الأقباط متحدون - الحاجة ماسة إلى بيريسترويكا كنسية (3)
  • ١٧:٥٩
  • السبت , ١٠ مارس ٢٠١٨
English version

الحاجة ماسة إلى بيريسترويكا كنسية (3)

ماهر عزيز بدروس

مساحة رأي

٤٧: ٠٥ م +02:00 EET

السبت ١٠ مارس ٢٠١٨

تعبيرية
تعبيرية

دعماً للجهد البابوى نحو النهضة
الحاجة ماسة إلى
بيريسترويكا كنسية (3)

... وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلاَ تُدْعَوْا سَيِّدِى

بقلم
دكتور مهندس/ ماهر عزيز
استشارى الطاقة والبيئة وتغير المناخ


يجلجل صوت المسيح العظيم عبر التاريخ الإنسانى كله منتهراً أولئك الذين يتسيدون الناس
متخفين فى شخصه الأسمى: "... وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلاَ تُدْعَوْا سَيِّدِي"،"لأَنَّ مُعَلِّمَكُمْ وَاحِدٌ.. الْمَسِيحُ..وَأَنْتُمْ جَمِيعًا إِخْوَةٌ"(مت 23: 8) رافضاً بذلك رفضاً باتاً قاطعاً كل محاولة لانتزاع سلطانه واغتصاب مكانته والسطو على علوه واقتداره بدعوى وكالتهم المزعومة عنه.

هذه الوكالة التى تخيلوها قسراً وتصوروها عمداً وراحوا يؤكدونها عبر الدهور استناداً إلى قول السيد المسيح لتلميذه بطرس: "وَأُعْطِيكَ مَفَاتِيحَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، فَكُلُّ مَا تَرْبِطُهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاوَاتِ. وَكُلُّ مَا تَحُلُّهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولاً فِي السَّمَاوَاتِ" (لو 16: 19).. راحوا يؤكدونها متجاهلين فى تفسيراتهمالبشرية المتعسفة أن مفاتيح ملكوت السموات هذه لم تعط لبطرس لشخصه الإنسانى وإنما أعطيت لإيمانه الذى نطق به (وإلى كل من يؤمن هذا الإيمان عينه) حين أجاب بطرس السيد المسيح إذ سأله مع التلاميذ: "وأنتم من تقولون إنى أنا" فقال: "أنت هو المسيح ابن اللـه الحى".. فإذا بالسيد المسيح يؤكد له: "على هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي".. أى على صخرة هذا الإيمان.. ثم أردف يسوع: "وأعطيك مفاتيح ملكوت السموات".. فهل أعطاها لبطرس بشخصه (وبالتالى لتلاميذه بشخوصهم)؟.. حاشا.. لقد أعطاها لهذا الإيمان عينه (وكل من يؤمن به).. وزاد يسوع: "فَكُلُّ مَا تَرْبِطُهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاوَاتِ. وَكُلُّ مَا تَحُلُّهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولاً فِي السَّمَاوَاتِ"(مت 16: 15 - 19).. فهل منحه وحده (والتلاميذ وحدهم إذ وجه لهم القول ذاته فى موضع آخر) سلطان الحِلّ والربط؟ حاشا.. لقد منح السلطان لهذا الإيمان عينه!!

.. فلتسقط إلى الأبد تلك التفسيرات المتعسفة التى تمكن البشر أياً كانوا من التحكم فى إرادة اللـه.. إذ يبقى ذلك من غير الممكن وغير الجائز إطلاقاً!!

ولْتُمْحَ إلى الأبد تلك التصورات التى تقول بأن الإكليروس ورثة الرسل وبيدهم كذلك سلطان على إرادة اللـه بالحل والربط.. فالحل والربط مُعطَيَان"لهذا الإيمان عينه" وليس لأفراد.. وقد تجلى ذلك أوضح من شمس الظهيرة حين نطق بطرس بعدها مباشرة بإيمان مخالف.. فابتدره يسوع بقوله: "إذهب عنى
يا شيطان" (مت 16 : 23).. أى "اذهب عنى ياشيطان الفكر المعاند لإرادة اللـه"..

فهل مَنْ بيده الحل والربط ومفاتيح ملكوت السموات يكون فى الوقت ذاته شيطاناً؟

فى الحالين لم يكن بطرس وكيلاً للـه أو شيطاناً.. وهو ما ينسحب على التلاميذ جميعهم والبشر أجمعين..

ومفاتيح ملكوت السموات وسلطات الحل والربط هى للإيمان الصحيح لأى مَنْ يؤمن.. بينما الطرد من حضرة اللـه هو للإيمان المعوج لكل مَنْ إيمانه معوج..

فإذا وُجد تعليم يخالف تعليم المسيح.. يشجبه حكم المسيح الصارم: "وَبَاطِلاً يَعْبُدُونَني وَهُمْ يُعَلِّمُونَ تَعَالِيمَ هِيَ وَصَايَا النَّاسِ"(مت 15 : 9) ، أى هى تفسيرات الناس وتصوراتهم!!

ويعزز الروح القدس التعليم عينه لبولس: "قًد اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ، فَلاَ تَصِيرُوا عَبِيدًا لِلنَّاسِ" (اكو 7 : 23).. أى لا تصيروا مُسْتَهْلَكين لتفسيراتهم الذاتية المغلوطة ، فإذا كنتم قد افتديتم بيسوع لن يستعبدكم أحد أبداً بزعم الوكالة عن يسوع أو زعم سلطات خرافية لا حدّ لها مغتصبة من رب المجد يسوع!!

نعم..مزقوا هذه التفسيرات المغرضة التى تَقْصُر كلام يسوع لتلاميذه على الإكليروس فقط وتحرم منه كل الشعب المؤمن باسمه القدوس..فهذه تفسيرات شيطانية لا يصح لها أن تبقى أو تدوم.

لأن الله وحده الذى يقضى وهو وحده صاحب السلطان.. وليس لبشر مهما كان هذا السلطان على بشر غيره فى العهد الجديد.. لأن القضاء للـه!!

ولا يسوغ أن نردد هذه الخرافة المتواترة بأن رسالة الكهنوت منفصلة عن شخوص الإكليروس فإذا تدنت سلوكياتهم يكون ذلك بمحض شخوصهم مفصولاً عن رسالتهم.. هذه الشعوذة لم تعد تسوغ أبداً لأن الإكليروس تتحد شخوصهم برسالتهم.. وإما أن يكونوا أهلاً لها أو يقطعوا عنها.

لقد إنهال يسوع بالويلات على الكهنوت اليهودى الذى انحرف بالنصوص المقدسة ليسرق الكرامة التى للـه، واتخذ من زخم الطقس المزدحم بالفروض فرصته الاحتكارية للضرب على قلوب وعقول وأرواح البسطاء بسلطان فاجع فى سطوته.. مُدَمِّر فى قسوته.. ومستبيح على أى حال.. وذلك عندما وجدهم قد اصطنعوا من أحكام الطقس قيوداً رهيبة يتصدرون بها منح الاقتراب من العتبات المقدسة لحضرة اللـه أو منعه على الإطلاق.

عاينهم يسوع وقد سلكوا كاللصوص الذين بقوة الممارسات الطقوسية يسلبون الناس أموالهم ومقتنياتهم.. بل وأرواحهم وقلوبهم إن طالوا..ورآهم يحصنون أنفسهم بسلطان زعموا فيه أنهم الوسطاء بين الله والناس، ومَنْ يقبلونهم يقبلهم اللـه ومن يرذلونهم يرذلهم اللـه!!

فَغَيَّر يسوع هذا السلطان الحصرى الغارق فى دم الذبائح لكهنة العهد القديم إلى السلطان المشاع للإيمان لكل من يؤمن فى نعمة العهد الجديد بالفداء الذى صنعه والشركة المقدسة التى منحها لكل من يؤمن به.

ففى العهد الجديد: اللـه لم يسمح بسلطان مطلقاً اللهم سوى سلطان الخدمة.. ".. ومَنْ أراد أن يكون فيكم أولاً، فليكن لكم عبدًا"( مت 20: 27).

لكن سارقى الكهنوت كُثَّر فى هذه الأيام..

فها هو ذا أسقف يحرم واحداً من شعبه لأنه تجرأ وخالف نيافته الرأى فى أمر إجرائى يومى.. وكثيرون يفعلون ذلك بسَرَف واجتراء: "محروما أنت من فم الثالوث القدوس".. كأن فمه الذى كفم أى بشر قال عنهم يسوع:"الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعًا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ"(رو 3 : 12)..كأن فمه هو فم الله الواحد الأحد القدوس.. فياللبؤس..وياللهول.. أفم جنابه أونيافته هو فم الثالوث القدوس؟.. أإذا نطق افتراء أو نكاية أو ظلماً يصادق الله على قوله؟.. أليست تلك هى الخرافة بعينها والافتئات الصارخ على الحق الكتابى وحق اللـه؟

من يراجع تاريخ استخدام الحرمانات يجدها بإجماع كنسى لأجل الحفاظ على الإيمان أصلاً.. وهى وتفقد وثوقيتها ومرجعيتها عندما تصدر على نحو فردى مزاجى للأغراض الشخصية والفردية أياً كانت!!

هذا التفسير الملتوى الملتف حول الحق المقدس لإنجيل المسيح جعلهم ينظرون أنفسهم بوصفهم وكلاء المسيح الناطقين باسمه عبر الزمان الوجودى كله... بينما كل المؤمنين باسم يسوع وكلاء سرائر اللـه!!

واستلبوا لشخوصهم الرازحة تحت الآلام مثلنا جميعاً ما للمسيح من مجد فصوروا لأنفسهم وللناس أنهم الناطقون باسمه وهو منهم براء.

وتشهد الحرمانات التى تُطْلَق على عواهنها للأسف شهادة صافعة على هذا الاجتراء، ولقد شاهدت بأم عينى قساً يحرم إمرأته المسكينة كل يوم لأى فعل تأتيه لا يكون على هواه.. ويجز رقبتها كل يوم بسكين الحرمانات الباتر على أتفه حدث تأتيه!!!
... ...
... ...
نعم.. تحيط بالمغالاة فى الكرامة للإكليروس أساطير فجة وقد آن لهذه الأساطير أن تسقط كلها..

لقد انحدرت الكرازة إلى هوة تمجيد الذات للإكليروس، وبمقتضى التفسيرات المغلوطة عينها اتجهت نحو غايات تحصنهم وتحيطهم بهالة ليست من روح اللـه بل من فكر الناس.. أبعد ما تكون عن الخلاص السماوى للعهد الجديد.

وكلما زادت المغالاة فى التكريم كلما عَقُمَتْ الرسالة أن تصل بالناس إلى المسيح.. وكلما صار الإكليروس عندئذ حائط صد عن المسيح يحجب نوره الساطع عن الشعب..

إن الزعم بأن من يسجد للبابا أو الأسقف إنما " يسجد لأقنوم الروح القدس الحال عليه" يجب أن يسقط.. ويتحتم أن يزول..

وهذه التفرقة البشرية بين سجود تعبدى وسجود تكريمى يجب أن تُمْحَى..

فالكتاب المقدس يحفظ مؤاخذات صارخة على من سجدوا لبشر ومن قبلوا السجود من بشر مثلهم:

أُم سليمان التى سجد تكريماً لها عند دخوله عليها سُجلت بحقها مؤاخذات صارخة..

وبنى حَثّ الذين سجد لهم إبراهيم تكريماً ومَلَقاً عند شرائه مغارة المكفيلة لدفن سارة كانوا وثنيين..

وعيسو الذى قبل سجود يعقوب أخيه خوفاً وهلعاً كان مستبيحاً..

وكاهن أرض مديان الذى قبل سجود موسى له تودداً ومخافة كان وثنياً..

وجميع الذين سجدوا لغير الله تكريماً أو نفاقاً أو هلعاً واجهوا فى حياتهم أخطاراً جمَّة..

فالسجود هو السجود..
ولا سجود إلا للـه..

والوصايا الأولى ستبقى قائمة إلى انتهاء العالم: "لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ" (لوقا 4: 8).

وأمام هذه الوصايا الخالدة نُصَعِّـد الاستنكارات الظاهرة فى التساؤلات التالية:

هل يصدر قرار بابوى شجاع يؤثم تقبيل أيدى الإكليروس على أى حال؟

تقبيل الأيادى ينتقل فى حالات ليست قليلة من مجرد توقير وتكريم إلى "فرض خضوع" و"تسليم"!!

بل الأدهى والأَمَرّْ أنه يفعل الأفاعيل بسيكولوجيا غير قليل من الإكليروس أنفسهم فيشوهها ويوقع الخلل بها.. الذين لوحظ فى حالات بل حصر ومواقف بلا عدد أنهم يبدأون خدمتهم بتواضع جَمّ كرسالة خالصة مجردة للـه.. لكن مرور الأيام وتمسك الأقباط اللاإرادى بتقبيل أيديهم ينتقل بالناس من التوقير إلى "الخضوع" ومن التكريم إلى "التسليم" الكلى.

فيصير رجل الدين بمقتضى ذلك منتظراً هذا التقبيل كرمز سيادة له وخضوع للآخر.. هذا التصعيد الحتمى يفرض نفسه لا إرادياً فيدمر سيكولوجيا غير قليل من الإكليروس على نحو بالغ لينقلهم من الاتضاع إلى التشامخ الروحى.. ومن الخدمة إلى السلطان.. ومن الرسالة السامية إلى الوظيفة ذات المقتضيات الدنيا..

يذكر صاحبنا أنه كان ضمن وفد لمقابلة المرشح البابوى فى أمر يخص الشعب القبطى بأكمله، وقابلهم نيافته بترحاب فقبلوا جميعهم يده إلا هو فقد سلم بتوقير وانحناءة.. وأثناء الاجتماع أدار نيافته الحوار بالاستماع إليهم جميعاً إلا صاحبنا الذى سلَّم عليه باليد دون تقبيل.. فقد تجاهله تماماً ولم يسمح بإعطائه الكلمة رغم أنه ظل يطلبها برفع يده طيلة الاجتماع.. دليلاً طبيعياً لعدم القبول من جانب نيافته.. حيث أدت سيكولوجيا الاستعلاء والسلطان والسيادة والاستكبار فعلها تلقائياً دون أن يدرى!!

بينما صوت المسيح العظيم يجلجل عبر التاريخ الكونى كله: "أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رُؤَسَاءَ الأُمَمِ يَسُودُونَهُمْ، وَالْعُظَمَاءَ يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ.فَلاَ يَكُونُ هكَذَا فِيكُمْ. بَلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ عَظِيمًا فَلْيَكُنْ لَكُمْ خَادِمًا"
(مت 20 : 25 - 26).

سيأتيك دائماً هذا الاستخراج الذى يظنونه دافعاً ونهائياً لكل من تُسَوِّل له نفسه أن يناقش تقبيل أيدى الإكليروس:

"إنها الأيدى التى تمسك بالجسد والدم الأقدسين فى الأفخارستيا .. قدس أقداس المسيحية.. جوهر الاتحاد بالرب يسوع والثبات فيه".. وإذ تمسك هذه الأيدى بالجسد والدم فهى مقدسة وتقبيلها بركة عظيمة ونعمة كبرى!!

هذه هى الفرية التى يجعلوك بها متطاولاً فاجراً ومجترئاً إذا اقتربت بمجرد التفكير من مسألة تقبيل أيدى الإكليروس... لكنهم يتجاهلون أن الإمساك بالخبز والخمر المستحالين سرائرياً للجسد والدم الأقدسين لا يستمر سوى لحظات.. تعود الأيدى التى أمسكت بهما ذاتها بعد ذلك فى الحياة اليومية لتفعل ما يفعله كل البشر من خير وشر.. من كرامة وغش.. من طُهْر ونجاسة.. مثل أيدى كل بشر!!

الكرامة الممجدة بالنعمة التى يمنحها الله لتقديس اللحظة لا يمكن أن تنسحب على كل مواقف الحياة اليومية التى يسلك فيها الإكليروس بشراً عاديين تحت الآلام ككل البشر!!

من يريد تقبيل أيديهم فليقبلها فى هذه اللحظة.. وما عدا ذلك فمدخل خداعى إلى الاستعلاء والسلطان والانخلاع المزعوم من دنيا البشر إلى دنيا أسمى يصير الناس بمقتضاها رعايا كالأغنام.

ليس الحظر فى تقبيل أيدى الإكليروس متعلقاً أبداً بالمخدومين.. لكنه يتعلق أصلاً بالتغير السيكولوجى الحتمى الذى يُفْسِد على كثيرين منهم روح الخدمة، ويجعلهم ينظرون أنفسهم كطبقة أعلى منفصلة عن الناس.. من "طينة غير طينتهم".. ومن "علياء" غير "سافلهم".. ومن "طبقية" لا تنظرهم سوى "رعاع"..لا"سواسية" و"أولاد اللـه" مثلهم!!

هل يُعْقَل أن يُدَّرَس فى كليات اللاهوت كتاب عنوانه: "لماذ نقبل يد الكاهن؟" ومكتوب على غلافه:
"يد الكاهن هى اليد المنظورة ليد السيد المسيح رئيس الكهنة الأعظم غير المنظورة فى إتمام الأسرار" لمؤلفه الأستاذ الدكتور المشعوذ الكبير رئيس قسم العبادة بالكلية الإكليريكية؟

أى تعليم هذا؟.. أى خرافة وَتَجِّن وافتئات فى باطنه؟ أى زيف يرسخه؟ وأى كرامة يسرقها من المسيح لينسبها للمؤسسة الدينية؟

إن إتمام الأسرار إن كان فعلاً خفياً للروح القدس لا يُرى ولا يُعَاين.. فأيدى الكهنة ليست أبداً تنوب عن أيدى يسوع أو تقوم مقامها.

تلك التفسيرات المغلوطة للنص المقدس التى تخلع على الإكليروس ارتفاعاً على الشعب وانفصالاً عنه واجتراء باهظاً بالكرامة المبالغ فيها يجب أن تزول..

وَلْتَسُدْ التفسيرات الصحيحة بحق الإنجيل التى تمنحهم رسالة سامية لخدمة الله والناس.

فمن هو هذا البابا الذى يأتى متجرداً فيحرق أمثال هذا الكتاب فى التعليم القبطى الأرثوذكسى، وينقيه من التعظيم الزائف للإكليروس، ويعيد المجد الذى سرقوه من المسيح إليه فى علوه ووداعته واتضاعه.

لا يسوغ أبداً أن نقول بأن يد البشر هى يد الله مهما كان هذا البشر حاملاً لرسالة تخدم الناس ليسلموا ذواتهم بإرادتهم الحرة ليد الله.

هل يصدر قرار بابوى حكيم يمنع استخدام الألقاب المبالغ فيها أبداً؟

فألقاب مثل "قداسته" و"المعظم" لا يجب أبداً أن يتم تداولها فى وصف أى أحد من الإكليروس بدءاً من البابا نفسه!!

فلا "قدوس" إلا "الله"..
ولا "مُعَظَّم" إلا "ربنا" الساكن فى السماوات..

يكفى ألقاب مثل "نيافته".. و"الحبر الجليل".. وتكفى مكانة مثل "بابا مصر وسائر أقباط المهجر".

المبالغة فى استخدام الألقاب هى باب "للتعظيم الفج" وليس "التوقير الواجب".. وهى تدمر سيكولوجيا الإكليروس مثلما تفصلهم بحدة عن الشعب، وتجعل من الكرامة الزائفة حائلاً صلباً دون أدائهم لرسالتهم فى خدمة الناس وخدمة يسوع!!

هل توضع مبادئ كنسية صارمة للتخلص من كل "سارقى الكهنوت" الذين اختلسوه فى غفلة من الزمن بمقتضى معايير اختيار فاسدة؟

وهل تسن الكنسية قواعد صارمة حاسمة بالتخلص من فرد الإكليروس الذى يثبت تحايله على رسالته المقدسة، وخداعه للشعب، وتدميره للكنيسة، ومعاندته إرادة الله الخيِّرة للخليقة كلها حين يستخدم السحر والشعوذة للسيطرة على الناس؟

على طول مسيرة العمر الجديب عاصرت كيف زكمت الأنوف رائحة السحر العفنة الذى استخدمه أحد الأساقفة وانتهى بسبب ذلك نهاية مأساوية!!

وعلى طول مسيرة العمر الجديب شاهدت كيف طال أذى السحر الأسود أبرياء من شعب الله بممارسة عنيدة لا تتوب أبداً من قساوسة ضعاف امتلأوا شراً واستعانوا بالسحر للسيطرة على البشر، ودفعوا أموال الشعب الطيب المقدمة عشوراً طائعة لكنيسة الله فى شراء تعويذة سفلية،أو إرادة شريرة، أو خطة شيطانية، أو مارسوا هم أنفسهم السحر موروثاً بكتب تناقلت إليهم عبر أيدى آثمة من جيل إلى جيل..

نعم.. هم قلة قليلة.. لكنهم يفسدون الرسالة المقدسة على نحو جسيم لا يمكن إدراكه أبداً!!

وهذه القلة القليلة الفاسدة يتعين البحث عنها وتحديدها وشلحها فوراً لتنقية الكنيسة وتنقية شعب الله..وتنقية رسالة المسيح السامية..وإننى لأسمع صوت المسيح العظيم يجلجل هادراً: "فَاعْزِلُوا الْخَبِيثَ مِنْ بَيْنِكُمْ"(1 كو 5: 13(.. إعزلوا الخبيث..

هل تنتهى هذه التفسيرات المتعسفة للنص المقدس التى يخصون أنفسهم من خلالها بمكانة عليا تجعلهم مختارى الله وحدهم دون سائر البشر؟

يستندون فى ذلك إلى أقوال حاسمة للرب يسوع: على نحو ما ورد فى صدر هذا المقال.. ويفسرونها على النحو الذى يحاكى الكهنوت اللاوى ويتنكر لكهنوت المسيح..

ويعودون القهقرى لعصر الذبائح والفروض والطقوس الغليظة بينما يبتعدون عن عصر الخبز والخمر على طقس ملكى صادق ملك ساليم أى ملكُ السلام.

هل تنتهى هذه القوانين الكنسية التى تجعل من الأسقف إمبراطوراً مدى الحياة فى مقاطعته.. ذا سلطات خطيرة لانهائية وتُحِلّ محلها قواعد تسمح بالنقل والتبديل والمساءلة.. وحتى العزل إذا اقتضى الأمر دون رجعة؟

كذلك فما يطلق عليه "البركة" من شخص الإكليروس هو فى جوهره "العناية" من الروح القدس..فنسبة البركة لأى شخص يجب أن تزول..

ليست بركة يمنحها بشر..
وليست بركة إلا من السماء!!

وغير مقبول أن يُقَال إن منح البركة من الروح القدس يفعلها الإكليروس..

يجب أن يتغير التعليم وتتغير الممارسة..

فالروح القدس يتزكى بالصلاة والبر والتقوى وخلوص القلب وطهارة الضمير.. وتلك هى البركة التى ينالها الناس ويستمطرونها من الروح القدس!!

أما إذا كانت رسالة الإكليروس هى الصلاة لأجل الجميع فلا فضل لأحد إذ يصلى..

ذلك واجبهم الأصلى.. لو قصروا عنه يدانوا أمام الله ، والله هو الذى يحاسبهم.

لا يسوغ أن يستخدم الإكليروس الأفخارستيا كسبب لسلطان مغتصب من المسيح لإذلال الشعب..

لن تكون الأفخارستيا أبداً سوطاً يلهب به الكهنة ظهر الشعب ويتخذونها وسيلة للترهيب أو الترغيب.. ولن تكون الأفخارستيا أبداً سبباً للمنع أو المنح للشركة المقدسة والثبات فى المسيح.. فيسوع المسيح هو نفسه الذى أكد مراراً وتكراراً: "لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَارًا بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ " (مت 9 : 13)، و"تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ " (مت 11 : 28)،وهو الذى أحنى السماء فتخلى عن مجده ونَزَل إلى ذلِّنا.. يسوع المسيحهو الذى دخل بيت "الأبرص" ليطهره ، ولم يمنع الخاطئة من الإقبال عليه وتقبيل قدميه، وانتشل "السامرية"، وتعشى مع "العشار".. وهو الذى قال: "مَجَّانًا أَخَذْتُمْ، مَجَّانًا أَعْطُوا " (مت 8 : 9)، فلا يخيفن الإكليروس أولئك البؤساء من الشعب الذين يرجون الله ويُقْبِلُون على خلاصه.. فيصورون أنفسهم القابضين على مفاتيح الملكوت بينما هم بشر تحت الآلام ككل الشعب.. والأنقى قلباً وسريرةبين الجميع هو الذى يقترب إلى الله!!

يذكر تاريخ الكنيسة القبطية أنه فى أحد عصور الانحطاط صار الإكليروس يتاجرون بسر الاعتراف ويبتزون الناس، فما كان من البابا العظيم الذى ترأس الكنيسة حينها إلا أن أصدر توجيهاً صارماً فى الإكليروس كلهم أن لا يقتربوا أبداً من الاعتراف، وأصدر توجيهاً صارماً للشعب بأن يعترفوا للـه فى الصلاة أثناء القداس حين يقوم الكاهن بالتبخير بالشورية.. وقد عُرِف تاريخياً "باعتراف الشورية".

هذا البابا العظيم هو إحدى فلتات الاستنارة بحق الإنجيل وبشخص المسيح فى التاريخ الكنسى كله!!

أما القول المقدس بأن: " مَنْ أَكَلَ هذَا الْخُبْزَ، أَوْ شَرِبَ كَأْسَ الرَّبِّ، بِدُونِ اسْتِحْقَاق، يَكُونُ مُجْرِمًا فِي جَسَدِ الرَّبِّ وَدَمِهِ" (1 كو 11 : 29) فينسحب على الضمير الخالص للتوبة لمن يتقدم للشركة بالمسيح.. إذ وهو خاطئ مهما بلغت خطيته مدعو للمسيح.. لكنه مدعو بضمير خالص للتوبة.. الشرط الجوهرى كى لا يكون مجرماً فى الجسد والدم الأقدسين.

إن الكنيسة هى جسد المسيح السرى المنظور فى المؤمنين جميعاً.. ولا سلطان على هذا الجسد إلا لصاحب الجسد عينه.. فلقد "أُخضع كل شئ تحت قدميه".. "وإياه جعل رأساً فوق كل شئ للكنيسة التى هى جسده" (أفس 1 : 22 و 23). "وَهُوَ أَعْطَى الْبَعْضَ أَنْ يَكُونُوا رُسُلاً، وَالْبَعْضَ أَنْبِيَاءَ، وَالْبَعْضَ مُبَشِّرِينَ، وَالْبَعْضَ رُعَاةً وَمُعَلِّمِينَ، لأَجْلِ تَكْمِيلِ الْقِدِّيسِينَ لِعَمَلِ الْخِدْمَةِ، لِبُنْيَانِ جَسَدِ الْمَسِيحِ"(أفس 4 : 11 و 12).

"أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ، وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟.. إِنْ كَانَ أَحَدٌ يُفْسِدُ هَيْكَلَ اللهِ فَسَيُفْسِدُهُ اللهُ، لأَنَّ هَيْكَلَ اللهِ مُقَدَّسٌ الَّذِي أَنْتُمْ هُوَ" (اكو 3 : 16 و 17).. فإذ يتناول الجميع من جسد واحد ويتقدسون بدم واحد صار الكل معاً وحدة واحدة.. هيكل الجسد الواحد.. فلا وسيط أبداً بين الناس ويسوع.. ولا وكيل أبداً بين اللـه والشعب..

وإذا كان الرسول بولس قد قال: " فَلْيَحْسِبْنَا الإِنْسَانُ كَخُدَّامِ الْمَسِيحِ، وَوُكَلاَءِ سَرَائِرِ اللهِ" (اكو 4 : 2).. فلقد قال قبلها: "...كُلُّ شَيْءٍ لَكُمْ. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلِلْمَسِيحِ"(اكو 3 : 22 و23).. فأما "السرائر" فهى الفعل غير المنظور للروح القدس للجميع، والجميع وكلاء السرائر، لأن الجميع للمسيح.

مرض عضال آخر يمسك بتلابيب الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لا يريد أن يتركها أبداً..

فلقد بدأت الكنيسة كجماعة للذين آمنوا بيسوع إلهاً ظاهراً فى الجسد قاهراً الموتَ بقيامته.. بدأت بتنظيم يسير لأجل الانضباط الروحى لأن "الله إله نظام وليس إله تشويش" ، لكنها ما لبثت أن اتجهت نحو الهيكلية المؤسسية.. وإذ شرعت فى "التهيكل" أو "التمأسُسْ" صارت تبتعد رويداً رويداً عن جوهر الديانة.. وجوهر الحب!!

ومنذ صارت الكنيسة مؤسسة صار خطر "المؤسسة" يحاصرها ويكاد يودى بها فى كل لحظة..

وقد تلبس هذا "التهيكل" أو "التمأسُسّ" بأمور الحياة الدنيا:من الجرى وراء الكرامة الزائفة، والسعى إلى المال خوفاً من الفاقة حتى صار المال وحشاً يفترس الإكليروس والكنيسة كل يوم.. إلى نزاعات "السلطة" ورئاسات "السفاسف" والاهتمام الفائق بشئون "التراب".

لقد صارت "المؤسسة" مرضاً عضالاً فى الكنيسة يكاد يقعدها بشلل كامل عن وظيفتها الروحية..

ذلك لأن "المؤسسة" دون حوكمة رشيدة.. ودون وإعلاء للروح على الجسد..تنقلب إلى دولاب كابح يشل الحركة ويطفئ الروح..

ألا فلتسقط إلى غير رجعة كل ظواهر الكرامة الفجة المقطوعة افتراءً وافتئاتاً من كرامة المسيح..

ولتوأد إلى غير رجعة كل التمجيدات الخادعة المغتصبة قهراً من مجد المسيح..
ولتدفن إلى أبد الأبد كل ممارساتمصنوعة لفرض سلطان البشر الإكليروس على البشر شعب الله..

فلا نواب للمسيح على الأرض..
ولا ورثة للرسل فى العالم..
ولا كهنوت لاوى يسود الناس..
ولا قداسة أبداً إلا لله..

فالمسيح دعا جميع المؤمنين به "إخوته" دون تفرقة، والرسل أسسوا الكنائس لجماعة المؤمنين ورثة الملكوت السماوى بالجهاد الحسن، أسسوا الكهنوت الجديد على رتبة ملكى صادق ملك السلام الذى غسل الأرجل خدمة وتواضعاً ووداعة..والمؤمنون جميعاً مدعوون قديسين لأجل الله القدوس.. ليسقط كل سلطان أرضى ردئ ومنافق..وليبق سلطان الحب.. والرب السيد هو السيد للخليقة كلها.."... وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلاَ تُدْعَوْا سَيِّدِى".

فَلْيَعْلُ إعادة البناء داخل الكنيسة على نقائص الممارسات اللاروحية للإكليروس التى دمرت الوعى بالمسيح، وليكن الأساس هو إعادة اكتشاف الحقوق الكلية للشعب القبطى فى شخص المسيح دون إدعاء لرئاسات تنوب عنه، أو تمنح البركة دون الروح القدس، أو تصنع من نفسها حجاباً صفيقاً بين المسيح والناس.

ولئلا يُساء الفهم عمداً يتعين أن نسأل:

هل يعنى ذلك المنادة بعدم الكرامة للإكليروس؟

حــاشـــا..

فلهم الكرامة كما للأب وليس للوسيط بين الله والناس..

ولهم الكرامة كما للمعلم وليس للناطق باسم المسيح أو الوكيل عنه..

ولهم الكرامة كما للمرشدين وليس للمتسلطين..

ولهم الكرامة بوصف وظيفتهم التى كُرِّسُوا لها، وهى أن يصلوا لأجل السماويات وليس كمانحين للروح القدس.. كمصلين ومتوسلين له كى يقدس.. وليس كمتحكمين فى الروح يعطونها لمن شاءوا متى شاءوا..

لهم الكرامة كرؤساء دينيين وليسوا كنواب للمسيح على الأرض ولا كورثة للرسل.. ما يخلع عليهم قداسة تُختَلَس من قداسة اللـه، وشبه عصمة تُغْتَصَب من مجد المسيح.

كل تفسير يعطى كرامة مبالغ فيها للإكليروس هو تفسير ملعون من اللـه، وعلى الكنيسة أن تراجع كل تفسيراتها فوراً..

وكل تفسير يَفصِّلْ الناس عن المسيح ويضع الإكليروس بينهم وبين عُلُوِّه وجلاله ليس من الحق وليس من المسيح.

فَلْيُسمَع إذن جلياً مدوياً صوت المسيح العظيم: "... وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلاَ تُدْعَوْا سَيِّدِى ".

فهل يتكرر هذا البابا العظيم - الذى حَرَّم الاعتراف على الإكليروس فى عهود الإنحطاط - فى تاريخ الكنسية؟

هل يتكرر هذا البابا الذى يدرك "الحق"فيدرك "اللـه" فيصدر قراراً يجتث كل احتمالات الفساد وتغلغله واستشرائه؟

أين هو ذاك البابا الجسور؟
الأمين للمسيح؟
المحتضن للحق؟
المتسربل بالتجرد؟
الحارس للأمانة؟

الذى يدوس كل مجد بشرى ويختفى تماماً ليظهر المسيح؟

الذى يلهج قلبه نهاراً وليلاً: "يَنْبَغِي أَنَّ ذلِكَ يَزِيدُ وَأَنِّي أَنَا أَنْقُصُ " (يوحنا 3 : 30)

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع