أن تكون (نجيب) ف نفسك كده (وساويرس)!
مقالات مختارة | دينا عبدالكريم
الاثنين ١٢ مارس ٢٠١٨
فى المجتمعات الأقل تقدما.. هناك حالة تربص اجتماعى بالأغنياء.. حالة خلقتها ظروف غياب العدالة الاجتماعية أحيانا وصنعتها الصورة الذهنية التى رسمها الإعلام عن شخصية الغنى- تصويره فى أغلب الأحيان أنه رجل فاسد!- إظهاره وتحميله كل مشاكل المجتمع من خلال جمل ركيكة مكررة (انتوا اللى مكوشين على فلوس البلد)، وتحولت تلك الإخفاقات المتكررة من المجتمع ومن الدراما بمرور الوقت إلى تربص اجتماعى مريض بالأغنياء!!
فتخطى الأمر الحالة الفردية الساذجة من حسابات- ده بيكسب كام ف الشهر! أو بيعمل كام ف اليوم! وده معاه فلوس قد كده! إلى حقد اجتماعى بدعوى العدالة فى بعض العصور، بدءا من تأميم الممتلكات وصولا إلى التعيير بنقص الوطنية والانتماء فقط لأنه غنى!.
لم تقف الدائرة عند الأغنياء بل انسحبت إلى الناجح بصورة عامة.. فالناجح موصوم ويدفع فاتورة مضاعفة، فاتورة نجاحه وفاتورة فشل الآخرين «بحسب التعبير الذى استخدمه د. شريف أبوالنجا، مدير مستشفى ٥٧٣٥٧ فى أحد حواراته» ووجدته تعبيرا واقعيا جدا.. ففى المجتمعات التى لا تقدم فرصا عادلة لمواطنيها، فالناجح فاتورته باهظة، فهو مطالب ببذل مجهود مضاعف عشرات المرات وتخطى مئات العقبات والتعامل يوميا مع مئات الخيبات حتى ينجح، ثم بعد أن ينجح يدفع ثمن فشل الآخرين بحرب وهجمات غير مبررة تستهدف التشكيك فى نجاحه أو القضاء عليه تماما حتى يصبح (محدش أحسن من حد!). حتى المرأة الناجحة يعتبر المجتمع أن أقصى دعم يمكن أن تحصل عليه هو أن يسمح لها الزوج بالنجاح فهذا ما يعتبرونه قمة الكرم من الرجل!.
وتواجه اتهامات وصورا ذهنية مشوهة، معظمها من نساء مثلها مثل أَن نجاحها عمليا يعنى بالضرورة إخفاقها مع أبنائها أو إهمالها لزوجها، بينما تدفع هى وحدها الفاتورة الباهظة من وقتها وأعصابها وصحتها فى الحفاظ على كل هذا لأن هذا هو التعريف الحقيقى للنجاح المتوازن!.
قوة هذه الأنماط الأسطورية التى صنعناها تأتى من تحولها أحيانا إلى حقيقة.. فكيف ننكر أن بعض الأغنياء فاسدون ومتعجرفون! وأن بعض الناجحين أنانيون ووصوليون!.
ويأتى فى وسط هذه الصور المتباينة والمهزوزة عند البعض نجيب ساويرس نموذجا لرجل ناجح استطاع أن يخلق تلك الحالة من التصالح مع النجاح ومع الثروة.
المتابع لنجيب ساويرس على مواقع التواصل سيجد أنه يتعامل مع رجل طبيعى فى زمن أفقد فيه النجاح والثروة البعض كثيرا من إنسانيتهم وخفة ظلهم وروحهم البسيطة الواثقة.
هذا الرجل يضرب نموذجا للتحقق.. فأن تكون شخصا (متحققا) فستتوقف عن محاولة إثبات أى شىء لأى أحد ولم تعد تشغلك الصورة التى يرسمها الناس عنك ولن تهتم بما يجب أن تقول قدر ما تريد حقا أن تقول!.
فالرجل يتعامل مع أسئلة الناس له بخفة ظل استثنائية وتحول عند الشباب إلى صديق افتراضى يسألونه ويتمنون أن يتلقوا ردا من نجيب ساويرس شخصيا.. والجميل المبهج أنهم يحصلون غالبا عليه!.
لم أعمل قط مع نجيب ساويرس لكنى على مدار عملى بالإعلام حاورته مرة وراسلته مرة وفى كلتا المرتين كان بسيطا إلى الحد الذى يبهجك، ومهما بالقدر الذى يبهرك.
هذه الخلطة من البساطة والخبرة من النجاح غير العادى واحتفاظ الشخص بكونه (عاديا) فى بعض الأوقات.. هى حالة من التوازن والبهجة يحتاج أن يتعلمها الكثيرون.. فأن تكون نجيب ساويرس كده ف نفسك، يعنى ألا يرفعك النجاح عن الناس وألا تسرق منك الثروة تفاصيل كونك إنسانا.
أكتب مقالى هذا بمناسبة وجود اسم نجيب ساويرس فى مركز متقدم ضمن قائمة مجلة فوربس لأغنى ١٠٠ شخصية فى العالم.
ووجوده فى نفس الوقت مازحا مع شاب على تويتر حين سأله ماذا ستفعل لو أصبح لديك مليون جنيه؟ فأجابه: «هاقعد أعيط !».
لقد أصبح هذا الرجل من مسببات البهجة عندى على السوشيال ميديا.
فأن تكون نجيب ساويرس كده ف نفسك! يعنى أن تكون إنسانا طبيعيا قادرا على اختيار الحياة رغم كل الأنماط المعدة مسبقا لتعليبك داخل فكرة وحصارك داخل صورة!.
نقلا عن المصري اليوم