دعوات علنية لعودة الحزب الوطني في مصر... ماذا يعني ذلك؟
أخبار مصرية | رصيف 22
الجمعة ٢ مارس ٢٠١٨
قبيل الانتخابات الرئاسية المصرية المزمع إجراؤها في مارس الحالي، ظهرت دعوات من أعضاء سابقين في الحزب الوطني الديمقراطي المُنحل تطالب بعودته مرة أخرى إلى الساحة السياسية، تحت مسمى "الحزب الوطني الجديد".
ولم تبق تلك الدعوات حبيسة الكواليس السياسية، بل أطلّت عبر برامج تلفزيونية مصرية. ففي مداخلة له مع أحد البرامج، أيّد عضو مجلس الشعب السابق حيدر بغدادي الدعوة واعتبرها "مقبولة"، وسط ما وصفه بـ"الفراغ الحزبي" الذي تشهده مصر.
ونسب بغدادي هذه الدعوة إلى الدكتور محمد رجب، آخر أمين عام للحزب الوطني المُنحل وزعيم الأغلبية في مجلس الشورى عام 2011.
من أين أتت الفكرة؟
يرى الدكتور محمد رجب أن معظم المشتغلين بالسياسة الآن في مصر، وبنسبة 90% منهم، كانوا كوادر في الحزب الوطني، متسائلاً: "فلماذا لا يعود الحزب الوطني بكوادره؟".
ويقول لرصيف22: "في أحد اللقاءات السياسية المنعقدة حول التحالفات الخاصة بانتخاب الرئيس (المصري عبد الفتاح) السيسي لفترة رئاسية ثانية، نظرت إلى القاعة ووجدت أن معظم الموجودين هم أبناء الحزب الوطني، فوجهت دعوة لأعضاء الحزب الوطني وأعضاء منظمة الشباب لمساندة الرئيس السيسي في الانتخابات، ومن هنا جاءت فكرة عودة الحزب بكوادره بسبب الفراغ الحزبي الذي لم تستطع الأحزاب السياسية الحالية أن تملأه".
وبرغم ذلك، يؤكد رجب أن عودة الحزب الوطني الآن "صعبة" لأن ذلك يتطلب حكماً قضائياً، ومن المؤكد أن مسألة التقاضي ستأخذ وقتاً طويلاً. ويوضح أن الميزة الوحيدة لعودة الحزب القديم هي عودة أصوله المُصادرة من مبانٍ وخلافه. ولكنّه يرى أنه يمكن إعادة تأسيس الحزب مرة أخرى في ثوب جديد تحت اسم "الحزب الوطني الجديد" مثلاً.
ويشير إلى أنه "بعد سبع سنوات من ثورة 25 يناير 2011، ثبت في الواقع والتجربة أن الأحزاب السياسية ‘تعبانة’، والقوى السياسية لم تستطع ملء الفراغ الموجود، ولم يملأ هذا الفراغ الحزبي سوى جماعة الإخوان المسلمين التي كان هدفها الأول إسقاط الحزب الوطني كي تخلو الساحة لها، وهو ما خططت له ونفّذته فعلياً".
ويضيف: "كان البعض قديماً يقول إن وجود الحزب الوطني يعطّل عمل الأحزاب. الآن، حُلّ الحزب الوطني. ‘إنتم فين بقى؟’"، موجهاً حديثه لرؤساء الأحزاب والمهتمين بالشأن الحزبي الآن في مصر، ويتابع: "هناك فرق بين تأسيس حزب والحصول على رخصة لتأسيس حزب. الحزب فكرة وانتشار جماهيري وبرامج هادفة، وهذا كله لا أراه في أكثر من 100 حزب موجودة الآن ولم تستطع سد الفراغ الحزبي لأنها مجرد تكوينات كرتونية".
ويرى آخر أمين عام للحزب الوطني المُنحل أن "كوادر الحزب الوطني بشر لا يمكن الحكم عليهم بالإعدام، وقد حُكم بحل الحزب، لكن ظلت كوادره منتشرة في كل مكان ومن حقهم ممارسة العمل العام والمشاركة في الحياة السياسية، ولا يجب الاقتراب منهم طالما لم تصدر عنهم تجاوزات".
وعن وصفهم بالفلول والقول إن عودتهم إلى العمل الحزبي هي ضرب لثورة يناير وإفساد للحياة السياسية، يقول: "مصطلح الفلول اشتقه الإخوان المسلمون لكي يُخلوا الساحة من أي قوى وطنية تستطيع أن تنافسهم وهو مصطلح سقط بسقوط الإخوان المسلمين أنفسهم".
وبرأيه، حتى الآن لم تُتخذ خطوات فعلية لخروج الحزب الوطني الجديد، لكن ربما بعد الانتخابات الرئاسية تكون هناك تحركات فعلية.
مؤيدو الدعوة
يرى المحامي ورئيس ائتلاف "مصر فوق الجميع" محمود عطية أن أكبر خطأ ارتكبه النظام المصري هو حل الحزب الوطني، لأن كوادره نتاج طبيعي لمنظمة الشباب والتنظيم الطليعي، وهي الوحيدة القادرة على سد الفراغ الحزبي الذي تعاني منه مصر الآن.
أقوال جاهزة
"كان البعض قديماً يقول إن وجود الحزب الوطني يعطّل عمل الأحزاب. الآن، حُلّ الحزب الوطني. ‘إنتم فين بقى؟’"، يقول آخر أمين عام للحزب الوطني المُنحل محمد رجب
دعوات لعودة حزب مبارك... هل "إذا عاد الحزب الوطني أو فكّر في العودة برموزه القديمة، بإمكاناتهم المالية وبشبكة علاقاتهم القديمة، سيعتبر النظام الحالي أنهم يشكلون خطراً عليه"؟
أما رئيس مجلس إدارة مؤسسة دار الهلال مجدي سبلة، فيرى أن الأحزاب المصرية حالياً متفوقة فقط في ما أسماه بـ"الجعجعة السياسية" على شاشات الفضائيات، لكنها لم تحقق أية نجاحات على أرض الواقع، والدليل على ذلك أنها فشلت في تقديم مرشح في الانتخابات الرئاسية، وما هي سوى كيانات "ورقية" تشغل شققاً مفروشة.
ويقول سبلة الذي كان يشغل منصب أمين الإعلام في الحزب الوطني المُنحل في محافظة دمياط لرصيف22: "من حق كوادر الحزب الوطني السابق أن يعودوا إلى الحياة السياسية لأن هذا حق كفله الدستور والقانون".
هل تعاني مصر فراغاً حزبياً؟
في دراسة بعنوان "حالة الأحزاب السياسية تحت حكم السيسي... خطوات للخلف"، يقول سمير رمزي إن السياسات المتبعة بعد 30 يونيو 2013 أدت إلى تضييق مساحة العمل العام في مصر، خاصة العمل السياسي، وتقييد حركة الأحزاب السياسية في ظل حرب الدولة المُعلنة ضد الإرهاب، وعدائها لمختلف القوى السياسية المختلفة مع أجندة الدولة، علاوة على التضييق على نشاط منظمات المجتمع المدني، ما أدى في الأخير إلى شلّ قدرة الأحزاب السياسية على التأثير السياسي.
ويرى الباحث السياسي الدكتور عمار علي حسن أن ضعف الحياة الحزبية في مصر الآن جاء نتيجة خطة الهيمنة الواضحة التي يمارسها الرئيس السيسي على كل أجهزة الدولة ومؤسساتها ومن ضمنها الأحزاب.
ويقول حسن لرصيف22: "السيسي لم ولن يسمح للأحزاب السياسية بأن تنمو، ويتعامل معها بنفس الطريقة التي كان يتبعها نظام (الرئيس المصري الأسبق حسني) مبارك، وذلك حتى يتفرّد بالحياة السياسية، في ما يُعرف بلعبة تفريغ الساحة"، مضيفاً: "لا توجد لدى النظام رغبة حقيقية في إعطاء فرصة للأحزاب لتعمل للحفاظ على الوطن بحيث لا يكون هناك فراغ في المستقبل لن يملأه سوى الإخوان".
أما نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاقتصادية الدكتور عمرو هاشم ربيع، فيرى أن أداء الأحزاب في مصر "سيئ جداً"، ويحتاج إلى أن تكون هناك رغبة في تغيير هذا الحال من جانب الرئيس السيسي شخصياً، إذ يجب أن يتعامل مع الأحزاب السياسية القائمة ويكف عن التعامل مع الكيانات الاجتماعية كالمرأة والشباب وذوي الإعاقة إلا من خلال كيان حزبي وليكن مثلاً "دعم مصر" القريب من السلطة.
ويقترح ربيع عدداً من الأسس التي يمكن أن يعتمد عليها النظام في إصلاح الأحزاب منها: "السماح بحرية العمل الحزبي داخل المصانع ومؤسسات التعليم حتى يَعرِف الناس الأحزاب، كذلك الدعم المادي للأحزاب لتكثيف نشاطاتها التثقيفية والتدريبية وضرورة إلغاء العمل بقانون الطوارئ ليسمح لتلك الكيانات بالتحرك في الشارع، حتى تكون هناك أحزاب قادرة على الدفع بمنافس في انتخابات 2022 فلا يُنافس الرئيس نفسه مثلما يحدث في الانتخابات الرئاسية الحالية".
وبرغم ذلك، يرى ربيع أن النظام ممثلاً بالرئيس السيسي لن يلتفت إلى مثل هذه الحلول.
هل تقبل الدولة عودة الحزب الوطني؟
يرى الدكتور عمرو هاشم ربيع أن "الحزب الوطني القديم لم يختفِ أصلاً من الساحة السياسية لكي يعود، فجميع أعضائه موجودون في ائتلاف ‘دعم مصر’ الداعم للنظام، وكذلك في التشكيلات الوزارية وفي أوساط رجال الأعمال وغيرها" مبدياً اعتقاده بأن "عودته الآن قد تكون داعمة للنظام الذي يعاني من تخبط شديد بسبب عداواته مع جهات عدة حيث لم يكتفِ بعداوة الإخوان فقط".
وكن بعكس ربيع، يرى الدكتور عمار علي حسن أن السلطة الحالية لن تسمح للحزب الوطني بالعودة إلى الحياة السياسية مرة أخرى، فهي تخشى من وجود أي قوى سياسية لها رصيد اجتماعي يهدد وجودها.
ويقول حسن لرصيف22 إن "ممارسات السلطة الحالية لسوئها جعلت قطاعاً من المصريين يرى أنه ليس لديه مشكلة في التصالح مع هذا الحزب أو عودته إلى الحياة السياسية، فأغلب المصريين لا يدركون بشكل علمي أن جزءاً من المشكلات المعقّدة التي نعيشها الآن سببها نظام مبارك. ومن ثم إذا عاد الحزب الوطني أو فكّر في العودة برموزه القديمة، بإمكاناتهم المالية وبشبكة علاقاتهم القديمة، سيعتبر النظام الحالي أنهم يشكلون خطراً عليه".
ويضيف أن "النظام الحالي استطاع أن يستوعب جزءاً من الحزب الوطني في ائتلاف دعم مصر وحماة وطن ممن يسعون إلى حماية مصالحهم المباشرة، ولكنه لن يسمح بعودة قيادات من الحزب لأن معنى ذلك هو لملمة أشلائه وخلق أرضية سياسية لشخص يمكن أن يكون منافساً حقيقياً للسيسي في المستقبل، لا سيما أنه لن يكتفي بفترة رئاسية ثانية فقط ومن الممكن أن يسعى إلى تعديل الدستور كوسيلة للاستمرار في الحكم".
يمتعض البعض من فكرة عودة الحزب الوطني، ويرى الكاتب أحمد رفعت أن "ملف الحزب الوطني يجب أن يغلق تماماً وعلى قياداته أن تخرس نهائياً، ووجودهم سيكون عبئاً على الرئيس السيسي، فهم مَن تسببوا بفسادهم في كل المشكلات المتراكمة فوق ظهره والتي يحاول جاهداً حلها الآن"، متسائلاً: "كيف سيكونون ظهيراً سياسياً له؟".
ويضيف رفعت لرصيف22: "على السيسي من الآن تأسيس حزب سياسي ليكون ظهيراً سياسياً له ويمكّنه من العمل السياسي بعد تركه للسلطة، وإذا كانت مواد الدستور تمنعه من العمل الحزبي فيمكن التحايل على ذلك بمتابعته لأعمال هذا الحزب كأن يكون أباً روحياً له مثلاً، أو يعهد برئاسته إلى أحد المقرّبين منه".
ماذا لو عاد الحزب الوطني القديم؟
"لا يوجد قانون في مصر يمنع الفاسدين من الانخراط في الحياة السياسية"، يقول لرصيف22 عضو مجلس النواب الحالي وأحد شباب ثورة 25 يناير هيثم الحريري، مضيفاً: "بالتالي فالرهان في النهاية على رد الفعل الشعبي، وفي تقديري سيرفض الشعب كل هذا، وما يحدث الآن لا يعني أن الثورة انتهت فبالعكس هي موجودة في وجدان الناس ولا يجب أن نستعجل نتائجها".
من جانب آخر، يسخر الناشط السياسي جورج إسحق من دعوات عودة الحزب الوطني ويرى أنه "لم يختفِ من الساحة السياسية أصلاً لكي نتحدث عن عودته".
ويضيف لرصيف22: "هناك تقييد لعمل الأحزاب في مصر، ولا يوجد حياة سياسية في مصر أساساً، والمجال العام مغلق في وجه الجميع، فلماذا نتحدث إذن؟".