
الناجون من حادث قطاري البحيرة يروون تفاصيل لحظات الرعب: «شُفنا الموت بعنينا»
حوادث | الوطن
السبت ٣ مارس ٢٠١٨
عيون شاخصة، وأبصار زائغة، ووجوه تكسوها مشاعر القلق والخوف، فى أجساد غير قادرة على الحركة، لسان حالهم يتساءل: «إلى متى ستواصل قطارات الغلابة حصد أرواح البسطاء؟.. وإلى متى ستستمر هذه الكوارث دون عقاب رادع؟». ورغم علامات الفزع التى ما زالت آثارها واضحة على وجوه عشرات الناجين من كارثة تصادم قطارَى خط «المناشى» فى محافظة البحيرة، والتى عبّروا عنها بقولهم: «إحنا شفنا الموت بعنينا»، إلا أنهم عبّروا عن فرحتهم بنجاتهم من الكارثة، مرددين: «الحمد لله إن ربنا نجانا من الموت».
فى مستشفى دمنهور التعليمى، يرقد عشرات المصابين جرّاء الكارثة، وقد تجمّع حولهم العديد من ذويهم، تسيطر عليهم مشاعر القلق والخوف، نظراً لأن إصابات عدد غير قليل منهم تبدو بالغة، ولكنهم عبّروا عن رضاهم بقضاء الله بقولهم: «الحمد لله على كل حال».. «هدى محمد إبراهيم جوهر»، تبلغ من العمر 47 عاماً، من كوم حمادة بمحافظة البحيرة، مصابة بكسور فى الحوض والعمود الفقرى، تحدثت لـ«الوطن» والإعياء يبدو عليها، قائلة: «كنت فى طريقى إلى القاهرة لعلاج عينى من التهاب بالقرنية ومياه بيضاء، وفجأة لقيت القطر اللى احنا راكبين فيه خبط فى قطر بضاعة مخزّن على السكة، كان محملاً بالرمل والزلط، وشفت الناس بتجرى وتدوس على بعضها، وماعرفتش إيه اللى حصل بعد كده، كل اللى عرفته إنهم طلعونى من القطر وودونى المستشفى».
«هدى»: «فوجئت بالركاب بيجروا ويدوسوا على بعض وماعرفش إيه اللى حصل».. و«محمد»: عربات الركاب انفصلت واصطدمت بقطار البضائع فى لحظات
وبصوت خافت تبدو عليه علامات الوهن والضعف، روى «محمد حسين»، أحد ركاب القطار المنكوب، تفاصيل الحادث، واصفاً المشهد بأنه «كان مفزعاً»، مشيراً إلى أنه كان يستقل آخر عربة فى القطار الذى بدأ رحلته من محطة إيتاى البارود، متوجهاً إلى القاهرة، وأضاف: «فجأة بدون أى مقدمات فوجئنا بانفصال العربات الثلاث الأخيرة من القطار لتتجه إلى الخلف بسرعة نحو قطار البضائع الذى كان فى التخزين على نفس القضبان، منتظراً مرور قطار الركاب، لتصطدم به»، وتابع بقوله: «بعدها فقدت الوعى، ولم أدرك ما حدث، ولم أعرف شيئاً سوى أنهم نقلونى إلى المستشفى، والحمد لله، ربنا كتب لى عمر جديد».
كما تحدّث عدد من شهود العيان عن ملابسات الكارثة، مؤكدين أن «هناك خطأ كبيراً وإهمالاً، تسببا فى وقوع الحادث الأليم»، وأشاروا إلى أنهم فوجئوا بتصادم القطارين، مما أدى إلى مصرع وإصابة العشرات، وسارع أهالى القرى المجاورة إلى مكان الحادث للمشاركة فى إسعاف ونقل المصابين، وتابع بعضهم بقوله: «عشنا لحظات صعبة، شفنا فيها الموت بعنينا»، وقالت «فتحية فرج»، إحدى الشهود، إن أهالى قرية «أبوالخاوى» أسرعوا باتجاه القطار، فور وقوع الحادث، للمساعدة فى نقل المصابين والجثامين، ونقلوا المصابات من السيدات إلى مناطق تحت الأشجار بعيداً عن المصابين من الرجال، ثم حملوهم إلى عربات الإسعاف، التى نقلتهم إلى المستشفى، وأضافت: «لم أستطع تحمُّل الصدمة والدماء تلطخ أجساد المصابين والضحايا».
وأوضح «محمود عوض»، أحد أبناء القرية، أن «الأهالى سطروا ملحمة بطولية بالتعاون مع رجال الإسعاف والحماية المدنية فى استخراج الجثث عن طريق لودر لرفع الركام الذى غطى الجثث»، وقال: «أصعب موقف تعرضت له أثناء المساعدة فى أعمال انتشال الجثث، حين تم استخراج جثة طفلة لم تكمل عشر سنوات»، بينما ألقى «حسين حفروش»، شاهد عيان، بمسئولية الكارثة على «عامل التحويلة»، مشيراً إلى أنه فتح الخط أمام قطار البضائع وقت قدوم قطار الركاب، وأضاف: «نقلنا المصابين والناجين بعيداً عن القطار خشية انفجاره»، مؤكداً أن سيارات الإسعاف لم تتأخر كثيراً، ووصلت إلى موقع الحادث بعد فترة قصيرة.
وفى السياق، تمكن ضباط مباحث البحيرة من إلقاء القبض على كل من «محمد. أ. م»، 58 سنة، عامل التحويلة بمحطة أبوالخاوى، و«شريف. أ. ح»، سائق قطار البضائع، ومساعده «أحمد. ع. أ»، 38 سنة، وتجرى النيابة العامة، برئاسة المستشارين هانى الحسينى، رئيس النيابة الكلية، ومحمد الحسينى، رئيس نيابة كوم حمادة، وأنس الصاوى، مدير النيابة، وبإشراف المستشار أحمد حامد، المحامى العام لنيابات جنوب دمنهور، التحقيقات مع السائق ومساعده وعامل التحويلة، وسؤال المصابين فى الحادث.
القبض على عامل التحويلة وسائق قطار البضائع ومساعده.. والنيابة تصرح بدفن 9 جثث وإجراء تحليل «DNA» لـ3 مجهولين والأشلاء المتناثرة بموقع الحادث
وكانت النيابة قد صرحت بدفن 9 جثث من المتوفين فى الحادث، بعد تعرف ذويهم عليهم، كما قررت إجراء تحليل «DNA» لـ3 جثث مجهولة، وبعض الأشلاء التى تناثرت فى موقع الحادث، لتحديد هوية أصحابها، والتصريح بالدفن عقب ذلك، كما قررت النيابة سحب جهاز التحكم الآلى لجرّار قطار الركاب (ATC) لتفريغ محتواه، للوقوف على أسباب الحادث.
ومن جانبه، نعى أشرف رحيم، عضو مجلس النواب عن دائرة إيتاى البارود وشبراخيت بمحافظة البحيرة، ضحايا الحادث، الذى أسفر عن مصرع 12 شخصاً على الأقل، وفق تقديرات أوّلية، وإصابة نحو 39 آخرين، مؤكداً «حتمية محاسبة كافة المقصرين، والذين سكتوا عن هذا الإهمال الذى نتج عنه هذا الحادث الأليم»، وقال: «لن نكتفى بتقديم موظف صغير أو سائق قطار أو عامل تحويلة كما هو معتاد، على اعتبار أن المسئولية هنا مسئولية الوزير ومن تحته فى السلم الوظيفى، مسئولية المتبوع عن أعمال تابعيه».
كما شدد «رحيم» على ضرورة معالجة هذا «الخلل» فى أسرع وقت، لمنع تكرار مثل هذه الحوادث الكارثية، وإجراء تحقيقات سريعة وموسعة لكشف كافة أوجه التقصير، وتحديد المسئولين عنها، وتقديمهم للمحاكمة، لينالوا جزاء إهمالهم وتقصيرهم الذى أدى إلى فقدان أرواح مواطنين أبرياء.