اعرف ماذا يحدث داخل سجون الإخوان؟
أخبار مصرية | أمان
الثلاثاء ٢٠ فبراير ٢٠١٨
للمساجين الإخوان قائد غرفة يختاره المكتب الإدارى الذي يخضع السجن له
يقيمون صلاة الظهر ويعقبها دروس معظمها دينية أو فقرات فنية ترفيهية
يصر الإخوان على تقديم نشرة أخبار يومية للزنازين وتحليل يبشرون فيه بنهاية النظام
رسائل بإسم بديع ومرسي تصل للسجون بشكل دورى وتتنقل بين شبابيك الزنازين ليلًا
أعضاء داعش يجرون نقاشات مع أعضاء الللجان النوعية والإخوان غير قادرين على التصدى لهم
تتلاحق الأيام والأسابيع والشهور على الإخوان، وهم في السجون.. مخدرون للوعي، فاقدون للبوصلة، وما بين صنف غارق مع التنظيم، وآخر منشق عنه، وما بين تائه ما بين هذا وذاك، أو منقلب في الاتجاه الأخطر وهو داعش يعيش عناصر الجماعة.. لقد اخترقت (أمان) الحياة الخاصة للإخوان بالسجون، لتكشف كيف كان الإخوان في الفترة الماضية يحكمون السجون، فيتفسحون، ويلعبون كرة القدم، في الوقت الذي تتحدث فيه قنواتهم الكاذبة بالخارج عن التعذيب والقهر.
عالم يحكمه قانون الجماعة
يريدون أن يعيشوا في عالم بلا قوانين إلا قوانين الجماعة.. فأصبحت هناك إشكاليات قائد الغرفة، الذي فى الغالب لا يختاره المساجين بل يختاره قيادي في الجماعة، ولعل هذه كانت البدايات الأولى للمشاكل والمنطلقات الأولى للمعارضة الداخلية، وقد كانت سببًا لحدوث مشكلات كثيرة، أرقت جميع مساجين الإخوان على طول وعرض السجون، وجعلت هناك فريقين في كل غرفة وزنزانة.
الفريق الأول يقبل كل ما يملى عليه، وهذا إما نابع من الانتماء للتنظيم، أو نابع من ظروف الغرفة الضيقة والصراعات على رغيف العيش، أو الدور في دورة المياه والاستحمام، أو مكان النوم والفرش... ألخ، التي تساهم في هذا الأمر، وأما الفريق الآخر فكان منهم الذي يعارض من أجل المعارضة، أو يعارض من أجل التقويم والإصلاح.
يقول القيادي المحكوم بـ25 عامًا سجنًا، حمزة محسن: وأنا بسجن الفيوم العمومي كنت بين طريقين متأرجحين.. كنت أسير بين أفكار ألبستها ثوب القداسة من حيث لا أشعر، وبين تمرد على المألوف.. في السنة الأخيرة، وعلى إثر الأزمة داخل جماعة الإخوان، بدأت الأسئلة داخل دماغي تتراقص باستمرار.. هناك اختلاط في مفهوم المحنة.. فالفشل محنة.. والسجن محنة... والإخوان على قسمين أحدهم بيروقراطي، والآخر يندفع ناحية التطوير والتجديد، وعقب فشل الانقلاب في تركيا، جلسنا معًا نعقد جلسات مناقشة، فقاموا بعمل ندوة بجوارنا حتى يفشلوا ما نقوم به.. إن القوم لم يكتفوا بإفشال نشاطنا لكنهم يتآمرون علينا.
إن قيادات في الجماعة يفشلون أي جهد للمراجعة داخل السجن.. وهو ما أدى إلى انقسام المساجين إلى فريقين، وجعل أمواج الشك والريبة تنتاب الجميع، حتى الموالين وشديدي الانتماء أثارتهم هذه الأمور التي وصلت إلى المعارك بالأيدي.
يقول القيادي عمرو عبد الحافظ، المنشق عن الجماعة في رسالة خاصة: تحول عنبر السجناء السياسيين إلى مؤسسة إخوانية تدار وفق رؤيتهم؛ في ساحة التريض تقام صلاة الظهر يعقبها دروس معظمها دينية أو فقرات فنية ترفيهية، معظم السجناء يهتمون بممارسة رياضات مختلفة كالمشي والجري وكرة القدم والكرة الطائرة، ومعظمهم كذلك يهتمون بحفظ القرآن وتلاوته بالليل والنهار، وفي الزنازين بعد غلق الأبواب تنظم دروس أخرى دينية في معظمها كذلك وتقام بقية الصلوات المفروضة ويصيب السجناء من قيام الليل أسهما، والحديث في شأن السياسة لا ينقطع، السجناء يتلمسون الأخبار من هنا وهناك، أما نحن فعقدنا عددًا من ورش العمل التي أنتجت مقترحات وتوصيات فيما يخص الفرد، وفيما يخص المجموع، واستمر هذا النشاط عدة أسابيع متتالية، وذهني ما يزال مشغولا بالإجابة عن السؤال المحوري: ما الإنجاز المفصلي الذي أريد أن أحققه في نهاية المطاف؟ وما الهدف الأساس الذي ينبغي أن أسعى إليه خلال فترة سجني التي لا أدري متى تنتهي؟ وما الدور الأهم الذي ينبغي أن يقوم به الإخوان في السجون؟.. كان لا بد من المراجعة، بعد أن وصلت بنا هذه الأمور إلى طريق مسدود.
إن كل منشقى الجماعة في السجون الآن يتحدثون عن التقديس.. أي عبادة التنظيم.. فبدون التقديس لن تكون هناك جماعة مترابطة، أو نظام هيكلي داخل هذه الجماعة، وهي نجحت في أن تصنع حول قادتها هالة دعائية كبيرة.. لتجعل أفرادها مترابطين تمامًا حول القادة، ومن ثم حول الجماعة التي يقودها هؤلاء الأفراد، وكانت قيادة الإخوان التنظيمية بصفة عامة تحاول أن تجعل جيل الشباب يبدون كأبطالٍ حين يستمرون في عبادة الأقنعة الزائفة.
دروس في التريضات
يقول المنشق عمرو عبد الحافظ: تم ترحيلي إلى سجن الفيوم العمومي، وبدءاً من 3 يوليو 2013 كان نصف السجن ينتمي تنظيمياً لجماعة الإخوان، ونصفه الآخر لا يؤيد الموقف السياسي الحالى للجماعة، وفي ساحة التريض تقام صلاة الظهر، يعقبها دروس معظمها دينيأ وفقرات فنية ترفيهية، ومعظم السجناء يهتمون بممارسة رياضات مختلفة كالمشي والجري، وكرة القدم والكرة الطائرة، ومعظمهم كذلك يهتمون بحفظ القرآن، وفي الزنازين بعد غلق الأبواب تنظم دروس أخرى دينية في معظمها كذلك وتقام بقية الصلوات المفروضة، والحديث في شأن السياسة لا ينقطع.. السجناء يتلمسون الأخبارمن هنا وهناك، والأمل لا ينقطع في نصر قريب وفرج أكيد.. اندمجت في تلك المؤسسة المتفرعة عن الجماعة الأم التي أنتمي إليها؛ وأعددت محاضرة عنوانها "كيف يظل المعتقل فاعلاً في حركة الحياة؟"، وألقيتها على مسامع زملائي في ساحة التريض عقب صلاة ظهر أحد الأيام، حيث نتجمع خارج الزنازين التي تفتح أبوابها لعدة ساعات يومياً.
كان بين السجناء صحفي خمسيني لا ينتمي إلى الإخوان تنظيمياً، لكنه يؤيدهم، يقف في ساحة التريض يومياً ليقدم نشرة أخبار مطعمة بتحليلاته التي دائما تبشر أن النظام يترنح، وأن ساعة الصفر قد حانت، ولا نعلم ما معنى ساعة الصفر!، وأيقنت أن الإخوان مخدرون ومزيفون للوعي، وأنه من الممكن أن ينقلب السحر على الساحر يوماً.
يتفاوت الإخوان في قضاء أوقاتهم داخل محابسهم حسب أعمارهم وميولهم واهتماماتهم ومؤهلاتهم العلمية والعملية، ولكنهم يشتركون كنسخات كربونية طبق الأصل في أمور تجمعهم مهما اختلفت الثقافات والميول والأعمار.
رسائل بديع عبر شبابيك الزنازين
لا تزال الجماعة ترسل رسائل باسم محمد بديع، أو باسم محمد مرسي إلى السجون، عن طريق الزيارات، وبأحبال تشد بين فتحات الزنازين العلوية، تصل الرسائل وتقرأ على الجميع.. عندما كانت الجماعة جسدًا واحدًا - حتى نهايات عام ٢٠١٥ - كان الصف الإخواني يتحسس هذه الرسائل، وأخبار قياداته بشغف وبطريقة تغشاها الهيبة والإجلال، وإذا عاد أحد السجناء من جلسة محاكمة في إحدى القضايا التي تجمعه بمرشدهم فإنه يعود ليبلغ إخوانه رسالة "فضيلته" بعد أداء صلاة الظهرعلى مسمع من جميع نزلاء العنبر، وبالطبع الصمت المهيب يكون حاضرًا أثناء إلقاء الرسالة، وأسراب من الطيور كانت تمارس رياضة اليوجا فوق الرءوس، فيما كان الغائب منهم يتساءل عن مضمون الرسالة وتفاصيلها، حتى وإن كانت مجرد أمور عادية بسيطة من وعاء الحياة، أيضًا ترى معظم كبار السن ونقباء الأسر - المسئولين التربويين - ينسجون خواطر إيمانية وردت في الرسالة بين السطور!، وألوف الخيوط التي تمجد فضيلة القائد الرباني الملهم!.
بعد أعوام طوال مرت على محابسهم، وبعد أن دق شبح الانقسام مسمارًا آخر في نعش جماعتهم؛ فإن تلك الرسائل أصبحت لا تصل إلى ذات المسامع؛ فغدت لا تلقى على الإطلاق قبولًا بين عامة أنصار الإخوان، فيما انقسم شباب الجماعة بين متهكم على أقوال "فضيلته"، ومتندر بها، وبين مشفق على قائد بلغ من العمرعتيًا، فيما أصبح لسان حال شباب آخرين يتمتم "ياليته سكت"!.
يستمع من الإخوان آخرون - في أعمار متفاوتة - إلى رسائل المرشد بمجرد فضول أو تطلع لانتهاء الأزمة، وانقضاء "المحنة"، واستهلال بشائر النصر، وبالطبع يحصل أولئك على جرعات كبيرة من مسكنات يتطلعون دومًا إلى تعاطيها، فيما لا تزال هناك كتلة صلبة على موقفها السامع المطيع المنتظر للأوامر تماما كمجندي الأمن المركزي.
التواصل مع إدارة السجون
عادة ما يكون أكبر الإخوان سنا أو الأرفع منصبا (عضو مسئول مكتب إداري مثلا) هو المسئول عنهم في السجن، لكن بعد أن تعالت أخيرًا أصوات المنادين بالمؤسسية أصبح سجناء الإخوان - في بعض السجون - ينتخبون فيما بينهم مسئولا عنهم، ولأن عقيدة الإخوان تتلخص في كونهم أصل والكون كله من حولهم تابع لهم وكل الآخرين هم محض "دوائر تأثير" بهم؛ فإن ذلك المسئول الإخواني يعين - بمعرفة كبار الإخوان - مسئولًا للتواصل مع إدارة السجن، فيرفع طلبات النزلاء ويتدخل في حل المشكلات، وبالطبع يشترط في ذلك المنسق الأمني أن يكون من الإخوان لضمان ولائه، وفي ذلك السياق لا يهم مطلقًا عدد الإخوان التنظيميين، أو نسبتهم الضئيلة، مقارنة بغير المنتمين للتنظيم، ليكون لزامًا على ممثل السجناء - كلهم - أن يكون إخوانيا؛ فهم مقتنعون تمامًا بأن حفلة السجن هي حفلتهم وحدهم، والجميع مدعوون لحضورها على شرفهم.
في سجن استقبال طرة تمرد بعض شباب الإخوان على ذلك الروتين والنظام الإخواني الذي يفرض على حمل هذا الملف وجوهًا لم تكن - من وجهة نظرهم - كفئا لحمله؛ وتسكينًا لثورة أولئك الشباب أصبح ملف "التواصل الأمني" بالانتخاب بين السجناء، وبالطبع لم يغفل كبار الإخوان ممارسة التكليف والأمر والتأثير لتكون النتائج ذاتها، وليكون المسئول أخيرا إخوانيا على هوى الجماعة كما هى العادة.
سجن الاستقبال يتكون من 4 عنابر (أ، ب،ج، د) العنبرين الأخيرين للعناصر الخطرة، أما العنبرين الأولين أ، وب، فيتكون كل منهما من 4 أدوار في كل دور أكثر من 30 غرفة، وفي كل غرفة 20 فردًا، ويوجد بهذا السجن خليط من كل الأفكار، حيث يعتقل به أعضاء اللجان الإخوانية المسلحة، وكذلك أعضاء داعش، الذين يستغلون النريضات لعمل حلقات دعوية نقاشية مع اعضاء اللجان الإخوانية، واستطاعوا جذب عدد كبير إليهم.
لقد أجبرت ظروف السجن أعضاء الإخوان على الاجتماع مع اعضاء داعش، وجهًا لوجه لشهور كاملة، مما أدى لحدوث مشكلات، أو نقاشات.
معارك مع داعش
وفى مرة وقع نقاش وصل إلى إدارة السجن ليلًا، حيث صعد أحد أعضاء داعش وألقى كلمة دينية كفّر فيه العاملون بالديمقراطية، داعيًا شباب الإخوان للانضمام إليه، فتصدى بالرد عليه عضو إخواني من محافظة الفيوم سجين، وتوالت النقاشات والمعركة الكلامية، التي انتهت صباحًا بمعركة بين عدد من الأفراد من كلا التنظيمين.
يفتح التريض ما بين العنابر يوميًا لكل الزنازين، وذلك يتفاوت ما بين سجن وآخر، فسجن الفيوم كان حظه أكبر من سجن الوادي الجديد، أو وادي النطرون، وفي الفترة الأخيرة أغلقت التريضات بسبب أحداث تفجير الكنائس.
حاول الإخوان بالسجون تجميل صورتهم بعبارات باهتة تدعو نزلاء السجن لممارسة الأنشطة المختلفة (الرياضية الثقافيةالاجتماعية...) في حرية كاملة، لكنهم في الحقيقة يخفون تسلطًا مخيفًا؛ فهم لا يمانعون عقد الدروس الدينية، أو الدورات التدريبية، أو المسابقات الرياضية، أو المنتديات الثقافية من غيرهم، لكن شريطة أن تتم من خلالهم وتحت إشرافهم، فضلا عن المنع والقمع لأى أصوات معارضة تمارس نقدا ذاتيا من داخلهم.
في بعض السجون يلتقي الإخوان دوريًا ببعضهم في مجموعات صغيرة، تتناول محتويات ثقافية محددة، تتعلق في الغالب بمدارسة آيات وأحاديث تخدم الأهداف المرحلية للتنظيم، وتهدف أيضًا تلك الملتقيات لتعميق الروابط بينهم، حتى لا يتهددهم خطر الانقسام أو دعاوى النقد.
في التريض - تلك الساحة الكبيرة التي يلتقي فيها السجناء وقت الفسحة - تعقد الدروس اليومية التي يحاضر فيها رموز الجماعة.. يحاولون التنويع بين المحتويات الثقافية؛ فيدرجون فقرة طبية مثلًا، أو نشرة أخبار، أو دورة تنمية بشرية، لكنهم في الأغلب يدورون في فلك علوم شرعية كالفقه، والحديث، والسيرة النبوية، والتاريخ الإسلامي، وهى علوم بالكاد تقيم صلب داعية إسلامي هاوٍ، مع إهمال ممنهج للعلوم الإنسانية كعلوم السياسية والاجتماع والفلسفة والاقتصاد.
أما في الزنازين فمعظم الدروس لا يشتمل برنامجًا ثقافيًا، ولا يدرس سوى أحكام تلاوة القرآن وخواطر قرآنية وقصص الأنبياء والصحابة.
ويمكننا أن نجمل يوم الإخوان في السجون بأنه يمضي بين دروس الجماعة لهم، ولعب الدومينو وحل السودوكو والكلمات المتقاطعة وقراءة الجرائد والأحاديث الجانبية التي لا تنتهى.
عقب تفجيرات كنائس الأقباط، وتخفيض ساعات التريض، أصبحت في الآونة الأخيرة إدارة أمور المعيشة تتم عن طريق مجلس لإدارة العنبر يرأسه مسئول العنبر ونائبه - الإخوانيان - ويعقد دوريًا بحضور مسئول كل غرفة، وباقي مسئولى الخدمات المختلفة؛ ليناقشوا ما استجد من أمور تخص العنبر، ومن ذات المجلس تنبثق صناديق التكافل التي يتحملها إخواني، يجمع الهبات من المتبرعين، ليلبي احتياجات الزنازين من أطعمة وأمور معيشة.
يتعلق السجناء عموما بأحلامهم وما يشاهدونه من رؤى، لكن معظم الإخوان على وجه الخصوص يتعلقون بشكل ملحوظ بتفسير الأحلام وتأويلها، لتصب أخيرًا في بشارات النصر الذي يحلق فوق رءوسهم، ومهما كانت الرؤيا محض أضغاث فإنهم يجهدون لتأويلها كهبة إلهية تحمل رسالة.
إنقسام حول المراجعات
في العامين الأخيرين لا يتحدث أحد عن دعم مرسي، وغدا معظمهم اليوم بعد أربعة أعوام في حل من ذاك الدعم، تلحظ ذلك في أحاديثهم الجانبية والداخلية بعيدا عن صخب الإعلام الذي يظهرون فيه خلاف ذلك.. لكن أولًا وأخيرًا فإن الإخوان على دين مرشدهم وصمودهم من صموده ومتى رأى فضيلته، حتى لو تنازلت الجماعة عن رئيسها، ومتى أدرك مرشدهم أن الأمر محض سياسة تخضع بالأساس للاجتهاد البشري، وفق الممكن، ووفق الموقع في خريطة موازين القوى؛ فإنهم سيتحولون تلقائيًا لترديد كلامه ورؤيته من غير غضاضة.
بدأت أصوات هامسة تتهم منهج الإخوان بالقصور، وتتحمس لأفكار يراها الإخوان متطرفة، ليس هذا غريبًا فالسجن بيئة خصبة لأفكار التكفير والعنف، شعرالإخوان بخطورة الموقف فتشكلت بناء على اقتراح أحدهم لجنة من قيادات الإخوان بالسجون لبحث الأمر، وقررت اللجنة أن تنظم محاضرات في ساحات التريضات تحت عنوان "الإخوان ومنهج التغيير"، وهي لا زالت تدرس حتى الآن، في الوقت الذي كانت كل الخيوط السابقة قد تجمعت لتشكل صورة واضحة نسبيًا؛ فالجماعة تعيش أزمة داخلية غير مسبوقة تواجه بسببها شبح الانقسام، ففريق يستبد بإدارتها داخل السجن وخارجه ويحاول بكل ما أوتي من قوة قمع الصوت المعارض ومنع تداول مواقعه القيادية، وفي الوقت ذاته تعيش الجماعة حالة من الضعف بعد أن سقطت من سدة الحكم إلى قاع السجون، والقيادة تصر على وصف ما حدث بأنه محنة من طبيعة الطريق وليست هزيمة تستوجب البحث عن أسبابها، وتحاول بكل السبل إسكات أي صوت ينبه إلى وجود الخطأ.
قررت قيادة الإخوان في السجون منع الحديث عن أزمة الإخوان الداخلية، في دروس التريضات، وداخل الزنازين، وامتثل لأمرها معظم الإخوان، وحجتهم في ذلك أنها أزمة عابرة ستنجلي.
إن إخوان الخارج يصورون ظهور عناصرهم في السجون أنها عارية للكرابيج وصعق الكهرباء كاذبون لا محالة، وإن التنظيم لا يوجد في الزنازين وفقط، بل يوجد في سجن أكبر منه بكثير، وهو سجن العقل القاصر المسجون في قفص التنظيم، ولم يكتشف حتى الآن أنه قضى هذه المدة الطويلة في غياهب سجن فكري أُغلقت أبوابه بإحكام، فلم يعد يدر ما يدور خارج أسواره العالية، وخيُّل إليه أن الصواب لا يبارح ما وراء قضبانه.. وحين يتسلق الأسوار، ويحطم سجن العقل القاصر وأبوابه الموصدة، سيتنسم هواء الحرية.