الأقباط متحدون - في ذكرى نياحته..... البابا كيرلس السادس والأكراد في مصر!
  • ١٤:٠٦
  • الخميس , ٨ مارس ٢٠١٨
English version

في ذكرى نياحته..... البابا كيرلس السادس والأكراد في مصر!

د. ماجد عزت اسرائيل

مساحة رأي

٠٧: ١٠ ص +02:00 EET

الخميس ٨ مارس ٢٠١٨

 البابا كيرلس السادس والأكراد في مصر
البابا كيرلس السادس والأكراد في مصر

 د.ماجد عزت إسرائيل

       البابا كيرلس السادس(1959-1971م) اسمه العلمانى (قبل الرهبنة) عازر يوسف عطا، وقد ولد فى 2 أغسطس 1902م، بمركز أبوحمص التابع لمدينة دمنهور،محافظة البحيرة ، وكان والده ناسخاً وجامــع للــتراث القبطى،ومن المترددين هو وابنه عازر على زيارة الأديــرة بوادى النطرون، وخاصة ديــر البراموس،وكان عازر كثيراً ما كان ينام على حجر بعض الرهبان فكان من نصيبهم، وبالفعل بعد أن حصل على "البكالوريا"ــ الثانوية العامة حاليا عام 1921م،عمل فترة لدى شركة "كـــوك شيبينج"،وكان نمـــوذجـاً للامانة، والمحبة والطاعة والاخلاص،وظل يعمل حتى سلك طريق الرهبنـــة عـــام 1927م، وعرف باسم "مينا البراموسى". وكانت الرهبنة فى حياته تعنى حياة الوحـدة والزهد والنسك والصلاة والتسبيح، وهي فلسفـــة الـديانة المسيحية، والجامعة التي تـخرج فيها مـئات البـطاركـة والأساقفـة الذين قادوا الكنيسة بالحكمة. 
 
  ويعد البابا كيرلس السادس (1959-1971م) من أول البطـاركة الــذين تم اختيـارهم طبقاً لــ" لائحـة "2 نوفمبر1957م "حيث تم انتخابه من بين ثلاثة مرشحين وهـم: القمص دميان المحرقى (دير المحرق) ،والقمص أنجيلوس المحرقى (دير المرق)، والقمص مينا البراموسي (دير البراموس) وبعد قــداس القرعة الــهيكيلة فى(19إبــــــريل1959م)، تم اختياره بطريركـاً باسم البابا "كيرلس السادس"، وتم تجليسه على كرسى مارمرقس فى (26 إبريل 1959م) حتى رحيله عن عالمناً الفانى فى( 9 مارس 1971م).
 
  على أية حال، كانت تربية عازر يوسف الاجتماعية دليل يؤكد على عمق العلاقات الأسرية والحب والتواصل مع الأخر، فالذي جمع ما بين عائلته الحب، فعلى الرغم من انشغال الأب فى عمله إلا أنه اوجد الوقت ليجلس مع زوجته وأولاده، ولسان حاله قائلاً لهم: " كونوا أولاداً مطيعين لوالديكم ومحبين ومتمتعين بِالإِيمَانِ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ " فكان يريد توصيل رسالة تعليمية لأولاده بأنهم يعيشون حياة أفضل فيجب عليهم بذل الجهد وطاعة الوالدين.
     وهنا يجب أن نؤكد على أن عازر عاش في مناخ الأسرة الروحي والكنسي، والإرتباط بالكنيسة وحضور القداسات الإلهية، وسير الأباء القديسين والحرص على الإحتفال بتذكاراتهم المقدسة. وهنا يجب أن نؤكد على أن عازر يوسف عطا ارتبط بشبكة علاقات اجتماعية بعائلته وخاصة مع أخيه الأكبر "حنا" وأخيه الأصغر "ميخائيل"، وكان على تواصل دائم معهم من خلال المعيشة بمنزل واحد أو الصلاة أو الذهاب للمدرسة أو الكنيسة أو الحورات الأسرية. وأيضًا الراهب كيرلس الأنبا بولا الذى تعرف عليه فى كلية الرهبان اللاهوتية بحلوان،وكان لاستقبال الأسرة الكثير من الآباء الرهبان أكبر الأثر على"عازر" فأدي ذلك إلى زيادة علاقاته وشغفه بهم، فتعلق قلبه بالقمص" تادرس البراموسي"،الذى كان ينام فى ركبتيه، لدرجة أن والدته قدمت اعتذرت للراهب،فقال لها:" دعيه لأنه من نصيبنا. وقد كان،حيث صار عازر حقا من يومها من نصيبهم"، وكان عازر يقوم بتقليده ،حيث كان يرتدى مريله سوداء اللون فوق ملابسه وهو ابن أربع سنوات تشبهين بالآباء الرهبان فى زيهم. وبعد رهبنته فى دير البراموس ارتبط بمعلمه ومرشده القمص عبد المسيح المسعودى البراموسى، ورويدا رويدا توسعات بعد ذلك شبكة علاقته الاجتماعية وخاصة بالآباء الكهنة والبطاركة . 
 
      وكان لعازر يوسف عطا مواقف تعبر عن محبته للآخر وتقبله على الرغم من الأختلافات العرقية والدينية، ونذكر على سبيل المثال كان عازر يوسف عطا يحتج على والديه عندما يرى المائدة ممدودة وعليها العديد من أنواع الطعام. كان يقول لماذا نأكل نحن هذه الأطعمة،والآخرون يأكلون الخبز الجاف؟. وحدث فى يوم رفاع الصوم المقدس (الكبير) أن المائدة ازدحمت بأطايب المأكولات، فثار عازر،وقال لأمه أمام أبيه: أننا نأكل كل يوم من هذا الطعام الفاخر،وبجوارنا عائلة "الكردي" فقيرة محتاجة،ألا يحسن اهداء هذا الطعام لهم من أجل المسيح الذى نصوم له باكرا،ونكتفي نحن بوجبة متواضعة"فانشرح قلب والديه لهذا الشعور النبيل. وعندما ذهبوا إلى عائلة الكردي بالطعام،استقبلتهم بالدهشة والاستفسار. ولما علموا أن صاحب هذه الفكرة هو عازر قبلوه ودعوا له .
 
بالحق نقول أن عاز يوسف عطا أو البابا كيرلس السادس(1959-1971م) نفذ تعاليم السيد المسيح التى وردت فى الكتاب المقدس الذي ذكر قائلاً:" "تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي، رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ.  لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي. كُنْتُ غَرِيبًا فَآوَيْتُمُونِي.  عُرْيَانًا فَكَسَوْتُمُونِي. مَرِيضًا فَزُرْتُمُونِي. مَحْبُوسًا فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ.  فَيُجِيبُهُ الأَبْرَارُ حِينَئِذٍ قَائِلِينَ: يَا رَبُّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعًا فَأَطْعَمْنَاكَ، أَوْ عَطْشَانًا فَسَقَيْنَاكَ؟  وَمَتَى رَأَيْنَاكَ غَرِيبًا فَآوَيْنَاكَ، أَوْ عُرْيَانًا فَكَسَوْنَاكَ؟  وَمَتَى رَأَيْنَاكَ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا فَأَتَيْنَا إِلَيْكَ؟  فَيُجِيبُ الْمَلِكُ وَيَقوُل لَهُمْ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي فَعَلْتُمْ.  «ثُمَّ يَقُولُ أَيْضًا لِلَّذِينَ عَنِ الْيَسَارِ: اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ، لأَنِّي جُعْتُ فَلَمْ تُطْعِمُونِي. عَطِشْتُ فَلَمْ تَسْقُونِي.  كُنْتُ غَرِيبًا فَلَمْ تَأْوُونِي. عُرْيَانًا فَلَمْ تَكْسُونِي. مَرِيضًا وَمَحْبُوسًا فَلَمْ تَزُورُونِي.  حِينَئِذٍ يُجِيبُونَهُ هُمْ أَيْضًا قَائِلِينَ: يَا رَبُّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعًا أَوْ عَطْشَانًا أَوْ غَرِيبًا أَوْ عُرْيَانًا أَوْ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا وَلَمْ نَخْدِمْكَ؟  فَيُجِيبُهُمْ قِائِلًا: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ لَمْ تَفْعَلُوهُ بِأَحَدِ هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي لَمْ تَفْعَلُوا.  فَيَمْضِي هؤُلاَءِ إِلَى عَذَاب أَبَدِيٍّ وَالأَبْرَارُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ" (إنجيل متى 25: 34-46).
 
    وهنا يجب علينا أن نشير إلى الشعب الكردى العريق وقضيته التى تشغل الرأى العام المحلى والعالمى، فيعيش الأكراد فى أقليم غرب آسيا، فى المنطقة التى تقع جغرافياً ما بين منطقة جبال زاجــروس وطـوروس(أقلــيم كردستان) شرقاً حتى ساحل البحر المتوسط غرباً، وبالتحديد فى جنوب شرق تركيا،وشمـال العراق،وشمـــال غرب أيران،وشمال شرق سوريا، وشمال لبنان،وأرمنيا ومنطقة أزبيجان،ويتحدث الأكراد اللــغة الــــكردية، ويدين غالبيتهم بالإســلام، والبعض يدين بالمسيحية، واليـــهودية، واليزيدية، والمـــجوسية ويصل تعــدادهـــم فى شتى بقــاع العالم بنحو أكثر من(40) مليون نسمه،ويتـميز الأكراد بحبهم للعـلوم والثقـافة،وخاصة الموسيقى والتمثيل والنحت والرســــوم، وكانت مصر من بين الدول التى عاش بها العــديد من رموز الطائفة الكرديةـوتركوا تراثاً ثقافياً لا يزال حتى كتــابة هذه السطور. وترجع شهرة الجالية الكردية فى مصر إلى "صلاح الدين الأيـــوبى" (1138-1193م)، الذى يــــنتسب إلى بنى أيوب فى الـعراق،الذى ترجع أصولـــه إلى أكـــــراد الروادية،وأستطاع صلاح الدين الأيوبى، لأطــاحة بالدولة الفاطمية،وتأسيس الدولــــة الأيــوبية،التى تمـتد فى اليــمن و الحجازو العراق وديار بكر،وأتخذ من مصر لـموقعها المتميز؛ مركزاً للسلطة،خــلال الــــقرنين الثانى والثالث عشر المـيلاديين، وبالتحـــــديد ما بين (1171-1262م)، وأشتهر بحبه للـعلوم الدينيــة،وعلم السير الذاتيـــــة، والــشعر، وركوب الخيل،والفنون والموسيقى.وفى عصر محمد على (1805-1848م) ــ والذى يقال أنه ينتسب لأكراد ديار بكر وخـلـــفائه زاد تعداد المهاجرين إلى مصر، حتى وصل تعـــدادهم فى عام 1952م نحو 20 ألف نسمه،وتنتشر الطائفــــة الكردية فى شتى بقاع مصر،ومن أشهر عائـــلاتهم عائلة تيمور باشا، وعائلة بـدرخان، الأورفـلي، ظاظا، الكردي، وانــــلي، عوني، خورشيد، آغا، شوقي، وأمين،وأباظة،وبعد نشأة حى شـــبرا فى شمال مدنية القاهرة،أتخذه الأكــــراد مركزاً لنشاطهم الثقافى، بتأسيس (الجمعية الكردية)، وشـغل أكــــــراد مصر شتى الوظـــائف الإدارية والقـــــيادية والفنية،والصحافة والأعــلام، والمحاماه.
 
  وعند كتابة هذه السطور يعانى الأكراد فى سوريا كثير من المشاكل بعد تعرض مدينة عفرين – تشتهر هذه المدينة بإنتاج الزيتون الذي يشير للسلام - السورية للدمار والخراب  الذي راح ضحاياه الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ والشباب على يد "رجب طيب أردوغان" حاكم تركيا الذي يريد إبادة جذور الشعب الكردى من منطقة الشرق الأوسط، ولا نبالغ فى القول أن الأكراد هاجروا إلى كل بقاع العالم هروبا من الظلم والاضطهاد، واعتقد أن الشعب الكردى دائما لا ييأس من الدفاع عن حقوقه،وهذا ما نادى به المفكر الدكتور"طارق حجى" في عام 2010  عندماحاول تقديم القضية الكردية للصحافة المصرية والعربية من خلال سلسلة مقالته وعنوانها "لو كنت كرديا....." حاول خلالها تقديم عرض ووصف لمعانت الكرد فى بلادهم فذكر محاولة هدم تراثهم قائلاً" لو كنتُ كرديّاً من سوريا، لَمَا ترددّت لحظةً في رفع صوتي للأعالي كي تسمع الدنيا بأسرها بما تجري بحق شعبي من مظالم مبرمجة تستهدف النيل من وجوده ومَحْو لغته وثقافته، ولناضلتُ بكافة الوسائل السلميّة الديمقراطيّة لفضح .....  الأنظمة من أجل حقوق المواطنين الذين يعيشون على هامش الحياة محرومين من كافة حقوق المواطنة. ويختتم كلمه قضيتي هي المواطنة والمساواة والعدالة،ولا سبيلَ لي غير العمل السلميّ الديمقراطيّ اللاعنفيّ.
 
   والحقيقة التاريخية والاجتماعية أن "عازر يوسف عطا" أو البابا كيرلس السادس قدم لنا نموذجاً للمحبة وتقبل الأخر فى أوائل القرن العشرين،فبتقديمه الطعام للعائلة الكردية ما هو إلا رمز للتعبير عن حق المواطن في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، حتى ولو لم تكن بلده الأصلى أو موطنه الأصلى لأبد أن يعيش حياة  كريمة،وهذا ما نتمناه للشعب الكرى. والحقيقة التاريخية أن قداسة البابا كيرلس السادس ظل في عطائه ومحبته للجميع  حتى تنيح فى 9 مارس1971م ، وهنا لا نملك إلا أن نذكر ما ورد  في الكتاب المقدس على لسان معلمنا بولس الرسول حيث ذكر قائلاً:" اُذْكُرُوا مُرْشِدِيكُمُ الَّذِينَ كَلَّمُوكُمْ بِكَلِمَةِ اللهِ. انْظُرُوا إِلَى نِهَايَةِ سِيرَتِهِمْ فَتَمَثَّلُوا بِإِيمَانِهِمْ"!!
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
حمل تطبيق الأقباط متحدون علي أندرويد