وطن على حافة هاوية
بقلم: أماني موسى
حزنت كثيرًا –ويبدو أن الحزن بات مكتوبًا على جبين المصري وبخاصة القبطي- لِما حدث بموقعة إمبابة من خراب ودمار وخسائر بشرية ومادية.
مشهد الأمهات الثكالى يترنحن بالكنيسة على فقدان أبنائهن ، والجثامين وهي تدخل الكنيسة وسط صرخات القلب ، مشهد النيران وهو مندلع من الكنيسة وسط صيحات التكبير آثار فيَّ شجوني خاصةً أن هذه الحادثة لها طابع خاص في نفسي حيث لم أرى حرق الكنيسة كعادة الأحداث الطائفية السابقة من منطلق مصرية تتألم لتلك الأحداث ولكن من منطلق كوني أحد رواد تلك الكنيسة وصليت بين أركانها كثيرًا شاعرة بالدفء وروحانية المكان، ولم أكن أتخيل أن أراها ثانية وهي حطام وبقايا وتحمل بداخلها حطام وبقايا بعضًا من أبنائها وأيضًا محتوياتها.
دعونا من تحليل الحدث ومتابعته كخبر صحفي حيث سرد حقائق بحتة وأرقام لأعداد القتلى ومقدرات للخسائر المادية، ولندخل إنسانيًا لقلب الحدث.
دعونا نتخيل لحظات الهلع التي مر بها حارس كنيسة السيدة العذراء بالوحدة وهو يرى هجوم مجموعة مسلحة تأتي مكبرة ومهللة تريد اقتحام الكنيسة بالسيوف والمسدسات وزجاجات المولتوف!!
فمنذ يومان سمعت كاهن الكنيسة القمص متياس يذكر قصة عم "صلاح" حارس الكنيسة الذي أغلق بابها على الفور حين وجد ذلك الجمع الغفير متجهًا للكنيسة وأخذ عم صلاح أجساد القديسين متجهًا للهيكل، ولكنهم قاموا بكسر الباب وطالبوه بقول الشهادتين فرفض، فكان مصيره عدة طعنات أودت بحياته ثم إشعال جسده بالنيران حتى أصبح صلبًا متخشبًا من شدة الاحتراق، وذكر الكاهن أن الناس كانوا يعبرون على جثته ظانين أنها أحد القطع الخشبية المحترقة بالكنيسة!!!
لن أعلق بأية كلمات على هذا المشهد الوحشي اللا إنساني.
وقصة أخرى حول جرجس الذي كان بمبنى الكنيسة وأشعلوا النيران فيه ثم ألقوه من الدور الخامس!!!
وبالطبع هناك العديد من القصص الإنسانية التي ستكشف عنها الأيام، وهناك العديد من الأسئلة التي تدور بذهني ذهابًا وإيابًا دون إجابة شافية ومنها:
- قيل من قِبل المهاجمين أنهم أرادوا تحرير أختهم "عبير" –وبعيدًا عن عبير تلك ورواياتها المتضادة والتي تؤكد زيف إداعاءاتها بالاختطاف والاحتجاز وما إلى ذلك- ستجد أن الواقع أثبت غير ذلك، فالفيديوهات التي تم بثها عبر موقع اليوتيوب وكيفية الهجوم وكذا التحريض من قِبل الشيخ أبو أنس وغيره ينم عن حجم كراهية وغل فاق التصور لكل ما هو مسيحي!! إذ أنهم لم يتأكدوا بالأساس من صحة تواجد عبير داخل الكنيسة أو احتجازها كما أدّعوا، وإن كان غرضهم تحريرها فِلما العنف والحرق والتدمير والقتل؟! فكان أولىَ بهم تفتيش الكنيسة وأخذ تلك العبير دون حرق الكنيسة عن بكرة أبيها وحرق من بداخلها أيضًا!!
فكيف لهم أن يحرقوا الكنيسة كاملة إن كانت عبير محتجزة بداخلها كما أدعوا، فهم يريدون عبير فكيف يحرقون المكان المتواجدة هي بداخله؟
أضف على ذلك أن جرائم اقتحام المنازل مثلاً بهدف السرقة يتم البحث فيها عن الهدف المراد سرقته وأخذه دون الحاجة لإحراق الشقة أو ما شابه، ولكن جرائم القتل والانتقام يتم فيها إحراق المكان والتنكيل بمن في داخله.. وأعتقد إن إمبابة كانت أقرب للتصور الثاني عن الأول!!
إذًا الأمر لا يكمن في عبير أو يحزنون لكن في حجم الضغينة والكراهية التي تكمن وتترعرع في نفوس البعض تجاه البعض الآخر من شركاء الوطن والتي هي بمثابة نيران ستمتد لتلتهم الأخضر واليابس معًا.
ثم يحضرني تساؤل من أنتم؟ من أنتم بحق؟ كقول القذافي؟ فأنتم ليسوا بأولي الأمر لها ولستم أيضًا بجهة قضائية لتقوموا بأخذ القصاص وإثارة الرعب في النفوس.
وهنا لابد من التوقف عن التغني بالوحدة الوطنية والنسيج الواحد والبيانات التي تشجب وتندد وتدين ، بل الوقوف على أسباب المشكلة وعلاجها الأول من خلال تفعيل قانون جَدي وصارم والعقاب لكل جاني ومحرض أيضًا.
فليست بالأغاني الوطنية تُحل القضايا الطائفية، وليست أيضًا بالبيانات والشجب والاستنكار، حيث المعالجات بذات الطرق المعتادة التي باتت لا تتناسب مع الحجم الحقيقي للمشكلة لن يجدي ولن يصنع الحلول بل سيزيد المشلكة تفاقمًا.
فلا تزل طرق معالجة تلك القضايا الحساسة كما هي، فالمذيعين يلمعون على شاشات الفضائيات في الاستديوهات المكيفة يتناولون التحليل للقضية، وكبار الكتاب وصغارهم يطرحون آرائهم المتنورة بالمقالات، وجمعيات حقوق الإنسان تصدر بيانات تشجب وتدين، ووسائل الإعلام تتبارى في الحصول على السبق الصحفي من فيديوهات وأخبار من قلب الأحداث، وإحقاقًا للحق زاد عليها مليونية الوحدة الوطنية التي رُفعت فيها أعلام فلسطين!!!!
لم نزل نعالج النتايج ولم نتطرق بعد لمعالجة الأسباب، حُرقت كنيسة... سنعيد بنائها، فُقدت أرواح... سنعوض عنها ببضعة آلاف، ولكن ماذا بعد؟! أين الجناة؟ أين العقاب والرادع؟
والأيام بيننا خير شاهد على تكرار إمبابة وصول إن أستمرت الأغاني وأمتنع القانون عن المشاركة في المشهد.
ولمن يقولون ويتهمون تلك الأيادي الخارجية، أقول لكم كفا تنويم ومواربة ، كفا تضليل ولنواجه الحقيقة بشجاعة لإنقاذ مصر، فإن كانت هناك أيادي خارجية تقصد العبث بسلامة هذا الوطن لكنها تجد التربة الخصبة بالداخل والأيادي الداخلية لتنفيذ مخططاتها، إذًا علينا بمعاقبة الجناة لتلك الحوادث بتوجيه جريمة الخيانة العظمى وتوقيع العقاب القانوني الرادع للجاني والمحرض والتوقف عن جلسات الصلح.
علينا بتحكيم القانون ومعاقبة من زرع فكرة وجود أسلحة داخل الكنائس ووجود نساء محتجزات وجعلها تستقر داخل الأذهان لتكون حافز بين آن وآخر للهجوم على دور عبادة شركاء الوطن.
- وأخيرًا سؤال بريء يراودني بخباثة: كيف لمن يدعون أنهم ذوي فضيلة ورجال دين وخلفاء الله على أرضه أن يقوموا ليدافعوا عن فتاة "عاهرة" على علاقة بشخص وهي متزوجة وأم لطفل!! هل هذه هي التي سيتشرف الإسلام بها أو تنقص المسيحية بخروجها منها؟!!
- لماذ تخرجون وتصيبكم الذكورة الحادة للمطالبة بامرأة بينما لم نر أو نسمع صوت أحدكم في العديد من القضايا التي تستحق؟!
رفقًا بمصر يا مصريين، دعوا من يذهب للإسلام أو للمسيحية يذهب بسلام بحثًا عن الحقيقة أو المال أو الجنس، ودعوا كلاً وشأنه ولا تتلاعبوا بالوطن على حساب الدين.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :