الأقباط متحدون - في ذكرى رحيل البابا شنودة الثالث.... باب العرب وشاعرهم!!
  • ٠٤:٠٣
  • السبت , ١٧ مارس ٢٠١٨
English version

في ذكرى رحيل البابا شنودة الثالث.... باب العرب وشاعرهم!!

د. ماجد عزت اسرائيل

مساحة رأي

٠٤: ٠٩ ص +02:00 EET

السبت ١٧ مارس ٢٠١٨

البابا شنودة الثالث
البابا شنودة الثالث

 د.ماجد عزت إسرائيل

 
  البابا شنودة الثالث البطريرك (1971-2012م) البطريرك (117) اسمه العلمانى (قبل الرهبنة) نظير جيد روفائيل،وقد ولد فى 3 أغسطس 1923م، بقرية سلام التابعة لمحافظة أسيوط ، تلقى تعليمه الأولى الأبتدائى والأعدادى،بمدارس عديدة من مدن مصر بسبب طبيعة عمل أخيه الأكبر التي فرضت عليه الانتقال من مكان لآخر، فهو الذى تولى تربيته بعد  وفاة والديه، وإلتحق بالمرحلة الثانوية بمدرسة شبرا الثانوية،ثم إلتحــق بجامعة الـملك فـؤاد الأول (جامـعة القاهرة حاليا) وتخرج فى قسـم التاريخ،فى عام 1947م،ثم إلتحق بكــلية الضباط الأحتياط بسلاح الأشارة بالقـوات المسلحة. 
    وفى أواخر منتصف القرن العشرين ذهب للرهبنة بدير السريان بمنطقة وادى النـطرون، بمحافظة البحيرة،وتمت رسامته راهبــــاُ،ثم أسقـــفاً للتعليم العام،ثم بطريريكاً ليصبح البابا رقـم (117) فى 14 نوفمبر 1971م، وكانت الرهبنة فى حياته تعنى حيـــاة الوحـدة والزهـــد والنسك والصلاة والتســبيح، وهي فلسفـــة الـديانة المسيحية، والجامعة التي تـخرج فيها مـئات البطاركـة والأساقفـة الذين قـادوا الكنيسة بالحكمة، وتنيـح (توفى) فى يوم السبت الموافـق 17 مارس 2012م،بعد أن قـضى على الأرض نحو  14 يــــوم و7 شهور و88 سنة.ودفن بدير الأنبا بيشوى – حاليًا مزار البابا شنودة الثالث – في يوم 20 مارس 2012م،وهناك لابد أن نشيد بالجهود التى بذلتها القوات المسلحة المصرية فى تنظيم مراسم الصلاة ونقله بطائرة خاصة لبرية شيهيت،ولا نبالغ في القول أن نحو ما يقري من ثلاثة ملايين نسمه من طوائف مصر ودعته في مشهد تاريخى ،وتابع الملاين عبر الفضائيات لمدة ثرث أيام طقوس جنازة البطريرك.

ورغم أن البابا شنودة الثالث كان هو المسئول عن كل شيء، إلا أنه لم يكن  يمتلك اتخاذ القرار منفرداً، لان الكنيسة القبـــــطية تتميز –على مر العصور – بمسحة ديمقراطية لا تخلو منها عملية صنع القرار في هذه المؤسسة الدينية، فعلى الرغم من احتلال البابا قمـة الهرم القيادي في المؤسسة الكنيسة، وما له من قداسة دينية إلا أنه كان لا يستطيع الانفراد باتخاذ القرار، ويرجع ذلك إلى أن قداسته قدرمسؤليته كـ "رئيس الأساقـفة "،منفذاً  وثيقـة تكريز الباباــ من قـــــراءات طقس رسامة البـــــطريرك ــ،والتى تقول على لسان بعض الأساقفة : " لكي يرعانا بكل الرأفـة والوداعـة "،ونشر الكرازة فى شتى بقاع المسكونة، فخدم شعبه بأمانه.
 
وفي أواخر القرن العشرين نال البابا شنودة الثالث مكانة كبيرة لدى المسلمين على مستوى مصر والعالم العربي لمواقفـــه الوطنية الـبارزة،نـــذكر منها على سبيل المثال رفضه التطبيع مع إسرائيل،وزيارة القـــدس إلا مع المسلمين، وإيمــانه التام بالحقوق المشروعة للفلسطنيين، فلقبوه بـ ( بابا العرب) و لايزال يعرف بهذا اللقب.
 
 وقد ساهم البابا شنودة الثالث فى تـــقوية جــسور المحبة بين المملكة  العربية السعودية ومصر،حيث ذكر الدكتور "مصطفى الفقى" فى حوار مع جريـــدة الأهــــرام المصرية بعنوان" خزائن واسرار البابا" قائلاً"  فقـــد جاء الأمير "سلــــمان آل سعود" وزير الدفــــاع السعودى (أمير الرياض فى ذلك الوقت)،واتصل  بالرئاسة وقـــال لى : سأقــيم معرض "الرياض اليوم" ولى طلب أن يكون قداسة البابا شنودة الثالث موجودا، فأدركت أهمية هذا الرجل الذى تمكن من حل "الحساسية التاريخية" للأقبـاط والعروبة" وقــــد زارت الأميرة" بسمـــة آل سعود" البابا لدعوته للمشاركة فى الهيئة الدولية التى تنظمها لمساعدة الشعوب خاصة المرأة والطفل،وأعربت عن سعادتها بزيارته وواصفة إيـــــاه،بأنه بابا العرب، كما حرص سفير السعودية لدى مصر "أحــــمد قــــطان"على التواصل الدائم مع البابا.
 
ونعت المملكة العربية السعودية قداسة البابا شنودة بعد رحيله قائله "ينعى شعب بلاد الحرمين ببالغ الحزن والأسى سماحة البابا شنودة الثالث، بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية المصرية، الذي وافته المنية أمس السبت، سائلين الله له الرحمة والمغفرة،ويتقـــدم شعب بلاد الحرمين في هـــذا المصاب الجلل لكل الإخــوة المسيحيين عامة والمصريين خاصة بأحر التعازي وصادق المواساة،إنا لله وإنا إليه راجعون،الحق فوق القوة والأمة والوطن فوق الحكومة، كما هو معروف، سبحان الله وبحمده،لا حــــول ولا قوة إلا بالله"،وقــــدم سفيرها بالقاهرة التعازى لأعضاء المجمع المقدس والقائمقام البطريركى.
 
 وكان لهذه العلاقات أثرها في عهد قداسة البابا تواضروس الثانى الحالى (بابا الكنيسة الأرثوذكسية منذ نوفمبر 2012م وحتى كتابة هذه السطور .. أطال الله عمره سنين عدة وأزمنة سلالمية )، فقد زار البابا تواضروس الثانى  فى إبريل 2016م الملك سلمان في أول لقاء من نوعه في التاريخ، وفى  5 مارس 2018م زار الأمير محمد بن سلمان البابا تواضروس ودعى قداسته لزيارة المملكة العربية السعودية فى تطور جديد لم تشهده العلاقات ما بين الكنيسة والسعودية من قبل ذلك.
 
 على أية حال، حرص الرئيس الفلسطينى "ياسر عرفات" على زيارة البابا شنودة الثالث،عندما كان يأتى إلى مدينة القاهرة، تقديراً لقداسته على إيمانه  ومساندته للشعب الفلسطينى، وشارك وفد من السلطة الفلسطينية فى تقديم واجب العزاء بالكاتدرائية المرقسية بالقاهرة.
 
كما دعا الرئيس الليبى معمر القذافى قداسة البابا شنودة الثالث فى أوائل أكتوبر 2003م، لتسلم قلادة جائزة القذافي الدولية لحــــــقوق الانسان، لهذا العام تقديرا لمواقفه الوطنية وإسهاماته الفكرية في ترسيخ التسامح الديني والحوار البناء بين الاديان‏.‏وأكد" نوري حميدي" المنسق العام للجنة الشعبية الدولية لجائزة القذافي أن تكريم البابا شنودة هذا العام جاء تقديرا لمــواقفه من قضايا الحرية والسلام وتــــقديرا لمكانة مصر وشعبها ورئيسها السابق "محمد حسني مبارك‏".
 
   ووصف الرئيس الجزائري السابق"أحمد بن بيللا" ورئيس اللجنة الدولية لجائزة القذافي تكريم البابا شنودة الثالث، بأنه يعد تكريما للعلاقات التاريخية بين مصر وليبيا، ويعــد تكريما لمصر بكل قدراتها وطموحاتها ودورها في محيطها العربي والافريقي والاسلامي والمسيحي‏.‏ودعا سمو الشيخ"محمد بن زايد آل نهيان" رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة قداسة البابا شنودة الثالث، لأفتتاح كاتدرائية الأقباط الأرثوذكس فى أبـوظبى، فألقى خلالها محاضرة أشاد فيها بمناخ التسامح الديني وأجواء المــودة والتعايش الإنساني والحضاري، التي تنعم بها دولة الإمارات، مما جعلها مكاناً آمناً، ومُفضّلاً لكل محب للإنسانية والسلام. وبعد رحيله نعته دولة الإمارات المتحدة حكومة وشعباً على لسان سمو الشيخ"محمد بن راشد آل مكتوم  قائلاً: ".. اننا نشاطركم الحزن العــــميق برحيل البابا شنودة، الذي كان مثالا لرجل الدين الذي يؤمن بالتسامح والتعايش بين الطوائف والاديان، ويحرص على وحدة الشعب المصر الشقيق". وفى 17 مارس 2012م تنيح قداسة البابا "شنودة الثالث"" البـــــــطريرك (117)، وإذاعت شتى الفضائيات العربية والأجنبية خبر نياحته قائلة: "توفى بابا العرب"، واعـــــربت مؤسسة الرئاسة عن حزنها لوفاته، وحضر وفد من الرئاسة برئاسة "محمد حسين طنطاوى"،والفريق "سامى عنان" لتقديم العزاء للقائمقام البطريركى، وأعضاء المجمع المقدس.
 
   كما كان قداسة الراحل البابا شنودة الثالث معروف لدي العالم العربى بحبه للشعر وكتابته فذكر قداسته قائلاً:" لقد بدأت أقول الشعر وأنا في مرحلة التعليم الثانوى في عام 1938م ولكنني ما كنت أسميه أبداً شعراً، إذ أنني لم أكن قد درست قواعد الشعر بعد، وكنت أعتبره نوعاً من الشعر المنثور. إلا أنني في السنة الثالثة الثانوية بدأ اشتياقي لأن أدرس قواعد الشعر، وفعلاً وجدت كتاباً اسمه "أهدى سبيل إلى علمي الخليل" في دار الكتب، وكنت أذهب إلى دار الكتب يومياً من الصباح، وأقضي الصباح كله مع هذا الكتاب إلى الظهيرة، فأعود إلى البيت، وأرجع مرة أخرى بعد الظهر إلى دار الكتب كي أكمل دراستي في هذا الكتاب،ومع أن البعض كانوا يقولون: إن قواعد الشعر صعبة، إلا أنني درستها تماماً، وبسهولة من فرط اشتياقي".. ويتابع بابا العرب حديثه عن تجربته الشعرية قائلاً: "كنت بكتب الشعر الرصين، وكذلك الفكاهي، بالإضافة إلى الزجل.". وقد تناول كتاب الدكتور محمد سالمان "ديوان البابا شنودة" الصادر عن الهيئة العامة للكتاب عام 2012، وهو الكتاب الذي ألقى الضوء على موهبة الابا شنودة الشعرية.
 
  فكتب البابا شنودة عن طهارة يوسف الصديق وعفته فى قصيدة هوذا الثوب خذيه فذكر قائلا:
هوذا الثوب خذيه         إن قلبى ليس فيه
بل   لا   أدعيه  بل     لا   أدعيه
هو من مالك أنت        لك أن تسترجعيه
 
كما كتب عن قصيدته الشهيرة غريبًا عشت في الدنيا حيث ذكر قائلاً:
غريباً عشت في الدنيا      نزيلاً مثل آبائي
غريباً في أساليبي        وأفكاري وأهوائي
غريباً لم أجد سمعاً        أفرغ فيه آرائي
  يحار الناس في الفي      ولا يدرون ما بائي
     يموج القوم في مرج     وفي صخب وضوضاء
 
وبمناسبة الصوم المقدس نذكر هنا قصيد لقداسته أنت لم تنصت - من ألحان باراباس –  حيث ذكر قائلا:
                   أنت لم تنصت إلي الحية بل      أخطأت أمي وأصغت لنداها
                   أنت لم تقطف من الجنة بل       أنت لم تقطف من الجنة بل
أنت قدوس طهور بينما            أنا من شرد في الأرض وتاها
أنت عالٍ في سماء إنما             أنا ابن الأرض أصلي من ثراها
أنت  رب   واله  وأنا             عبدك الإثم من يعصي الإلها
 
كما كتب قداسة الراحل البابا شنودة الثالث قصيدته عن عظمة الكنيسة ضد الاضطهاد والظلم عبر العصور فذكر قائلاً:
 
كم قسا الظلم عليك        كم سعى الموت إليك
كم صدمت باضطهادات       وتعذيب و ضنك
 
كم جرحت كيسوع          بمسامير و شوك
عذبوك و بنيك                 طردوك و نفوك
عجبا كيف صمدت           ضد كفران و شرك
 
هو صوت ظل يدوي        دائما في أذنيك
يشعل القوة فيك               حين قال الله عنك
إن أبواب الجحيم سوف       لا تقوى عليك
 
لست في ارض ولدت           قد ولدت في السماء
أنت من روح طهور          لست من طين وماء
أنت حق أنت قدس           أنت نور و ضياء
 
 وأخيراً،لقد رحل رمز من رموز العروبة والوطنية ..رحل بابا العرب كما عرف لدي العرب في الشرق الأوسط، واليوم وفي ذكراه السادسة 17 مارس 2018م  علينا  أن نسترجع الماضى الجميل،يوم أن ودعته مصر فى مشهد أسطورى، إلى مثواه الأخير،والحزن يخيم على أقبــــاط مصر ومسلميها. 
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع