الأقباط متحدون - المجتمع والتشوية الممنهج للذات الإنسانية
  • ١١:٠٦
  • الاثنين , ٥ مارس ٢٠١٨
English version

المجتمع والتشوية الممنهج للذات الإنسانية

سامح سليمان

مساحة رأي

٤٥: ٠٩ ص +02:00 EET

الاثنين ٥ مارس ٢٠١٨

صور_أرشيفية
صور_أرشيفية

سامح سليمان
 إن أحد أهم أهداف المجتمعات الطبقية المستغلة ، ألتي تسودها ثقافة تراتبية قائمة على امتنان العبيد الخانعين الأذلاء للسادة الكرام أصحاب الفضل ، هو ازدياد عدد المرضى و الفقراء و المعاقين نفسياً وفكرياً و بقائهم في أسوء حال ، فعلى فقرهم وبؤسهم ومذلتهم وجوعهم وجثثهم يقف السادة ليظهروا مدى تدينهم وعطفهم ورحمتهم وتقواهم !! "

هل يوجد فى مجتمعنا الملائكي المتدين من يعرف عدد ألأفراد الذين يعيشون في المقابر أو على ألأرصفة وتمر عليهم أيام لا يجدون فيها ما يرتدونه أو ما يشبع جوعهم؟ هل يعرف أحد عدد من أرغمتهم الظروف أن يبيعوا عضو من أعضائهم ليحيوا من ثمنه، وكم أسره قد قامت ببيع أحد أطفالها أو أرغمته على العمل وحرمته من الاستمتاع بطفولته حتى يجدوا قوت يومهم ؟! 
 
( إن الفقراء يستثمرون أطفالهم كما يستثمر الأغنياء أموالهم ) 
 
إن المجتمعات الاستغلالية معاديه و محتقره ومستنفذة للفقراء و لكل صاحب احتياج للعون والمساندة ، مجتمعات فى منتهى الوحشية والانتهازية لا ترحم البسطاء أو الضعفاء أو أصحاب النوايا الحسنه، ولا تعطى أى كرامه أو حق فى الحياة الكريمة والوجود الفعلي إلا للأغنياء الأقوياء أصحاب الحظوة والنفوذ  ، فتلك المجتمعات العشائرية لا ترغب في وجود مجتمع تسوده العدالة الاجتماعية والمساواة في القيمة الإنسانية دون اعتبار لأختلاف المكانة الاجتماعية أو اللون أو الجنس أو الدين أو الطائفة الدينية ، بل تريد أن يسود الغنى الرحيم صاحب الفضل والإحسان، وأن تزداد أكثر فأكثر حفلات الخير والشفقة والعطف. 
 
إن المجتمعات التي يسودها التدين المصطنع هي مجتمعات معاقة نفسياً وفكرياً وأخلاقياً،هي مجتمعات مهدرة للطاقات وقاتله لأصحاب المواهب والقدرات وأرض خصبة للتشوهات الفكرية والنفسية والسلوكية بمختلف أنواعها، تلك المجتمعات نجدها أكثر المجتمعات دعوة للتمسك بالفضيلة والأخلاق القويمة وأكثرها ترويج لنموذج الثرى التعيس المريض الذي يحيا في أسرة يسودها الخوف والحقد والطمع والكراهية،والذي يتمنى في كل لحظه أن يكون في مثل سعادة جاره الفقير المعدم من لا يجد قوت يومه ولا يستطيع أن يعول أسرته ولكنه يتمتع بالصحة والحب والسعادة الأسرية !!!! 
 
إن المجتمعات القبلية المنافقة هي أكثر المجتمعات امتلاءً بالمساوئ والنقائص والعورات، فتلك المجتمعات هى أكثر المجتمعات استخداماً لمؤسساتها في غرس ونشر وتلقين المبادئ والأفكار التجهيلية التي تؤدى لتزايد عدد المغيبين ومنتظري الخوارق والأعاجيب والحلول السحرية، كما إنها ألأكثر ترويج لقيم الخضوع والخنوع والليونة والاعتمادية ( كله مقدر ومكتوب، أجرى جرى الوحوش غير رزقك لن تحوش، من شاف بلوة غيرة هانت عليه بلوته، من رضا بقليله عاش ) لأن كلما أزداد عدد البلهاء والجهلاء والسذج معدومي الطموح والكبرياء،أصحاب الفكر والطبيعة المازوخية، كلما تمكن أكثر البشر دهاء وخسة وانحطاط من الوصول إلى أعلى مراتب النجاح والشهرة ،الشيء الذي يزيد من ثرائهم وسطوتهم وتمكنهم من إذلال و استعباد و مص دماء كل من لهم عليهم سلطان حتى أخر قطرة وتسخيرهم على كافه المستويات ولأقصى الحدود دون أدنى اعتراض أو مقاومه أو تذمر .
 
إن المجتمعات العشائرية المقولبة لا تسعى إلا لتزييف وعي الفرد وبرمجته على ما يتناسب مع مخططاتها وتوجهاتها منذ طفولته، باستخدام كافة مؤسساتها؛ خاصةً أهم مؤسسة في حياة الفرد وأكثرها تأثيرًا في حياته على المدى الطويل، وهي مؤسسة الأسرة القائمة في أكثر الأحوال على التضليل والتملك والإرهاب، واستعباد الأقوى للأضعف تحت العديد من المسميات فارغة المضمون وعديمة القيمة والمعنى، وتسلط مَن يملك القوة الاجتماعية أو الاقتصادية، وهو في الغالب يكون الأب (لاحظ التسمية الشائعة "رب الأسرة"؛ فهو الكامل السيد الآمر الناهي المُطاع بلا جدال أو مناقشة)
 
إن المجتمعات المتيمة بصناعة وابتكار التابوهات بأنواعها، وتأليه الشخصيات العامة الشهيرة ، والانقياد الأعمى لتضليلهم، والتلذذ المازوشي بالعبودية والغرق في مستنقعات سلطانهم الوهمي الكاذب، لا تفهم إلا لغة القوة، ولا تؤمن إلا بالمصلحة، ولا تعرف سوى التنميط والتغييب والتآمر، ولا تسعى إلا لخلق كائنات تابعة ممسوخة الهوية تم محو ذاتيتها وتدمير كيانها النفسي وتشويه قاعدتها الفكرية، كائنات اعتمادية بحاجة لمَن يكفلها؛ تم قولبتها وتفكيك ومسخ وسحق هويتها، كائنات قاصرة ذهنيـًا مريضة بمختلف الأمراض النفسية والفكرية والاجتماعية، كائنات "سادومازوشية" محتقرة لذاتها ومعادية للأخر. 
 
كائنات عبارة عن دمى متحركة وحطام إنسانية وأشباه بشر،منقادة مسلوبة ألإرادة بحاجة إلى مَن يقودها ويقوّمها ويؤدبها ويبرمج عقلها ويقيّم ردود أفعالها ويحدد أهدافها ومسارها، وهذا هو الشغل الشاغل والهدف المقدس لدى العديد من الآباء والأمهات في كافة المجتمعات، وخاصةً في مجتمعاتنا، في طريقة تربيتهم لأبنائهم بسبب شعور الوالدين بالدونية والشك في النفس وعدم الكفاية الذاتية، وانعدام الإحساس بالقيمة والجودة والقدرة على الفعل نتيجة الحياة في ظل مجتمع أبوي طبقي مستغل، تنتشر به جميع صور الخرافة والجهل والتجهيل، فالعديد من الآباء يستغلون سلطتهم الوالدية لامتلاك الأبناء ـإحدى المعتقدات الوهمية السائدة هي أن الأبناء ملكية خاصة لوالديهم _ لأنهم من صناعتهم وإنتاجهم ، ـوتسخيرهم وتشييئهم بتحويلهم إلى أدوات ووسائل لتحقيق أهدافهم، وغرس مبدأ خاطئ جدًا ومدمر في عقول أبنائهم، وهو أن سبب وجودهم هو تحقيق رغبات والديهم، بل وإقناعهم بحتمية وعظمة قبولهم لذلك الدور، لما لهم من فضل يتمثل في إنهم سبب مجيئهم للحياة، وأيضًا لقيامهم بالإنفاق وتوفير المسكن .
 
( إن الإنفاق والرعاية وتوفير المسكن المناسب والحياة الكريمة للأبناء، ليس فضل أو هبة أو عطية من الآباء، بل هو حق للأبناء وفرض ومسئولية على الوالدين. (
 
هذا بخلاف قيام العديد من أرباب الأسر بالسعي عن عمد إلى تدمير قدرة أبنائهم على الاستقلالية واتخاذ القرار والتحلي بالحزم والحسم والصلابة اللازمين لتحقيق الذات، وتكوين منهج فكرى خاص، واتخاذ نموذج الحياة الذي يجدونه الأفضل والأنسب والأكثر صلاحية .
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
حمل تطبيق الأقباط متحدون علي أندرويد