«لو جرى لمصر حاجة مش هينفعنا الذهب»!
مقالات مختارة | حمدي رزق
الاثنين ١٢ مارس ٢٠١٨
تبرعت بذهبها ثم دعت نسوة المدينة للتبرع، قائلة: «أقول لسيدات مصر تبرعن بذهبكن، فلو جرى لمصر حاجة مش هينفعنا الذهب، ولو كل فنان عمل حفلة وتبرع بها هنقدر نجمع اللى نبنى به بلدنا».
السيدة فتحية محمد إسماعيل، تبرعت بكل ذهبها الذى تبلغ قيمته نحو 260 ألف جنيه، إضافة إلى مبلغ 10 آلاف جنيه أخرى، لمصلحة «صندوق تحيا مصر»، وقالت «الذهب اللى عندى ليس أغلى من مصر ومش هينفعنى وبعدين ربنا يعوضنى خير عن الذهب، بس بلدنا تعيش فى أمن وأمان واستقرار وسلام.. وتبقى أد الدنيا».
بلاغة السيدة فتحية تمحق كذب المتنطعين، تبرع السيدة فتحية قربى إلى الوطن وأهله وناسه من بعد الله سبحانه وتعالى- نموذج ومثال، ست الكل لا تبغى شهرة ولا طلبت لقاء الرئيس، ولا حاجة تذكر، قناعة وإيثار وفضل من صاحبة الفضل.
فليصطفها الرئيس فى حضرته، ويدعُها إلى قصر الاتحادية من فوره، ويلقها مُقبّلاً رأسها امتناناً وشكراً وعرفاناً، وفعلها قبلاً وأكرم نسوة من المدينة فى ثناء رئاسى مستحق على حسن صنيعهن، نسوة مصر يضربن مثلاً، يضربن الأمثال جميعاً.
شوف الجملة المعبرة، «لو جرى لمصر حاجة مش هينفعنا الذهب» خذوا الحكمة من أفواه البسطاء، يا من تبيعون وتشترون فى عرض مصر فى أسواق النخاسة المضروبة فى الداخل والخارج، الست فتحية، أم المصريين، تعطى النافرين درساً، وتلقم الكارهين حجراً بحسن صنيعها، القضية مش الدهب، كلامها يوزن الدهب، كلامها يبنى وطن، طوبة فضة وطوبة دهب، وتبرعت بذهبها وزيادة.
الست فتحية من النساء الكمّل، عقل يوزن بلد، اسمع وتمعن وأعمل عقلك، تقول صادقة: «محدش هيساعد على بناء مصر إلا شعبها، وجوايا انتماء لبلدى، ولو بلدى جرى لها حاجة مش هلاقى بلد أنتمى إليه.. تبرعكم لتحيا مصر من أجل تنمية مصر، أفضل من الحصول على القروض من الخارج حتى لا يتم دفع فائدة نتيجة الاقتراض».
ومنين نجيب ناس لمعناة الكلام يتلوه، رمزية تبرع الست فتحية خليق بالتدبر، رد بليغ على حملات إخوانية عقورة تستهدف صندوق الفقراء والمهمشين واللى مش لاقيين اللضا، ويعمدون والتابعون إلى تجفيف موارده التى تقوم بالأساس على تبرعات البسطاء مثل الست فتحية، وفى القسم الكبير منها هى تحويشة العمر، قوام الصندوق هو التبرعات الصغيرة (جنيه وخمسة جنيهات) بعد أن أشاح عنه رجال الأعمال وكبار الأثرياء والميسورون إلا المحترمين، رغم النداءات الرئاسية، والرجوات لملء الصندوق ليفيض على الفقراء والمحرومين بالخير العميم.
أثبتت تجربة الصندوق أمراً مهماً، أنها لا تهون إلا على الفقير، والمصرى الطيب يطَلَّعها من بقه ليُطعم غيره، وهؤلاء المؤثرون الأفاضل يتمثلون قولاً منزلاً من السماء: «وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ»، ويثبت أيضاً أن الماليين الكبار إلا من فتح الله عليهم، لا يعنون كثيراً بالتبرعات التى تقيهم شر ثورة الجياع، وأنهم تقاعسوا ولم يلبوا النداء، ومَن تبرع منهم مشكورا أخشى أن يكون ذراً للرماد فى العيون، حتى يُقال إنه تبرع، وذهب للتصوير مع كبار المسؤولين، باعتباره المحسن الكريم.
الإقبال الرائع من الفقراء على التبرع بالذهب وبالجنيه والخمسة جنيهات- وهُمَّه مش لاقيين اللضا- ويترجون الله فى حق النشوق- يؤشر إلى حالة تفاعل وطنية هائلة مع دعوات رئاسية صادقة. واحتراساً، لا ننزع الوطنية عن المُقَتِّرين، ولكن نقول إن للفقراء حقاً فى أموال الأثرياء، وخُذ من أموالهم، على الأقل تُطهرهم وتُزكيهم، خشية على هؤلاء من غضبة الفقراء، عليهم أن يسارعوا إلى الخيرات، واللُّقَم تُزيح النِّقَم، كما يقولون.
نقلا عن المصري اليوم