الأقباط متحدون - وماذا عن مؤسسات الفشل ؟!
  • ٠٩:٤٥
  • السبت , ١٧ مارس ٢٠١٨
English version

وماذا عن مؤسسات الفشل ؟!

مدحت بشاي

بشائيات

٥٥: ١٠ ص +02:00 EET

السبت ١٧ مارس ٢٠١٨

صوره_أرشيفية
صوره_أرشيفية

 مدحت بشاي

في لقاء لي مع د. أحمد درويش وزير الدولة للتنمية الإدارية في العصر المباركي ، سألت الوزير  : كيف يمكن كسر حلقات توارث نظم وثقافات الفساد بين أجيال على وشك أن تغادر الدواوين الحكومية وأخرى تبدأ حياتها الوظيفية .. فكان الرد أنه ليس بمقدور الوزارة والحكومة تأهيل وتدريب صغار الموظفين لأنه أمر مكلف مادياً نظراً لأعدادهم الهائلة ، ونحن نعتمد على تغيير ثقافة القيادات ليقوموا بدورهم في نقل تلك الخبرات الجديدة لشباب الموظفين ، إلا أن ما يحدث على أرض الواقع ـ للأسف ياوزير ـ هو نقل الخبرات السيئة التي تنشر مفاهيم التواكل والسلبية والتربح واستغلال النفوذ وغيرها من ملفات التراث الوظيفي الحكومي التليد ، حتى وصل الأمر أن يصرح د. درويش ذاته في مرحلة تالية  قائلاً  "  أن 55% يدفعون الرشوة لإنهاء مصالحهم وأن 19% يرون أن الموظف لا يستحق عقوبة الرشوة نظراً لحالته المالية السيئة .."
 
أيضاً لا يمكن تصور ان الفساد والتخلف الإداري يمكن مكافحته عبر كتيبات دينية عن الرشوة والهدية في الوظيفة العمومية أو دورات تدريبية لتعليم فنون الابتسامة .. أرى أنه ليس من دواء ناجع سوى العمل وبشكل متسارع لخلق مناخ جيد للموظف لأداء عمله عبر نظم تتمتع بشفافية ووفرة في المعلومات و التعريف بمعايير تولي المناصب للأكفاء وأصحاب الإسهامات الناجحة ، ويأتي في مقدمة سبل مواجهة كل ألوان الفساد المزيد من نشر أجواء تحرض على الإبداع والتجويد ، والإثابة للمجدين ، ونشر التجارب الناجحة للاستفادة بتطبيقاتها والتعريف بآليات تحقيقها..   
 
لا شك أن فتح النوافذ ليدخل منها هواء الحرية حتى يتنفس الناس هواء متجدد أمر يبعث على الأمل في أن تتقلص مساحات العفونة وتختفي بالتدريج الروائح الكريهة التي باتت تزكم الأنوف وتمنع عن الناس حلم أن يحيوا في سكينة وهدوء وسعادة..
 
من أعظم فوائد دخول رياح الديمقراطية عندما ندعم دخولها إلى أي مجتمع أنها ستعين الناس على كشف مناطق الضعف التي تشكل تربة صالحة لنمو آليات الفساد ووجود المفسدين وتحفيز الفاسدين على مواصلة دورهم التخريبي الهادم لكل أعمدة البناء والمحبط لأمل وضع أسس معمار التقدم ..
 
وقد ترتفع أصوات تسأل ما جدوى وجود الديمقراطية وتفعيل آلياتها دون إعمال القانون وتطبيق مواده وبنوده بحسم ومساواة وعدالة معصوبة العينين ، وهنا يجب الإشارة أن التزيد في الحديث عن القانون في كل تقصيلة من تفصيلات العمل الإداري من شأنه أن يعوق حركة تدفق العمل وسيولته .. ويحكون في تاريخ دواوين الحكومة أن هناك مدير عام قام وبمجرد توليه مهام منصبه بتعظيم شأن إدارة الشئون القانونية حتى أنه حولها إلى إدارة عامة تتبعها إدارات فرعية لمتابعة التحقيقات وأخرى للتسويات القضائية وثالثة لمراقبة المناقصات والمزايدات ورابعة لشكاوى الموظفين وخامسة للرد على العملاء ... الخ ، وعليه كانت النتيجة المتوقعة لازدياد نفوذ تلك الإدارة أن صارت كل الخلافات مهما كانت بسيطة لا يمكن حلها إلا عبر المحاكم فكان إهدار الوقت والمال وتراجع آليات النمو نتيجة طبيعية لتكدس كل أوراق الإدارة على مكاتب الشئون القانونية للبت في صلاحية كل القرارات ، حتى في تعيين العمال وتصليح دورات المياه !! .. لقد استطاع هذا المدير تحقيق أقصى درجات الفشل لإحداثه حالة من الجمود وإهدار عشرات الفرص لتحقيق إدارته المكاسب المالية والإدارية ، ولم تحدث الانفراجة إلا بإقصاء ذلك المدير القانوني جداً الذي كان يردد مباهياً أنه لا يمكن لأي متابع لأعمال إدارته أن يجد ورقة واحدة غير قانونية !!
 
نعود للديمقراطية ولهؤلاء الذين يرددون أنه في الحالة المصرية ، وحيث لا ينكر جاحد أننا نعيش حالة نسبية من الانفراجة الديمقراطية فإنها لم تمنع حالة ازدياد دوائر تفشي الفساد وباعتراف الحكومة وجهاتها الرقابية ، والحقيقة إنني أرى الأمر من منظور عكسي حيث الفساد والمفسدين موجود في كل عصر إلا أن رياح الديمقراطية من شأنها وعبر ما تتيحه من تفعيل لحرية الإعلام بوسائطه المختلفة يتم الإعلان عن كل دوائر فعل الفساد التي كان يتم التستر عليها في زمن النظم الديكتاتورية القامعة بينما الفساد يتوغل ويتوغل حتى تم توريث الأجيال الحالية ما يمكن أن نطلق عليه إدارات الفساد ، ولو تم الاستمرار في متابعة الفساد في مناخ من الحرية فإننا بمكن أن نبشر بزمن مجاعات اللصوص بعد أن كنا نعيش زمن جوع البشر في ظل نظم الاستبداد .. 
 
في الليل يسرق اللصوص وفي النهار يعمل الشرفاء .. في عتمة الليل يمكن التستر على حرامية الأرزاق وناهبي الأموال العامة وفي حرارة الشمس وسطوعها يفتضح أمر المتآمرين على الشعوب ويمكن تعريتهم وتجريدهم من أثواب الخداع وألق الصور الكاذبة .. وعليه فإنه ليس من المستغرب إعلان اللصوص حربهم على حرية الصحافة واستقلال وسائل الإعلام لأن لديهم اليقين أن حرمان الأمة ومواطنيها من التعبير الحر هو إذن بمنح الحرية المطلقة لأصحاب بيزنس الاتجار بأرزاق الناس والاعتداء على كل قانون وكل مواد الدستور المنظمة لحياة البشر على الأرض الطيبة ..