الأقباط متحدون - هل جدلت السعف بالأمس؟
  • ١٤:٣٤
  • الثلاثاء , ٣ ابريل ٢٠١٨
English version

هل جدلت السعف بالأمس؟

مقالات مختارة | فاطمة ناعوت

٠٦: ١٠ ص +02:00 EET

الثلاثاء ٣ ابريل ٢٠١٨

فاطمة ناعوت
فاطمة ناعوت

عزيزى القارئ، هل تجوّلتَ فى شوارع مصر، أمس الأحد، ولاحظتَ عيدان السعف الخضراء مع الباعة فى كل مكان، تنتظر أن يجدلها الجادلون؟ هل ابتسمتَ وأنت تشاهد الصبايا يعتمرن على رؤوسهن التيجان المجدولة من السعف، ويضعن الخواتم والأساور وزهرات اللوتس، ثم لوّحت لهنّ من سيارتك مبتسمًا وأنت تقول: «كل سنة وأنتم طيبين يا حبايبى، وكل حد زعف وأنتم بخير وفرح؟» هل ركنت السيارة جانبًا ونزلت لتشترى بعض عيدان السعف لأطفالك حتى يجدلوها ثم يهدوها إلى أصحابهم المسيحيين، كما كنا نفعل فى طفولتنا؟ إن كانت إجاباتك بالإيجاب، فأنت إنسان نقىٌّ نظيفُ القلب غير مُدنّس الروح.

أمس الأول السبت، كنتُ قد انتهيتُ من صالونى الشهرى بمكتبة مصر الجديدة، ودخلت إحدى الصيدليات فى روكسى لأشترى دواءً للسعال وخافضًا للحرارة. وجدتُ الصيدلانى الشابَّ جالسًا يجدل عيدان سعف على شكل زهرة لوتس كبيرة. وزميله الصيدلى الآخر جالسًا يرقبه ويتسامران. بعدما أخذتُ احتياجاتى عرفتُ أن جادل السعف هو د. عدلى حلمى، والمراقب هو د. طه فؤاد. وأن الأخير هو الذى اشترى عيدان السعف لصديقه المسيحى، ليجدله تعويضًا له عن عدم ذهابه للقداس من أجل خدمة المرضى. هذان شابّان نظيفان أُحسِن تربيتهما.

وأنا طفلة، فى مثل هذه الأيام الربيعية، كنا نجمع عيدان السَّعف، ونتبارى فى جدلها لنصنع أشكالا جميلة نعلّقها فى غرفنا أو ندسّها تحت «بلورة» مكاتبنا، حتى تجفَّ. ونحن صغار، أيام الزمن الجميل، لم يكن يعنينا إن كان هذا عيدى أم عيدك! لم تدخل معاجمنا كلماتُ الفُرقة: مسلم- مسيحى. كنّا نفرح معًا ونلعب معًا ونحتفل بأعيادنا معًا؛ لأن مصرَ الطيبةَ تجمعنا معًا، وقبل هذا تجمعنا الإنسانيةُ الواسعة. العقائدُ شأنُ الله، وكنّا نتأدبُ مع الله ولا نأخذ مكانه فلا نُدين لكيلا نُدان. وكنّا ندرك أننا جميعًا نعبد إلهًا واحدًا، لأن لهذا الكون ربًّا واحدًا، كلٌّ يراه عبر منظوره، ففيمَ الخلاف؟!

أصدقاؤنا المسيحيون صائمون منذ خمسة وخمسين يومًا، يرفعون أياديهم إلى السماء ضارعين بالدعاء لكى يحمى اللهُ مصرَ ونيلَ مصرَ وشعبَ مصرَ من كل شرّ، كما ندعو لها فى صلواتنا وصيامنا وتهجدنا. يدعون لنا بالبركة والرغد، ويدعون بالخير والغفران حتى لمن أساء إليهم، متذكرين محنة السيد المسيح عليه السلام وهو يمشى على طريق الآلام رافعَ الرأس عزيزَ النفس بريئًا من الخطايا، من باب الأسباط حتى كنيسة القيامة، فى مثل هذا الأسبوع من ألفى عام، حاملاً صليبَه الخشبىَّ الهائل، وحاملاً آلامه وجراحه ودماءه الطاهرة ورجاءه فى خلاص البشر من شرور العالم، واضعًا إكليلَ الشوك على جبينه الوضىء النقىّ من الدنس، يقطرُ منه الدمُ المقدس الطاهر. وحين ظمِئ، قدّم له جندُ اليهود والرومان كأس الخلّ كى تخفَّ آلامه قليلا، لكنه رفض أن يحتسيه كى يتجرّع الألمَ إلى منتهاه، لقاء قوله الحقَّ فى وجه سلطان جائر. ثم قام بتعزية المريمات وصبايا أورشليم المنتحبات عليه، طالبًا إليهن أن يبكين على أنفسهن لا عليه.

أمس الأحد هو عيد الشعانين أو أحد الزيتونة أو أحد السعف، حيث يبدأ «أسبوعُ الآلام»، حسب الأدبيات المسيحية. وفيه يحتفل المصريون بجدل سعف النخيل تذكارًا لدخول السيد المسيح، عليه السلام، إلى مدينة القدس الشريف، حيث استقبله أهلُها بأغصان الزيتون وجدائل السعف وأغصان الأشجار، وفرشوا ثيابهم تحت قدميه الشريفتين ليسير عليها مُكلّلاً بالمحبة والنصر، كما يليق برسول السلام والمحبة الذى جاء ليعلّم الناسَ كيف يغفرون للمُسىء وكيف يُحبّون العدوَّ من بنى الإنسان وإن آذاهم، فيتضامنون معه من أجل محاربة عدو البشرية الأوحد، عدو الخير، الشيطان.

بدأ أسبوع الآلام الذى سوف ينتهى بعيد القيامة المجيد الأحد القادم، راجين من الله قيامة مصر العظيمة الخالدة وإشراقها بالجد والعمل الحقيقى والعلم، ومن قبل كل هذا، بالوحدة الحقيقية بين أفراد هذا الشعب العظيم، وعدم الشتات الذى يرجوه لنا ويخططه أعداءُ مصر وخصوم الجمال والحياة. كل سنة وأقباط مصر مسلمين ومسيحيين بخير وفرح وأمان ومحبة، ومصر فى حرية وأمان وتحضّر.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع