اعرف قاعدتك الآمنة مع شركاء الحياة
أماني موسى
السبت ٢٤ مارس ٢٠١٨
إعداد وتقديم- أماني موسي
قالت أماني موسي ، مقدمة برنامج "صباحك قشطة" إن العلاقات التي ننسجها بشكل عام والعلاقات الشخصية والوثيقة منها بشكل خاص لا تؤثر فقط على تشكيلنا العاطفي وشعورنا بالحزن أو السعادة، ولكن تؤثر أيضًا في علاقتنا بحياتنا بأكملها، وتتحكم في مدى رغبتنا في خوض التجارب الحياتية الجديدة، وشعورنا بالأمل والتفاؤل تجاه الغد من عدمه.
العلاقات القوية والأمل
في علاقاتنا الشخصية لا يوجد أي قدر من المبالغة إذا قررنا أن قدرة العلاقة على غرس الأمل تجاه الغد في نفوس أصحابها هو حكم على مدى صحية العلاقة، فقد أظهرت الدراسات أن الأشخاص الذين يسجلون درجة أعلى من الأمل والقدرة على العمل للمستقبل يتمتعون بصحة عقلية أفضل من غيرهم، فتنخفض لديهم مستويات الاكتئاب والقلق وترتفع مستويات السعادة والرفاهية النفسية، كما أن معدلات صحتهم الجسدية أفضل من غيرهم ممن يعانون من حالات التشاؤم وفقدان الأمل وعدم الرغبة في الحياة، كذلك فإنهم يحرزون إنجازات أبرز في مجالات الدراسة والعمل والرياضة، كل تلك الأشياء تدفعنا جميعًا لأن نعمل على غرس الأمل في نفوسنا وفي بعضنا البعض، ويجعل وجود الأمل في علاقاتنا الخاصة والشخصية ليس من الترف ولا الرفاهية التي يمكن الاستغناء عنها.
وتأتي عملية خلق الأمل وتطويره تلك من خلال امتلاك “قاعدة آمنة”، ولسنا نعني بذلك قاعدة من النوع الذي يبنى على الأمان المالي أو مراكمة الإنجازات المادية التي نسعى للحصول عليها في حياتنا، فالقواعد الآمنة التي نعنيها هنا ليست من النوع الذي يُرسى بالحصول على وحدات سكنية متسعة ولا حيازة السيارات الفارهة أو مراكمة الأرصدة البنكية المرتفعة، بل هي ببساطة قواعد تتمثل في الأشخاص الموجودين باستمرار كشركاء في رحلة حياتنا، والذين يقومون بالاستجابة لنا حينما نلجأ إليهم في أوقات الحاجة، والذين يمكنهم أن يدعمونا في السعي لتحقيق أهدافنا الشخصية الخاصة والتي ربما لن تفيدهم ولن تعود عليهم بأي طائل مباشر أو غير مباشر.
اعرف قاعدتك الآمنة
ووفقًا لجون بولبي- المتبني الأول لنظرية التعلق- فإن قانون القاعدة الآمنة ينحصر في كون أحدهم متاحا، يُقدم التشجيع دومًا ويبدي الاستعدا للاستجابة عندما يُطلب منه ذلك. ويشبّه بولبي الأمر بكونه كالقواعد العسكرية التي تزود الضابط بقدر من الاطمئنان النفسي الذي يعطيه الجرأة على المضي قدمًا وتحمل المخاطر فقط لأنه واثق من أن قاعدته العسكرية توفر له الأمان والحماية ويمكنه العودة إليها في أي لحظة.
يمكننا أيضًا استخدام مصطلح القاعدة الآمنة فيما يتعلق بالأطفال، حيث إن القاعدة الآمنة بالنسبة للطفل تكون هي الشخص الذي يرتبط به ارتباطا وثيقًا، ويكون هو المصدر الذي يستمد منه الطفل الشعور بالأمن اللازم لكي يكتشف بيئته ويكتسب مهارات جديدة، وفي حالة توافر تلك القاعدة الآمنة للطفل فإنه ينطلق في أنشطته الاستكشافية دون أن ينشغل كثيرًا بالالتفات إلى قاعدته الآمنة، لأنهم متأكدون أن هناك من يقدم لهم الدعم والرعاية التي يحتاجونها، كما أن هناك من سيوفر لهم الحماية والأمان عند الحاجة إليهما، ولكن في الظروف غير الطبيعية وفي الظروف التي تحمل تهديدا بالخطر المادي أو المعنوي للطفل، فإنه يلتفت بكامله إلى قاعدة آمانه، يزداد تشبثًا بها، ولا يلتفت بعيدًا عنها منطلقًا في رحلته المهمة لتطوير نفسه.
وفي كل الأحوال فإنه من المهم أن تعرف قاعدتك الآمنة، وأن تتمسك بها وأن تتواصل مع هذا “الإنسان القاعدة” بما يزيد من متانة العلاقة وبما يتيح لك فرصة الرجوع إليه كلما احتجت إلى هذا. عبّر لقاعدتك الآمنة عن احتياجك لما يوفره لك هذا الشخص من إحساس بالأمان والثبات، وبما يمنحه لك من قدرة على التفكير في مستقبلك وفي مستقبل علاقتكما، ولا تتردد في أن تستثمر طاقتك العاطفية في هذه العلاقة كي تنمو في الاتجاه السليم.
الأمان العاطفي و الثقة بالنفس والخذلان
حينما تخذلنا قواعدنا الآمنة فإننا نتعرض لكثير من المشكلات والأزمات النفسية الحادة، فنواجه ما يمكننا أن نطلق عليه عدم الشعور بالأمان العاطفي، وهو شعور بانخفاض الثقة بالنفس، ومقاومة مستمرة للتورط في المشاعر مع كل ما حولنا حتى نحمي مشاعرنا من الأذى الذي قد طالها، بما يفرضه ذلك من الرغبة في الهروب من الدخول في أي علاقة، مقاومة التعلق بأي شخص، القسوة في الردود والفجاجة في التعامل مع من حولنا، أو أخذ رد فعل حاد بالتكبر على كل المحيطين والشعور بالفوقية تجاههم أجمعين كرد فعل دفاعي على الألم النفسي. تلك الأفعال التي يمكنها أن تتطور لترتقي لدرجة الأمراض النفسية الخاصة بالتعامل مع المحيطين وهي المرحلة التي يجب أن يلتفت الشخص خلالها لنفسه ويسأل نفسه إن كان قادرا على تخطي مشاعر الخذلان وما خلّفته من ألم وعطب بداخله، أم أن عليه أن يعترف بالاحتياج إلى مساعدة متخصصة من طبيب معالج يصحبه في رحلة الخروج الآمن من ألم ما بعد الخذلان.