بقلم: القس سامي بشارة
لقد هلل العالم واستبشر خيرًا وامتلأ تفائلاً بهذا الوافد الأسود على البيت الأبيض وهذا الحالم الآتي من مجاهل إفريقيا الجوهرة السوداء، ونظر الجميع إليه على أنه المهدي المنتظر أو فلك نوح الذي يرفرف بحمامة السلام، ولقد رفع شعار "التغيير" وها هو يغازل العالم الإسلامي ويدغدغ مشاعره الدينية الملتهبة المتقدة بحرارة الصحراء فهل تتحقق الأحلام؟ وهل يحدث التغيير؟ وهل يبدأ العالم بداية جديدة؟، أنا لست متفائلاً من الحل البشري أو من التغيير الذي ننتظره من ذراع البشر أو من أي بداية خارج عمل نعمة الله في الإنسان.
عندما أكون مريضًا فأنا أحتاج إلى طبيب لا إلى قراءة كتاب عن الطب، وعندما أكون متهمًا في المحكمة فأنا أحتاج إلى محامي لا إلى الإطلاع على كتاب في المحاماة، وعندما تأتى لحظة الموت فأنا أحتاج إلى شخص يعبر بي هذه اللحظة إلى بوابة الأبدية ويموت بدلاً عني دافعًا ثمن خطيتي وذنبي، إلى حي يأخذ موتي ويعطيني حياته، وهذا ما قدمه ويقدمه يسوع المسيح عندما أحبني وأسلم نفسه لأجلي.
ولطالما نادى وينادي الكثيرون على مستوى الفرد والدول بالتغيير Change We Need، منهم من قدم برنامجًا للتغيير ومنهم من قدم مقترحات للغيير ومنهم من قدم نظريات للتغيير ومنهم من نادى بالإصلاح الإقتصادي والإجتماعي ومنهم من نادى بالثورة على الواقع ومنهم من نادى بالغيير لمجرد التغيير ومنهم من رفع شعار التغيير وبقى مجرد شعار ولم يغير شسء ومن نادى بلأن التغيير بالدين هو الحل ولم يقدم كيفية الحل أو كيف يحدث التغيير؟ ومنهم من لأصدر قرارات ولم تُنفّذ أو تفعّل، فهل حقا نريد التغيير؟ Change We Want وكيف يحدث التغيير الحقيقى؟ How We Do Change? حتى لا يكون مجرد شعار بل قرار.
في واقعي اليومي يوجد شخص فريد يمكنه أن يغير واقع حياة الأفراد والأمم كما يمكنه أن يغير حياة الواقع للأمم والأفراد هنا والآن، هو شخص له قدرة خارقة وطبيعة فائقة قدم الحل الأمثل للخطية ألا وهو الصليب، أذكر عندما جاء الشيطان ليجرب السيد المسيح على جبل التجربة قدم له حلولاً كثيرة كانت كفيلة بحدوث تغيير كبير في حياة وخدمة السيد منها الحل الإقتصادي والحلم بالرخاء بأن يصيّر الحجارة خبزًا، ولكن المسيح رفض ادعاء إبليس بأن ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة من الله، ثم قدم إبليس السلطة على أنها الحل السياسي لمعاناة الجسد المادية وأيضًا رفض السيد هذا السلطان المزعوم، وأيضًا أراد الشيطان أن يغري السيد المسيح بحل مُغلف بإطار ديني عندما أراد أن يقدم يسوع له العبادة والسجود في مقابل الزعامة الدينية باستعراض القوة المعجزية واستخدام السلطة الدينية، وفي كل ذلك تمسك حمل الله الذي يرفع خطية العالم بالحل الإلهي لمشكلة الإنسان ألا وهو الصليب وثبت عينيه على أورشاليم، التغيير مطلوب وكلنا نحتاج إليه لكن السؤال هل تُصلح السياسة ما أفسدته الخطية؟ وكيف؟ هل كل حاجة الإنسان إلى اقتصاد منتعش ومستقر ليشعر بالأمان؟
إن حاجة الإنسان كما الدول إلى رسالة الخلاص وإلى عمل الفداء وإلى المحرر الأعظم، إن الإمبراطوريات تموت كما تموت أصغر ذبابة وتنذوي كما تنذوي الريح العاصفة، وإن كل أفكار التحرير تحتاج إلى عقود لكى تحقق كما حدث مع مارتن لوثر كنج محرر السود في أمريكا بلد الحرية عندما رفع شعار I have a Dream وتحقق الحلم في قرن آخر، وأفكار المهاتما غاندي في الهند الكفاح السلمي وثورة الملح التي احتاجت إلى سنين، وأفكار ابراهام لينكولن محرر العبيد احتاجت إلى عقود من الكفاح والنضال، ولكن ما يقدمه يسوع يمكن أن يحدث في لحظة ويستمر العمر كله عندما يتوج على عرش القلب ويجلس إلهًا مشيرًا قديرًا على عرش أكبر الإمبراطوريات أبًا أبديًا رئيس السلام، إن ما يقدمة السيد المسيح هو بمثابة رسالة بشرى للمساكين ورسالة شفاء للمنكسرين ورسالة إطلاق للمأسورين ورسالة إبصار لغير المبصرين ورسالة حرية للمقيدين ورسالة قبول للمنبوذين ورسالة صداقة للمهمشين، إذ يقول تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم فأنا هو الطريق والحق والحياة من آمن بي ولو مات فسيحيا.
إن التغيير الذي نحتاجه هو إلى المسيح وإن التغيير الذي نريده هو إلى صليب المسيح، وإن التغيير الذي يتحقق هو ما يقدمه المسيح لنا في واقع الحياة اليومية بعيدًا عن تجاذبات السياسة وألاعيب الساسة في أن تقول ولا تفهم وأن تعد ولا تفي وقدرتهم على التلاعب بالكلمات التي تدغدغ مشاعر الجماهير، لقد قاد السيد المسيح ثورة على الحياة عندما قدم الحياة على صليب الجلجثة وقدس جسده قربانًا للخطية وهزم الشيطان بالنقاط خلال مسيرة الحياة اليومية وهزمه بالضربة القاضية على مذبح الجمجمة وهزم الموت وكسر شوكته بقيامته الهادية، إن تطلع العالم ولا سيما شريحة الشباب لا يعد أكثر من التطلع إلى بطل أو نموذج أو قدوة في وقت قل فيه الأبطال وندرت فيه النماذج وانعدمت فيه القدوة كما كان في أيام حكم الفراعين الطغاة والحكام المتشبثين بالعروش حتى الموت لدرجة أنهم يحولونها إلى نعوش يدخلون به أبواب القبر، والصورة الأقرب هي في أيام يوسف بن يعقوب صاحب الأحلام فقد كان في نظر المصريين وآل يعقوب والعالم آنذاك مخلص العالم من الجوع والفقر والضعف والعبودية، وهذه صورة حاضرة في عالمنا اليوم بأكثر قوة وأكبر حظوة، وشتان الفرق بين التغيير الذي قاده يسوع المسيح مخلص العالم من الخطية والموت ومن سلطان إبليس وبين يوسف أو أوباما أو لوثر كنج أوغيره، فهم مجرد شعاع من كوكب الصبح المنير ومجرد طيف من قوس قزح رمز العهد الجديد ومجرد خطوة على الطريق ويبقى يسوع الطريق، ومجرد حرف من كلمة الحق ووحده يسوع الحق الحقيقي ومجرد نفس من شهيق وزفير الحياة وفقط يسوع معطي الحياة، ومجرد مبشرين يرسلهم أمير السلام وليس غيره يسوع مانح سلام الله الذي يفوق كل عقل.
كلنا نحتاج التغيير هكذا رفع الحزب الديموقراطي الأمريكي شعار المرحلة القادمة ليس لأمريكا فقط بل للعالم، ولنا فيما يحدث للإقتصاد الأمريكي عبرة ولنا فيما حدث للإمبراطوريات العظمى مثال، فالأفراد يتبدلون والحكام يتغيرون ولكن يسوع هو هو أمسًا واليوم وإلى الأبد.
والسؤال محك البحث الآن هل نريد التغيير؟
من المعروف في علم السياسة أن التغيير يحتاج إلى إرادة سياسية وهي الأهم لتحقيق الشعارات الإعلامية الدعائية، فالمجيع يريد حل قضية الشرق الأوسط وهناك حلول مقدمة ممكنة لكن هل توافرت الإرادة للحل؟
الإجابة حتى الآن لا، أيضًا الإرادة مهمة في الحياة الروحية فلقد كان السؤال الذي يطرحه يسوع المسيح على معظم من رغب في مساعدتهم وأراد أن يغييرهم روحًا وجسدًا ونفسًا: أتريد أن تبرأ؟ فهل نريد التغيير؟ هل عندنا إرادة حقيقة ليغير الله ما بأنفسنا؟ إن الطلب الآن تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم لتختبروا إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة (رومية 12 : 2)، وآن الأوان الآن لندع يسوع لكي يجري هذا التغيير وللروح القدس ليمنحنا إرادة التغيير ولكلمة الله أن تجدد أذهاننا لنسلك طريق التغيير، " لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا لأجل المسرة" (في 2: 18).
إن الإرادة الشخصية مهمة جدًا للتغيير كما أن الإرادة السياسية مهمة لقيادة التغيير وكما كانت الإرادة الشعبية دائمًا رائدة التغيير عبر التاريخ النبيل، فيا ليت لنا هذه الإرادة لنفول "الآن أقوم وأرجع إلى أبي وأقول له أخطات إلى السماء وقدامك ولست مستحقًا أن أدعى لك ابنًا بل اجعلني كأحد أجراك" (لو 15 : 19)، "الأشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديدًا" الكل جديد الإرادة والفكر, القلب واللسان, الفرد والدولة, الحاكم والمحكومين, الراعي والرعية.
التغيير الذي نحتاجه ونريده ليس مجرد شعار على طريقة الأحلام الأمريكية، فمعروف عن الولايات المتحدة أنها أرض الأحلام منذ نشأتها، ولكن ليست كل الأحلام يمكن أن تُحقق، فالواقع يحتاج إلى الجهد والعرق ويحتاج إلى إعمال العقل وحسن التخطيط حتى تتحول الأحلام إلى واقع والواقع إلى أبدع وأمتع من الأحلام، الحياة قرار والحلم قرار والحب قرار والحكمة قرار فحياتنا ما هي إلا مجموعة قرارات اتخذناها عبر مراحل العمر المختلفة، وما نحياه الآن ما هو إلا ترجمة لقرارات اتخذناها بالأمس وما سوف نعيشة في المستقبل إن الرب وعشنا هو ما نقرره اليوم، حتى معرفتنا لله والعيشة معه كان يومًا بقرار اتخذناه لأننا اكتشفنا أننا لا نستطيع أن نحيا بدون الله، فما أجمل أن نحيا في مشيئة الله، هذا هو أجمل وأكمل تغيير صنعه الله معنا وفينا، لأن هذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته (يوحنا 17 : 3).
إن النموذج والمثال الذي يقدمه يسوع هو نموذج حياتي واقعي يمس الإنسان العادي ويلمس احتياج الفرد في مفردات المواقف اليومية، وأهم ما يميز النموذج اليسوعي أنه نموذج حقيقي ليس مبالغ فيه أو مثالي أو خيالي بل يمكن أن نراه بعيوننا ونشاهده بأبصارنا ونلمسه بأيدينا، لأننا ببساطة اختبرناه وجربناه وعشناه وتحققنا منه، فهو تغيير يمكن أن يُعاش وحياة يمكن أن تُستوعب، لأنه في بساطته يُعلن أن يسوع يقدم نفسه ويبذل ذاته ويكسر جسده ويعطي محبة عميقة عمق محبة الله لنا وصادقة صدق الله وثابتة كثبوت الله ليس مجرد أفكار أو حماسة أو نظريات أو عقائد بل حياة تبدأ وتنمو وتنضج وتكبر ولا تشيخ أو تموت أو تنتهي، فهو ميراث لا يفنى ولا يتدنس أو يضمحل خالدة خلود الله ودائمة أبد الدهر كديمومة وسرمدية الله الأزلي الأبدي، إن الله في يسوع هو كمال المحبة وهو المحبة في كمالها وإن مشكلة الإنسان هي الخطية وحل الله للخطية هو في يسوع ابن محبته وهو ثورة التغيير ونبتة التنوير التي يقدمها الله لعالم الإنسان لكى يكون التغيير بحق وحقيق إلى صورة الله في وجه يسوع المسيح وهو وحده من يصنع هذا التغيير، فهل تحتاج التغيير؟ وهل تريد التغيير؟ خذ قرار بقبول يسوع والتغيير الذي يصنعه يسوع.
وبعد أكثر من مائة يوم من حكم أوباما وأعتقد أنه حتى لو حكم أمريكا رئيس مسلم من السبعة مليون أمريكي مسلم سيقول نفس الكلام الذي قاله أوباما المسيحي في الإيمان والمسلم في معظم اقتباساته وفي فترة من تاريخ حياته وفي استدعائه لتاريخ الأندلس إبّان الحكم الإسلامي، فهو يشبه كثير من مسيحيي الشرق الأوسط الذين يعيشون بقلب مسيحي وثقافة إسلامية تخلق نوعًا من الازدواجية، على العرب والعالم الإسلامي أن يدركوا أن التغيير يأتي من الداخل وأن الغرب قام على الديموقراطية وحرية العقيدة وقبول الآخر والتعددية واحترام الأقليات وحرية المرأة ونبذ العنف والتنمية الإقتصادية، وأن تكون الحكومات في خدمة شعوبها وتداول السلطة وتقديس العمل ومقاومة الإرهاب وحق الجميع في حياة كريمة ويبقى الدين لله والوطن للجميع، وعلى العالم الإسلامي أن يسعى إلى التقدم وبناء الحضارة الإنسانية وأن ينبذ الكسل والكذب والتدين الشكلي ويضع المواطنة حجر أساس لقبول الأقليات.
وعلى أقباط مصر أن يندمجوا في الحياة والسياسة ويعملوا على إثبات وجودهم في الداخل كما فعل اليهود والمسلمين في أمريكا، وإن التغيير والبداية الجديدة يمنحها الرب يسوع وإن الألم الذي هو هبة من المسيح هو لبثمن الذي وعدنا به الكتاب المقدس بصفتنا ملح للأرض ونور للعالم.