد ونحن نمر بمرحلة دقيقة يجب أن نحافظ على ثورتنا ونحميها مشيرا إلى أن هذا الوقت هو الذى يتضح فيه المصرى الحقيقي .
اتفق معه نبيل مرقص الخبير التنموى وعضو الفريق العربي للحوار الإسلامى المسيحى، مؤكدا على أن العلاقات الإسلامية المسيحية فى مصر لها تقاليدها التى تعود لأوائل القرن العشرين والتى وضعها و أسسها مجموعة من النشطاء والمفكرين الذين دعموها وربطوها بتقاليد الحركة الوطنية المصرية. كما كان الحال فى ثورة 1919. مضيفا أن التوحد والالتفاف حول مشروع وطنى مصرى لاستكمال بناء الدولة المصرية الحديثة هو الدواء الشافى لأمراض الجسد المصرى المنهك بعد 30 عاما من نظام حاكم تلاعب بمشاعر عنصرى الأمة و أوكل إدارة هذا الملف لأجهزة أمنية ذات منظور ضيق لم تكن مدركة لمصالح مصر العليا بل عملت لصالح نخبة فاسدة تزعمها الرئيس السابق.
وأشار إلى أن الإدارة الكنسية قد تعانى خللا كجزء من الخلل الذى عانته إدارة الدولة على مدى 30 عاما ولها عدد من الأخطاء أولها استسلامها لتحكم وتعسف الأجهزة الأمنية التى تلاعبت بالملف الأمنى مضيفا أنه يجب أن يتم انتقاد ممارسات الإدارة الكنسية بحكمة وبدون مبالغات إعلامية وأن يتم تصحيح الملف الطائفى من خلال وعى اجتماعى سياسي مدنى يضبط العلاقات الإسلامية المسيحية ويضعها فى إطارها الصحيح لاستعادة مكانة مصر فى إطار التوجه الوطنى العام .
وعن قضية عبير، تحفظ مرقص بشدة على استخدام تعبير قانونى كالاحتجاز دون انضباط وتوفير معلومات ودلائل قانونية. وناشد كل وسائل الإعلام والأجهزة الحقوقية والحكومية عدم التعجل فى استخدام وتوصيف أوضاع قانونية تتعلق بالعدوان على الحريات الخاصة والشخصية دون دلائل مؤكدا على أنه فى حالة ثبوت الواقعة فإنه مع سيادة القانون.
حمل الأب وليم سيدهم، اليسوعى وأمين عام اللجنة المصرية للعدالة والسلام بمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك المصرى، وسائل الإعلام مسئولية مناخ التحريض وتزييف الوعى فى السنوات الأخيرة من خلال خلق صورة ذهنية تشجع على التحفز والتخوين والشك والدفاع عن النفس، مشيرا إلى أنه بالرغم من نجاح الجيش فى حماية الثورة والحفاظ عليها حتى الآن، إلا أن إطلاق العنان للتيارات المتشددة يهدد الثورة. بالإضافة إلى وجود قوى أخرى لها مصالح فى خلق مناخ من عدم الاستقرار بالبلاد، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل .
وأكد أن الإسلاميين المتشددين ضحايا لمبارك ونظامه الذى كان يستعملهم لتأمين بقائه فى الحكم إلا أن هذا التيار الذى لا يمثل سوى 3% من الشعب ، إذا ما استمر على هذا التصعيد فستتحول مصر إلى سودان أخرى أو ربما أفغانستان .
وشدد على ضرورة الخروج من تلك الفوضي وأن تتبنى وسائل الإعلام إيصال أصوات عقلاء الأمة من المسلمين والمسيحيين، ومطالبا النشطاء والحقوقيين بالمزيد من الجهد لتوعية الأفراد بحقوقهم و واجباتهم فى المناطق الريفية والعشوائيات .
ونوه إلى ضرورة دعم حقوق الإنسان وحق حرية العقيدة منتقدا من يتحول من عقيدة لأخرى لأسباب بعيدة تماما عن اقتناعه بمبادىء الدين نفسه وهربا من مشكلات خاصة وشخصية وعلى الكنيسة أن تحافظ على رعاياها وتتابعهم روحيا قبل أن يصلوا إلى مرحلة الرغبة فى تغيير دينهم .
وأضاف أن القضية تمت معالجتها بشكل خاطىء فى السنوات الماضية فأمن الدولة لم يكن المكان الملائم لتحديد أى عقيدة يرغب الفرد فى التحول إليها فكان من المفروض أن يتم تشكيل لجنة تضم فى عضويتها قضاة ورجال دين مسيحيين ومسلمين ممن يشهد لهم بالنزاهة لحل تلك المشكلات .
وانتقد طالبي الحماية الدولية مشددا على أن الاستقواء بالخارج مرفوض وعلى من يستنجد بأمريكا التوجه إلى هناك وعلى من يستنجد بالسعودية الذهاب إلى هناك أما نحن فلن نترك مصر.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :