بقلم :سامح سليمان
يجب أن نكون على وعى ببشاعة تلك الجريمة التي يرتكبها البشر على مر العصور ضمن جرائمهم المتعددة،وهي قتل فطرة الإنسان منذ طفولته ومجيئه غير الاختياري، وهذه الفطرة هي التساؤل والسعي نحو معرفه أصل كل شئ، بأعطائة أجابات جاهزة نمطيه مقولبة قد توارثوها على أنها الحقيقة الجلية الصافية والصواب المطلق والنموذج الصحيح، ومعاقبة كل من يبدى رفضه أو شكه أو اعتراضه أو حتى عدم أكتفاءة بما تم تقديمه من أجابات وحلول. فالاتفاق والتعريف الدائم لمجموعه من المعتقدات والمرجعيات والنظم الاجتماعية والتصنيفات الأخلاقية والرؤى والتصورات بأنها الحقيقة المطلقة والصواب الدائم ، هو أعاقه لاستمرارية تطور الإنسان وارتقائه التراكمي،وحكم ضمني بالموت على العقل،لأنه يؤدى لتقييد التفكير وإلزامه بعدم الخروج عن أطر فكريه معينه ربما قد انتهت صلاحيتها منذ أمد بعيد، فلا يوجد ما يسمى بالحقيقة الصافية الخالصة المطلقة دائمة الثبات والجودة والصلاحية،ولكن توجد ظلال وأشباه الحقائق، وليس من الممكن الوصول إليها إلا ببذل الجهد لمعرفة واستكشاف أبعادها المختلفة وتحمل الاقتراب منها والاحتراق بلهبها. فاللحياة أشكال كثيرة وللحقيقة أوجه متعددة وأكثر من زاوية لرؤيتها ـ هذا إن وجدت من الأساس ـ فالإنسان محكوم بدرجه كبيرة بجيناته التي قد توارثها عن والديه وأجداده، محكوم بما قام بتحصيله وتوصل إليه كنتيجة لما وصله من أفكار سائدة في مجتمعه وعالمه والحقبة الزمنية التي ألقت به إليها صدفة ميلاده،وبما لم تستطيع المجتمعات البشرية على مدار حقبها الزمنية أن تمحوه من قيم وأفكار ومعتقدات وأطر قيمية وعادات و تقاليد و ممارسات طقوسية .
إن المجتمعات العربية تحيا يوماً واحداً لا تمل من تكراره بسبب ميل الإنسان العربي للثبات والاستقرار و خوفه من التجديد وعدم اعتياده على التفكير النقدي والبحث والاستقصاء وإعمال عقله في كل ما يحيط به من أحداث وظواهر،وسيادة الدعوة العامة لنبذ حرية الفرد في التفكير بشكل حر ،والاكتفاء بترديد وتطبيق ما يتم تلقينه من مقولات وأيدلوجيات وأفكار معلبه سابقة التجهيز، فقد عشقنا النقل والتلقين لكثرة اعتيادنا عليه و استمتاعنا بأستهلاك ما يقدمه العالم المتقدم من منتجات تكنولوجيه تساعد على المزيد من الكسل والتبلد وعدم الرغبة فى بذل الجهد،فنحن قد أعتدنا على أن نحبوا في المكان ولا ننظر إلا تحت أقدامنا ولا نركض إلا للخلف ، ولا نتحدث إلا حسب الأوامر والتوجيهات،ولا نختار أو نطمع أو نأمل في تملك الحق في اختيار ممارسة وتطبيق والدعوة الي ما نؤمن به من أفكار وقيم ومعتقدات في مجتمعاتنا ذات الثقافة العجائزية الماورائيه القائمة على الخوف والتخويف واعتبار أي دعوه لنقد أو فحص ما تم قبوله والتسليم به من تراث قيمي أو فكري أو سلوكي من الجرائم والكبائر .
فالعقل الجمعي العربي مسجون في أطار من التوريث الإجباري لكافة ما تحتويه المنظومة المعرفية للمجتمع من مبادئ وتقييمات وتصنيفات تؤدى إلي تقزيم العقل وإلغاء قيمته وقدرته على التفاعل،وتشويه وعى الفرد منذ مجيئه غير الاختياري للحياة،ولذا استحققنا عن جداره أن ندخل متحف التاريخ للأمم والمجتمعات المتخلفة.
إن احد أهم أزماتنا المتعددة هي أزمة محاصرة الفكر النقدي التقدمي الإصلاحي المتمدن المستنير ذو القيم والمعاني والمضامين الإنسانية الغير عنصريه ومنع أي محاولة لغربلة المنظومة الفكرية السائدة المسيطرة من الانتشار والتفعيل،بل وحتى من حيث الوجود ، فنحن مجتمع يكره ويرفض ويحتقر ويرتعب من التفكير النقدي الحر الغير مشروط ويقدس كل ما هو ميتافيزيقي ، مجتمع يضع العلم والعلماء ضمن قائمة الأعداء الخطرين الواجب نفيهم واجتثاثهم حتى نتفرغ لأجترار التفاهات .
إن الكائن البشري منذ أن وجد وهو يحيا في صراع مع قوى الطبيعة ومع الكائنات الأخرى بل وأيضا بقية البشر.ولكن مع اختلاف أنواع وأشكال الصراع التي خاضها الإنسان ومازال يخوضها، أرى أن أكثرها تأثيرا في حياته هو الصراع الفكري لأنه المحدد لردود أفعالة تجاه ما يمر به من مواقف وما يحدث له وللعالم حوله من تغير. فأفكار الإنسان هي المحددة لأرائه عن نفسه والحياة وبالتالي لسلوكياته وأفعاله.
إن الصراع الفكري هام وأساس لحدوث نمو للمهارات الذهنية للمرء وصقل وبلورة لقاعدته الفكرية.
فالعقل الذي لم يمر يوما بمرحله من الصراع الفكري هو عقل راكد متبلد غير باحث عن الصواب قيدته قدسية الاعتقاد المتوارث والخوف من الشطط والخروج عن إجماع القدماء و ثوابت القطيع.
وترجع أهميه الجدل وصراع الأفكار أن من خلال الصراع الناشئ عن صدام الفكرة الأولى(القديمة أو ألسابقه) مع الفكرة ألثانيه (المختلفة)يحدث شئ من ثلاث أما إحلال ألثانيه محل الأولى أو بقاء الأولى ورفض الثانية أو نشوء فكرة ثالثه إما مزيج من الأولى والثانية أو فكرة جديدة بالكلية ولكن يوجد العديد من الاسئلة ألهامه التي تطرح نفسها ،والتي من الصعوبة البالغة الإجابة عنها وهى : كيف أو متى يبدأ الصراع ؟ ، هل لابد من وجود قاعدة فكريه أرتكازية للصراع الفكري أم يجب دخول الصراع بعقليه مجردة خاليه من أي تحيز أو اعتقادات مسبقة ؟ ،وان كانت الإجابة هي حتمية العقلية المجردة، فكيف نخلو من التحيز وهو جزء من طبيعتنا الإنسانية ؟
وهل توجد مرحله معينه ينتهي عندها الصراع أم أن توقفه مرتبط بتوقف دقات قلب الإنسان؟