الأقباط متحدون - «خلصت حاجتى من جارتى»!
  • ٠٤:٥٢
  • السبت , ٢٤ فبراير ٢٠١٨
English version

«خلصت حاجتى من جارتى»!

مقالات مختارة | مفيد فوزي

٢٧: ٠٧ ص +02:00 EET

السبت ٢٤ فبراير ٢٠١٨

مفيد فوزي
مفيد فوزي

1- يحدث كثيراً فى حياتنا أن نراهن على إنسان رجلا أو امرأة ثم نكتشف أننا كنا نراهن على سراب، وأن ما كنا نظن أنه «نفيس» طلع «خسيس» بامتياز، صدى الاكتشاف لدى الإنسان العادى هو الألم والوجع والصدمة، وبالنسبة لى شخصياً، ما عدت أتألم أو أبكى على اللبن المسكوب، وربما كان السبب بعض الرشد الذى اكتسبته بسنين العمر وفلسفة خاصة ترى أن بالتضاد نتعرف على حقيقة الأشياء، فالأبيض لن تميزه دون وجود اللون الأسود، ودون الخسيس لن تعرف النفيس، وفى كل الحالات، هى صدمة. وعلى قدرك من الرومانسية يكون حجم الصدمة، أنا أؤمن أن الأصل فى الإنسان هو الخير ولكن الشر وارد، ومن علمته صدمات الحياة كثيراً يتوقع الشر من الآخر!.

2- يحدث كثيراً أن تتبنى موهبة ما وتمنحها تجربتك ثم تفاجأ أنها «تعض» اليد التى امتدت إليها وتنكرت لولى نعمتها، يحدث هذا فى يسر شديد لأن الموهبة عبرت خطوطا حمراء من موقعها الطبيعى إلى محطة الغرور والثقة الزائدة دون إدراك أن الغرور قبر لصاحبه، وغالباً يكون رد فعلك الندم على ما قدمته، والندم له أشواك حامية، وقد يساعدك صخب الحياة على نسيان هذا الوجع ولكن يظل للندم ذلك الحضور، ودائماً نتعجب كيف لم نر جيداً الشخص - رجلاً أو امرأة - ولكنها طبيعة إنسانية اسمها «التهافت» تحكمنا ولكن الغدر من طبع الأيام، فعند أى محطة لها إغراء مادى أو وجاهة اجتماعية تظهر حقيقة النفوس وتنسى ما كان وتنجذب للعرض والغرض الجديد. وبقدر ثقافتك وتجاربك تكون نظرتك، الرومانسى يعتبرها «طعنة فى الظهر» والعاقل يعتبرها «ضعفا فى النفوس» والمجرب يعتبرها «لعبة الأيام»، قد نتصور أننا أخذنا درس العمر والحقيقة أننا نكرر أخطاءنا!.

3- يحدث كثيراً فى السياسة أن يغير الأشخاص مواقفهم الفكرية والسياسية طبقاً لمعادلات منحطة فى قاموس السياسة حين ينفصل عن الأخلاق، رغم ما يقال إن السياسة بلا أخلاق. يحدث أن يقف معك فى خندق واحد من وثقت به ثم تتغير المواقف طبقاً لبوصلات أخرى، ويصيبك التغير المفاجئ بالصدمة ولكن العارفين بذبذبات المجتمع السياسى لا يفاجأون، فانتقال البعض من معسكر إلى معسكر - حسب المصالح - هو من أحط أبجديات السياسة، ناهيك عن النخب التى تظن أن المعارضة والمقاطعة من أحد مظاهر الاستقلالية والتفرد والاختلاف والوجاهة الاجتماعية!.

4- يحدث أحياناً أن يسألك أحد النصيحة، فتقدمها له بأمانة ولكنك تكتشف أنه يفعل عكسها تماماً، وقد ش عر أنه صاحب رؤية خاصة له الحق فى اختبار جدوى النصيحة، الأغبياء يعاتبون والعقلاء لا يعبأون، فأنت لست ملزماً بضرورة تنفيذ نصيحتك وقد يظن البعض أن النصيحة دافعها أنانى بحت، ولهذا لا يلتفت إليها! أنا أعتقد أن النصيحة فى الحياة الشخصية هى مجرد استشارة ليس إلا، لأن عوالم الذات مريضة وفسيحة ومتشابكة ومعقدة ولا يمكن لأى مراقب أن يدلى برأى فيها، فقط صاحب المشكلة أو القضية هو الوحيد القادر على معرفة على أى أرض يقف، وفى ظنى أن نصائح الآخر فى الأمور الشخصية هى مجرد اجتهادات فقط، أما النصائح فيما يتعلق بالعمل فهى تعتمد على «بعد نظر» و«صورة أوضح»، و«تجربة حياتية» والنصيحة فى نهاية الأمر خلاصة خبرات، وعندما لا يأخذ أحد بنصيحتى، فأنا لا أبكى عليه، إنما أشفق، والأخطر من ذلك هو مقاطعتى عملاً بالمثل البليغ للحس الشعبى «خلصت حاجتى من جارتى» أى انتهت مصلحتى التى كانت تربطنى!.

5- أعرف سيدة أعمال سقطت مريضة متأثرة بجراح نفسية من اكتشافها حقيقة نفسية موظفة فى مكتبها كانت تساندها وتساعدها وتدافع عن مواقفها وتصوب مفاهيم خاطئة، كانت البنت الموظفة تقول لسيدة الأعمال «إنت أختى وإنت أمى وإنت أنور وجدى»، ثم انقلبت عليها!، وأعرف سيدة تعمل فى مؤسسة كبيرة تربطها علاقة إنسانية بزميلة لها و«كله سمن على عسل» ولكن عندما اكتشفت أن الدور قادم على الموظفة لتجلس على نفس ذات المقعد تبدل حالها وصارت شرسة وتصرخ كلما رأتها بلا مناسبة، إنها إشارات نفسية حادة تصدر منها بلا ثبات انفعالى. إن فى دولاب العمل فى مصر آلاف النماذج، لقد كان الود بينهما سائداً حتى «خلصت حاجتى من جارتى» فأعلنت عليها الحرب!. إن أكثر ما يعكر «مناخ» العمل فى الأجهزة الحكومية وغيرها هو النزعات النفسية غير المبررة، لكنها تتسم بصراعات خفية تأخذ أحياناً أشكالاً عضلية!.

6- فى جيلى كان «الأسوياء» أكثر وهم الغالبية، فمن اكتشفنى وقدم لى خدمة صغيرة يظل ولائى له طول العمر، ومن نصحنى أخذت بنصيحته شاكراً مقدراً فضله علىَّ، كان المرضى قليلين وكانت خيبات الأمل محدودة، هل «أخلاق الزحام» مصطلح الدكتور يحيى الرخاوى هى السبب فى خيبات الأمل التى نواجهها ربما من أقرب البشر، حيث ضمرت النيات الطيبة وتصحرت الهمة والجدعنة وأصبح من السهل «أن تأخذ بمبة» فى ناس..! هل انعدام الأخلاق جعل شعار «أنا أولاً وأخيراً» هو السائد؟، وماذا عن «أمان» الناس، هل ينالون هذا الحق المقدس من حقوق الإنسان؟، أما عجائب الطباع وخناجر الظهر فهى من صفات هذا الزمن ولا أغفل «الانقسام» الآفة التى زرعتها الثورة الينايرية فى نفوسنا، إن كثيرين من الناس يرفضون «تقديم خدمات أو نصائح» للغير تحاشياً للصدمات الناتجة من الخذلان فى سلوك الآخر.

7- «خلصت حاجتى من جارتى» صار يحكم سلوكيات جيل، وزمان «كان الجار.. للجار شفعة».
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع