الأقباط متحدون - رحلتان
  • ١١:٥٠
  • السبت , ٣ مارس ٢٠١٨
English version

"رحلتان"

مقالات مختارة | بقلم:الانبا ارميا

٢٠: ٠٢ م +02:00 EET

السبت ٣ مارس ٢٠١٨

الانبا ارميا
الانبا ارميا

 حين نتحدث عن الحياة، فنحن نتحدث عن رحلة تبدأ مع الميلاد وتنتهي مرحليًّا عند بَدء رحلة جديدة هي في الحياة الأبدية، التي يُطلِق عليها بعض الناس "رحلة الخلود" التي يستمر فيها الإنسان إلى الأبد؛ والرحلتان ترتبطان بطريقة أو بأخرى.

 
في بَدء الرحلة أي مع الميلاد، ربما لا يكون الإنسان مسؤولًا عن كل ما ينطبع في أعماقه وأفكاره ومشاعره إذ هي نتاج البيئة التي يعيشها والظروف التي ينشأ فيها، ولكن رويدًا رويدًا تتحول دفة القيادة بين يديه مع نمو فكره وإدراك كثير من الوقائع والحقائق التي كانت عسِرة عليه في طفولته؛ وبينما هو يمسك بزمام حياته، إذا عليه أن يتخلص من سلبيات طُبعت في أفكاره ووجدانه، ويقوي من إيجابيات حصدها في أيامه السابقة؛ وهذا كله ليس بالأمر السهل الذي تغيره كلمات، بل في حقيقة الأمر هو رحلة الحياة برمتها! وعلى الإنسان أن يسعى فيها بكل جد وأمانة حقيقية مع نفسه كي يعبرها محققًا النجاح الحقيقيّ ليتمكن من عبور جسر الموت بسلام إلى الأبدية السعيدة.
 
ذات يوم، قيل لي: "ما أصعب هذه الحياة التي نعيشها! فنحن لا نتوقف عن تعديل أفكارنا ومشاعرنا ومواقفنا فيها، وقد نتألم كثيرًا في سبيل تحقيق ذلك.". أجبت: هذه سمة الحياة، نتعلم كل يوم جديدًا، ونكتشف أخطاء ونقائص في شخصياتنا فنسعى للتغيير والتعديل واكتساب مزيد من الإيجابيات والنقاط المضيئة فنتغير، ونكتشف مزيدًا جديدًا يحتاج إلى التعديل فنعدّله، وتظل هكذا رحلة الحياة؛ ولذا لنطلق عليها: "رحلة النمو". فبينما كنا صغارًا لم نكُن نستطيع أن ندرك كثيرًا من الحقائق والأمور وطبيعة المواقف ومعنى العقبات، وكانت مشاعرنا تلتف حول ذواتنا وأقرب الناس إلينا. وفي رحلة الحياة تنمو كثير من المشاعر المتناقضة ونختبرها: من محبة وقلق، واضطراب وسلام، وثقة وتردد، وثبات وتوتر، وراحة وألم، وغيرها. ومن يريد أن يعبر الرحلة بنجاح، فعليه أن يتعلم من جميع تلك الأمور ما يضعه دائمًا في الطريق الصحيح. فقال لي محدثي: أفهم ما تريد قوله، فكثيرًا ما تُردد كلماتك أن طريق الحياة الحقيقيّ هو في إنسانية الإنسان في الحياة بالمحبة والخير والمبادئ؛ ولكن هذا في بعض الأحيان - بل كثير منها - صعب! وقد يستحيل!! فعلى سبيل المثال: كيف لإنسان شعر بالظلم أن يغير هذه المشاعر ويكون عادلًا أو متسامحًا أو محبًّا؟!! صمت قليلًا وشرد كثيرًا كأنه يهدئ من أمواج ثائرة تتلاطم على شاطئ أفكاره. واحترمت شروده، ثم أجبته: ما رأيك في إنسان تعرض للظلم حتى سُجن مدة طويلة تخطت ربع القرن من الزمان؟ ماذا تتوقع حاله عند مغادرته سجنه؟! أعتقد سيكون محطمًا ويحمل كراهية شديدة لمن أذاقوه الظلم وأضاعوا عمره في ظلمات السجن، وإن كان قادرًا على الانتقام فحتمًا يفعل.
 
وللحديث بقية ...
 
*الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأرثوذكسيّ.
نقلا عن اليوم السابع
 
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع