الأقباط متحدون - نماذج نسائية مشرفة (4)
  • ١٦:٠٧
  • السبت , ٣١ مارس ٢٠١٨
English version

نماذج نسائية مشرفة (4)

مقالات مختارة | بقلم طارق عباس

٤٧: ٠٤ م +02:00 EET

السبت ٣١ مارس ٢٠١٨

طارق عباس
طارق عباس

من النماذج النسائية المشرفة التى لا يمكن أن تمحى من ذاكرة العرب والمصريين الأديبة الكبيرة مى زيادة، وهى كاتبة لبنانية، عشقت الأدب منذ نعومة أظفارها وتنسمت عطره، أمضت حياتها فى التعلم والإبداع والمشاركة فى المنتديات الأدبية والتواصل مع الثقافات العربية والغربية قديمها وحديثها.

قيل إنها أتقنت تسع لغات أجنبية منها: «الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية والإسبانية واليابانية» واحترمت اللغة العربية أعظم احترام، فأجادت آدابها ودرست علومها وجعلت من قلمها مدافعاً عن قضايا الشرق ونزعاته الدينية والوطنية.

كان بيتها بمثابة قبلة يقصدها المثقفون من العلماء والأدباء والشعراء ورجال الفكر والسياسة، يتناقشون ويتحاورون ويتشاورون فى الأمور الحياتية المختلفة وأهم المؤثرات فى آليات دورانها (109).

وُلِدَت مى زيادة بـ«الناصرة» فى فلسطين، ونشأت وتربت فى لبنان ثم بدأت مشوارها الأدبى بمجرد أن نزلت إلى مصر مع أبيها الذى جاء للقاهرة مديراً لمجلة «المحروسة» سنة 1904 (110)، حظيت باحترام معاصريها وباهتمامهم، وممن تردد على صالونها الأدبى: «أحمد لطفى السيد، دكتور طه حسين، إسماعيل صدقى باشا، مصطفى صادق الرافعى، خليل مطران، عباس محمود العقاد» وغيرهم (111).

قال عنها مصطفى عبد الرازق: (مى زيادة أديبة جيل، كتبت فى الجرائد والمجلات وألفت الكتب والرسائل والخطب والمحاضرات، وجاش صدرها بالشعر أحياناً، كانت تعقد للأدباء فى بيتها مجلساً معيناً لا لغو فيه ولا تأثيم، ولكن حديث مـثـيـر وسـمـر حـلـو ونـقـاش تـتـبـادل فـيه الـحـوارات فى غـير جــدل ولا مراء) (112)، وقد وصف إسـمـاعـيـل صـدقـى باشا مجلسها ببيتين شعريين لطيفين قال فيهما:

روحـــى على بعض دور الحى حائمة كـظـامـئ الـطـيـر تـواقـا الى الـمـاء

إن لــم أُمـتِـع بــمـــىٍّ نــاظــرىَّ غــدًا أنكرت صبحك يا يوم الثلاثاء (113).

من فرط تأثير مى على خارطة الفكر الـعـربى وأذواق الــنـاس، وُضِعَ حولها الكثير من المؤلفات التى تتناول توجهات الأديبة وإسهاماتها الفنية ومدى تأثير شخصيتها على إبداعها الذاتى وعلى الـمحـيـطـيـن بها، من أشهر تلك المؤلفات: «حياة مى لمحمد عبد الغنى حسن، مى فى حياتها المضطربة لجميل مطر، مـحـاضرات عن مـى وتـأثـيـرهـا عـلـى رائـدات الـنـهـضـة الـحـديثة للدكتور منصور فهمى» (114).

بدأت مى زيادة مشروعها الأدبـى بالـكـتـابـة فى جـريـدة «الـمحروسة» ومجلة «الزهور» (115)، وبعدها ألفت وترجمت العديد من الكتب، ففى سنة 1910 أصدرت أول كتاب لها تحت عنوان: «أزهـــار حــلــم» وكان باللغة الفرنسية، وفى 1920 أصدرت كتاباً آخر هو: «باحثة البادية» وتناولت فيه شخصية «ملك حفنى ناصف» ونظريتها الاجتماعية وعلقت على تلك النظرية بتعليقات مهمة كان لها أبعادها فى مناصرة المرأة العربية، ثم توالت الكتب مثل:

«كلمات وإرشادات، سوانح فتاة، المساواة، الصحائف، ظلمات وأشعة»، وكذلك ترجمت مى زيادة عن الألمانية: «ابــتسامات ودموع» سنة 1911، وعن الإنجليزية كتاب «حــب وعـــذاب»، وكان عام 1925 وعن الفرنسية كتاب «رجوع الموجة» سنة 1925 (116).

حاولت مى فى مؤلفاتها أن تؤكد على أنها ابنة الشرق العربى، المخلصة له ولأبنائه، تطمح لهذا الشرق أن يواكب التطور الحضارى دون أن يؤثر ذلك فى طبيعة الشخصية الشرقية، كما تريد للمرأة العربية أن تحصل على كافة حقوقها وتتحرر من داخلها حتى يحررها الرجل، فالمرأة إذا لم تستطع أن تنصف ذاتها فلن ينصفها الآخرون، لقد جعلت مى من نفسها نموذجاً نسائياً يُحتذى، عندما انضمت للحركة النسائية التى كانت تقودها «هدى شعراوى» ثم شاركت فى الاجتماعات التمهيدية لإنشاء الجامعة المصرية القديمة وحرصت على أن تسجل آراءها فى الحكم وطريقة الحكم وعلاقة الحاكم بالمحكوم.

بعـد أن رحل والدا مى عن الحياة، أصيبت بصدمة كبيرة، زادت بوفاة جبران خليل جبران الذى كانت تحبه حباً جما، رغم أنهما لم يلتقيا إلا عبر الرسائل التى كانت متبادلة بينهما، هنا شعرت مى بالوحدة وغلبها الحزن فاعتزلت الناس وانقطعت عن الكتابة وعن التأليف؛ حتى غلبها الخوف والوسواس وأصابها الاضطراب العقلى سنة 1936، والذى تسلط عليها مدة عامين ثم تعافت منه لكنه عاودها مرة أخرى وتسبب فى وفاتها فى 19 أكتوبر 1941.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع