بقلم: إسحق إبراهيم
لا يُخفىَ على أحد وصول التنافس بين مصر والسعودية على لعب الدور الفاعل والمؤثر والقيادي في المنطقة، هذا التنافس أد إلى حدوث توترات كثيرة أقلها معلن وأغلبها تتم تسويتها تحت الترابيزة إلى حين. يدرك النظام المصري أن دوره الإقليمي والدولي وهن لأسباب عديدة بعضها يرجع إلى مشاكل الداخل وعدم وجود ديمقراطية حقيقية إضافة إلى فقدان التأييد الشعبي، ومن ثم غياب شرعية النظام بالأخص في ظل تزوير الانتخابات.
وهناك أسباب ترجع إلى البيئة الإقليمية، فالملفات التي امتلكتها مصر بدأت تفقد السيطرة عليها ويقلل تأثيرها لا سيما في ظل تصاعد نفوذ دول ودويلات أخرى تحاول أن تجد لها مكانًا على الخريطة الدولية، أما السعودية فقد تصاعد دورها وبدأت تزاحم الدور المصري في كثير من مناطق نفوذه.
هذا التنافس يحاول المسئولون في البلدين خاصة في مصر نفيه والتأكد على العلاقات المتميزة بين البلدين والتقارب والخصوصية والتميز والتنسيق المتواصل على مستوى القيادة السياسية في البلدين بل وتصدر أوامر واجبة النفاذ إلى وسائل الإعلام بعدم التعرض للسعودية والأسرة المالكة بأي نقد، فمن السهل اختراق تابوهات الممنوعات في مصر وانتقاد النظام والرئيس وأسرته لكن من الصعب جدًا انتقاد العائلة المالكة في السعودية ونظام حكمها.
وبطبيعة الحال يحلو للبعض أن يصف العلاقات المصرية السعودية في الوقت الحالي بالنموذجية وأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان، حيث التنسيق والتشاور المستمرين اللذين تجريهما قيادتا الدولتين في مختلف القضايا العربية والإسلامية وعلى رأسها قضايا العراق وفلسطين والملف السوري اللبناني، وكوّنا معًا ما يعرف بمحور الاعتدال لكن مظاهر التنافس المكتوم موجودة وواضحة ووضوح الشمس ولعل ما حدث خلال الأيام الماضية خير دليل، فقد اختار الرئيس باراك أوباما القاهرة ليُلقي خطابه إلى العالم الإسلامي بعد مناقشات ومداولات عدة حول مكان الخطاب هل في السعودية أم إندونيسيا أم تركيا أم مصر ووقع الاختيار على الأخيرة مما لم يعجب القيادة السعودية التي خططت لخطف جزء من الكعكة خاصة أن العلاقات السعودية الأمريكية إستراتيجية ومتميزة.
دعت السعودية أوباما لزيارتها أولاً والحصول على مباركتها للخطاب وهو ما حدث بالفعل بل أكد أوباما أنه "من المهم جدًا أن يأتي إلى مهد الإسلام وأن يطلب مشورة جلالته" يقصد العاهل السعودي.
وقال مسئولون سعوديون أن الزيارة له دلالة معينة وهي أن المملكة ليست فقط الحليف والشريك الاستراتيجي للولايات المتحدة وإنما تجمعهما علاقات حميمة وهي قبلة المسلمين ففيها الحرمين الشريفين، كما أن الملك عبد الله هو صاحب المبادرة العربية للسلام التي أطلقها عام 2002 وهذا يعني أن أوباما يدرك الثقل السياسي لخادم الحرمين والسعودية في المنطقة.
والمواقف الأخرى المشابه كثيرة، فالسعودية على سبيل المثال تقدمت بالمبادرة العربية للسلام في قمة بيروت عام 2002 دون أن تتشاور مع مصر مما جعل الرئيس حسني مبارك يقاطع القمة بالرغم من قبوله بالمبادرة التي تحولت إلى مبادرة عربية بالإجماع، كما أن السعودية هي من توسط بين حركتي فتح وحماس في اتفاق مكة متجاوزة الدور المصري كما توسطت بين السودان وتشاد ولم تترك لمصر أي دور باستثناء محاولات التهدئة في غزة.
هذه المواقف جعلت الرئيس المصري حسني مبارك يرفض إقامة جسر بين مصر والسعودية ويصرح في جريدة "المساء" في مايو 2007 إنه يهدد أمن مصر، ورأىَ مراقبون مصريون وعرب وقتها أن تصريحات مبارك مؤشر على "أزمة صامتة" بين مصر والسعودية على خلفية التدخل السعودي في منطقة النفوذ المصري عبر مبادرات العاهل السعودي المتواصلة، كما انتقد د. يوسف بطرس غالي عام 2008 في تصريحات لقناة "السي إن إن" مشاركة السعودية في قمة العشرين وقال: "إن المملكة غير مؤهلة للتحدث باسم المنطقة وأن التمثيل ينبغي أن يكون من خلال دولة تفهم القضايا المتعددة التي تواجهها مجموعة محددة من الدول" ودفعت تصريح غالي السعودية إلى الرد على لسان وزير ماليتها "إبراهيم العساف" إن السعودية لا تشارك لتمثيل أي دولة وإنما تمثل نفسها.
والسؤال الآن: لماذا تبقى الدولتان التنافس أو الصراع على قيادة المنطقة مكتومًا بل وتسعيان إلى تجاوزه بتعاون بارد في بعض القضايا وساخن في البعض الآخر؟!
بالنسبة لمصر فهي وبكل موضوعية ضعيفة خارجيًا ولا تملك أي وسائل ضغط أمام السعودية لأسباب عديدة من أبرزها العمالة المصرية التي تعمل في السعودية والتي تصل إلى مئات الألوف، فالنظام المصري يدرك أن هذه العمالة ورقة ضغط في أيد السعودية يمكن أن تستخدمها وقتما تشاء، وأن أي خلاف عميق سيؤدي إلى عودة العمالة وهو ما لا تتحمله سوق العمل الداخلية في ظل تزايد البطالة وفشل الحكومة في توفير فرص عمل كريمة لأبنائها.
هذا إضافة إلى أن السعودية تمثل أهمية كبيرة عند التيار الشعبي باعتبارها تضم الأماكن المقدسة الإسلامية ولا سيما في ظل تنامي مشاعر التدين الظاهري وسيادة الفكر الوهابي السعودي وتغلغله داخل كافة الطبقات. كما توجد أسباب أخرى ترتبط بحجم التجارة وعدم رغبة مصر في فتح جبهات خلاف أخرى عربية تضاف إلى سوريا وقطر وفي ظل طموح إيران في السيطرة على المنطقة.
أما بالنسبة للسعودية فهي تدرك أن الفلوس لا تصنع دورًا ولها في تجربة اتفاق مكة بين فتح وحماس أسوة حسنة، حيث رجع القادة الفلسطينيون محملين بشنط الفلوس لكن لم يصمد الاتفاق، فالسعودية لا تملك الخبرة والتاريخ والنفوذ والثقل الذي يمكنها من لعب دور القيادة والريادة منفردة وبعيدة عن مصر لذلك فالتنسيق الحادث بين مصر والسعودية ضرورة فرضتها الظروف الإقليمية الراهنة واعتبارات المصلحة في ظل الخلافات الفلسطينية وعدم استقرار الأوضاع في لبنان والأزمة النووية الإيرانية.
Ishak_assaad@yahoo.com