بقلم : يوسف سيدهم
ظاهرة محمد صلاح لاعب الكرة المصري والمحترف بنادي ليفربول الإنجليزي باتت تحتل مساحات شبه يومية في صحفنا ومثلها في الصحافة الإنجليزية والإعلام الكروي العالمي بشكل عام… وهي بالقطع ظاهرة يفخر بها كل مصري لما تعكسه من موهبة فذة وإنجازات رائعة علي المستطيل الأخضر تنتسب إلي الهوية المصرية وتنتزع آهات المشجعين واللاعبين والمدربين, علاوة علي عضوية اللاعب في الفريق القومي المصري وتطلع المصريين بكل الأمل لمشاركته في منافسات كأس العالم لكرة القدم في روسيا الصيف القادم مرتديا فانلة مصر وحاملا رايتها.
محمد صلاح لم يعرفه الكثيرون قبل انتقاله لنادي ليفربول الإنجليزي والدوي الذي أحدثته إنجازاته وانتصاراته وأهدافه مع الفريق… حيث بدأ مشواره مع كرة القدم عام 2009 في صفوف نادي المقاولون العرب ليحترف عام 2012 في فريق بازل السويسري, ثم عام 2014 في فريق تشيلسي الإنجليزي, وبعده ينتقل عام 2015 إلي فيورنتينا الإيطالي, وعام 2016 إلي روما الإيطالي, وأخيرا عام 2017 يختطفه فريق ليفربول الإنجليزي… عبر مسيرة احتراف صقلت موهبته وجعلت منه مهاجما من طراز رفيع تعمل له الفرق المنافسة ومدربوها ألف حساب وتتصارع الفرق العريقة الأوروبية لتفوز به, حتي وصل سعره في بورصة لاعبي كرة القدم إلي 80 مليون يورو, وتتردد الأقاويل بقوة عن انتقاله إلي نادي ريال مدريد الإسباني.
وبجانب موهبة محمد صلاح الفذة لا يمكن إغفال ما يتمتع به من أخلاق رفيعة علي المستطيل الأخضر سواء مع زملائه في الفريق أو مع سائر اللاعبين في الفرق المنافسة, وهو لاعب من طراز رفيع يندر أن يلجأ للعنف أو يغضب أو يفقد أعصابه أو يشتبك مع الخصم, كما أن أسلوبه في التعبير عن فرحته لدي إحرازه هدفا يتسم بالوقار واللياقة بشكل ينتزع التقدير والإعجاب… وهو ببساطة يجسد شخصية الكثير من اللاعبين المحترفين العالميين الذين يمتلكون الموهبة واللياقة مع الأخلاق الرفيعة والالتزام والذين يترفعون عن القلة من اللاعبين التي تلجأ إلي العنف وتستسلم للانفعالات والغضب وتثير المشاكل وتتعرض للجزاءات والعقوبات سواء من ناديها أو من التحكيم أو من اللوائح الحاكمة في عالم كرة القدم… أي أن محمد صلاح ببساطة يعد نموذجا يحتذي للشباب وعلي الأخص في إخلاصه للرياضة واعتزازه بمصريته وابتعاده عن الانجراف وراء كل أشكال التطرف أو التعصب أو الفرز السياسي أو الديني.
لذلك أشفقت عليه من بدء تسلل نعرة إعلامية تربط بين نجاحه ودينه الإسلامي… نعرة ترجع إنجازاته إلي الإسلام وتري في رفع يديه إلي السماء وسجوده علي أرض الملعب عقب إحرازه هدفا ظاهرة إسلامية, وتصور أن ولع الجماهير به وتشجيعها الهستيري له بات لا ينفصل عن كونه الفتي المسلم الفريد الذي تتغني الجموع به ويعتنق الكثيرون دين السلام بفضله… وكأن محمد صلاح هو ظاهرة غير مسبوقة في عالم كرة القدم وظاهرة لن تتكرر إلا لأنها مرتبطة بالإسلام… وكأن محمد صلاح يخلو أداؤه وكفاحه علي المستطيل الأخضر من محاولات غير موفقة أو أهداف ضائعة… وكأن سائر اللاعبين المحترفين في جميع فرق كرة القدم العالمية لا يمتلكون مواهب فذة ولا يسجلون أهدافا ولا يرفعون أياديهم إلي السماء ولا يسجدون علي الأرض ولا يرسم بعضهم علامة الصليب ولا يتحلون بأخلاق رفيعة تفرضها القيم والمثل التي يتحلون بها علاوة علي قيود اللوائح الصارمة التي تكبلهم وتكبح جماح انفلاتهم في عالم الاحتراف.
إنه أمر مرعب حقا أن ينزع الإعلام إلي ضخ صورة دينية عنصرية ويلصقها بمحمد صلاح في عقول محبيه ومشجعيه… أمر خطير أن يتخلي البعض عن الوسطية والاعتدال ليرسم صورة يعيشها تضفي مدلولات مقحمة علي الرياضة ومصطفية الإسلام وحده بكل نجاح أو تميز أو إنجاز فذ… وقبل أن أضع تعليقي الأخير علي ما قرأت في هذا الإطار أنقل لكم مقاطع منه:
** لمسات صلاح الروحانية تذهب بعقول الشياطين!!
** وسط حالة من التركيز الروحاني الكامل تغلغلت وسائل الإعلام الإنجليزية في المشهد الإيماني الرائع للنجوم المسلمين في الدوري الإنجليزي لكرة القدم بقيادة نجم مصر وفريق ليفربول محمد صلاح ومعه كل من مسعود أوزبل وموسي ديمبل ورياض محرز وبول بوجبا, وتناولت بكل دقة ما تفعله هذه الكوكبة داخل الملعب من التزام ديني!!
** إيمان هؤلاء الخمسة يبدو واضحا في سلوكهم داخل المستطيل الأخضر, من خلال لحظة الصمت ورفع أيديهم للسماء للدعاء والابتهال, بالإضافة إلي السجود لله شكرا بعد كل هدف, وبالنسبة للنجم المصري فإن صور إيمانه باتت إلهاما لبعض مشجعيه!!
*** هذه مجرد مقاطع من مظاهرة مخيفة منشورة عن ارتباط كل الموهبة وكل الإنجاز وكل القيم والأخلاقيات الرفيعة في فريق ليفربول بمحمد صلاح وزملائه المسلمين وروحانياتهم دونا عن موهبة وإنجاز وقيم وأخلاقيات زملائهم أيا كانت أعراقهم أو جنسياتهم أو دياناتهم… وأعترف أني خفت وتوجست وقلقت وأشفقت علي محمد صلاح نفسه من تسلل ذلك إلي عقله وقلبه وهو شاب صغير موهوب وواعد وغير محصن من أن يتيه زهوا بتلك النعرة العنصرية ويضل طريقه… أتعرفون لماذا توجست؟… لأن لنا في مصر سابقة مماثلة راح ضحيتها نجم موهوب ومرموق وصاحب إنجازات ملفتة طالما تغنت بها الجماهير… هو محمد أبوتريكة الذي لا أعفي الإعلام من مسئولية سقوطه في فخ التطرف الديني والانجراف وراء جماعة الإخوان المسلمين وتعضيده التمويلي لها حتي إنه يمثل حاليا أمام القضاء المصري في محاولة التبرئة ساحته من الارتباط بالجماعة… إننا للأسف يبدو أننا لا ندرك أن ما نفعله مع محمد صلاح إنما نستنسخ فيه محمد أبوتريكة!!… وهذا حرام في حقه وفي حق مصر علي السواء.