الأقباط متحدون - ولى العهد السعودى فى الكاتدرائية.. زيارة متفردة وتاريخية
  • ٠٥:٢٢
  • الجمعة , ٩ مارس ٢٠١٨
English version

ولى العهد السعودى فى الكاتدرائية.. زيارة متفردة وتاريخية

مقالات مختارة | سليمان شفيق

٢٦: ٠٥ م +02:00 EET

الجمعة ٩ مارس ٢٠١٨

سليمان شفيق
سليمان شفيق

فى حدث تاريخى غير مسبوق زار الأمير محمد بن سلمان، ولى العهد السعودى، الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، الزيارة التاريخية تأتى ضمن سلسلة الإصلاحات التى يجريها محمد بن سلمان على المستوى الداخلى والخارجى.
 
كان ولى العهد قد أباح للمرأة قيادة السيارة، وإعطاءها مواقع قيادية، والسماح بحفلات مختلطة، ومجموعة إصلاحات حداثية فى المجتمع السعودى على كل الأصعدة.
 
زيارة ولى العهد للكاتدرائية بداية جديدة فى محاولة ولى العهد الاقتراب من المسيحية فى الشرق، حيث سبق أن التقى البطريرك المارونى بشارة الراعى، فى القصر الملكى، وكانت أول زيارة لمسؤول كنسى فى القصر. أما الزيارة التاريخية لسمو ولى العهد الأمير محمد بن سلمان، لأكبر كنيسة فى الشرق وتتواجد فى أكثر من ستين دولة وتلعب أدواراً وطنية مشهودة، فلها دلالات ورسائل خاصة.
 
تلك الزيارة تمثل ردا قويا وغير مسبوق للمتشددين فى مصر والشرق والعالم، والذين أسهبوا فى تحريم تهنئة الأقباط فى الأعياد، وكذلك يرفضون زيارة الكنائس أو الوقوف لشهداء الأقباط أثناء تأبينهم فى مجلس النواب المصرى، لأن زيارة ولى عهد الدولة الإسلامية الأكبر فى المنطقة للكنيسة الأكبر فى الشرق، تضع مروجى أنصار التيارات المتطرفة فى موقف حرج للغاية، خاصة أنه لم يكتفِ بالزيارة، ولكن دعا البابا وقيادات الكنيسة لزيارة المملكة، كما أن الزيارة تأتى ربما لتفتح الباب أمام مزيد من الإصلاحات فى المملكة العربية السعودية، فى ضوء تزامنها مع حملة الإصلاح التى يقودها ولى العهد فى المرحلة الراهنة، وفى كل الأحوال تبقى زيارة بن سلمان للكاتدرائية فارقة ومهمة للغاية، ولا يمكن النظر إليها فى إطار التواصل أو المجاملة فقط، ولكنها تحمل أبعادا أكثر عمقا فى تطور رؤية الأمير الإصلاحى، وأتمنى أن تستجيب الكنيسة لدعوة الأمير محمد بن سلمان لزيارة المملكة العربية السعودية، خاصة أنها لن تكون المرة الأولى التى تستقبل فيها الأراضى السعودية قيادات دينية مسيحية، حيث سبق للمملكة وأن استقبلت بطريرك الكنيسة المارونية مار بشارة الراعى على أراضيها قبل عدة أشهر.
 
بالطبع تعود بداية العلاقة بين الكنيسة والمملكة إلى البابا الإصلاحى تواضروس الثانى، منذ متابعة البابا تواضروس للحالة الصحية للملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، وحرصه على التواصل مع الجانب السعودى، للاطمئنان على صحة الملك، وأعقب ذلك بيان من الكنيسة ينعى الملك عقب وفاته.
 
وأشار البابا، خلال كلمة له عقب انتهاء اللقاء وزيارة ولى العهد السعودى لمقر الكاتدرائية، إلى النهضة التى تشهدها المملكة العربية السعودية والتطور الكبير الذى نتابعه فى وسائل الإعلام.. وهذه الأمور طيبة كونها تساعد فى مواجهة العنف والإرهاب الذى ابتليت به المنطقة العربية».
 
واستطرد قائلاً: «البعد الإنسانى جفاف.. وبالتالى التقارب مهم جداً من أجل الإنسانية.. نحن فى الكنيسة نرحب بهذه الزيارة ونقدم التحية كاملة إلى الشعب السعودى وإلى الملك وإلى الوفد الذى رافق الأمير محمد.
 
وكان صاحب السمو الملكى الأمير محمد بن سلمان ولى العهد السعودى قد قال، إن الواقع يقول إن الأقباط لديهم مكانة فى قلوب كل مسلمى العالم وليس مصر فقط، وأضاف خلال زيارته للكاتدرائية: «المسلمون يجب أن يعرفوا ذلك الدور الوطنى الذى تحملته الكنيسة المصرية». وتابع: «نعزيكم فى شهدائكم الغاليين علينا وعلى مصر والعرب والعالم، ونشهد لكم بموقفكم تجاه العنف الذى حدث لكم وعدم رد الأذى بأذى ذلك الموقف الذى كان مميزا جدًا ومضربا للمثل»، واستكمل: «الآن موجات إرهابية كثيرة فى المنطقة ولكن الرئيس عبدالفتاح السيسى وكذلك الإمارات والأردن وغيرها من الدول تصدوا لهذه الهجمات». واستشهد ولى العهد بآية «لكم دينكم ولى دين»، مضيفًا: «كانت زوجة الرسول مسيحية، وعمر بن الخطاب صلى بجانب الكنيسة حتى لا تتحول إلى مسجد، وكل هذه شواهد تاريخية للتعايش والتراحم والتآزر»، واختتم حديثه: «نؤكد تعاوننا الدائم معكم، وكذلك التعامل الإسلامى المسيحى».
 
هكذا نحن أمام زيارة متفردة وتاريخية وذات طابع فكرى ملهم فى مواجهة الأفكار التكفيرية للإرهابيين وتيارات أخرى متشددة، حيث إن زيارة سمو ولى العهد بما يحمل من موقع رفيع فى السعودية، إضافة إلى تمثيله رؤية جديدة، أعتقد أنها تجاوزت أغلب دعوات الحوار بين الأديان التى يصرف عليها الملايين دون تقدم يذكر.
 
لا ننسى بالطبع مقدمات مهمة قام بها نيافة الأنبا مرقس أسقف شبرا الخيمة، الذى سبق أن سافر إلى السعودية بدعوة من الملك الراحل عبد لله بن عبدالعزيز، والتقى هناك الجالية القبطية الموجودة بالمملكة، كل تلك المبادرات إضافة إلى الزيارات التى كان يقوم بها السفير السعودى لدى مصر، حينذاك أحمد بن عبدالعزيز قطان للمباركة فى الأعياد أو الاطمئنان على صحة البابا تواضروس.
 
البعض لا يتوقف أمام الأبعاد الفكرية والتسامحية للزيارة التى لا يجب النظر إليها من منظور سياسى فحسب، بل بما تشكل هذة الزيارة من رؤية جديدة فى التقارب الإسلامى والمسيحى، وآفاق جديدة لعالم جديد تتواكب معه السعودية عبر أجيال إصلاحية يمثلها الأمير محمد بن سلمان والبابا تواضروس الثانى.. تحية للأمير والبابا.
نقلا عن اليوم السابع

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع