الأقباط متحدون - رحلة «التقديس» بين الدين والسياسة
  • ٠١:٢١
  • الثلاثاء , ٣ ابريل ٢٠١٨
English version

رحلة «التقديس» بين الدين والسياسة

مقالات مختارة | سحر الجعارة

٠٧: ١٠ ص +02:00 EET

الثلاثاء ٣ ابريل ٢٠١٨

سحر الجعارة
سحر الجعارة

(المسيحيون لن يدخلوا القدس إلا يداً بيد مع أشقائهم المسلمين).. هكذا قرر البابا «شنودة» الثالث، رحمه الله، ومجمعه المقدس منع زيارة مدينة «القدس» عام 1980، عقب اتفاقية «كامب ديفيد»، وأصبح «حج الأقباط» مؤثما بأمر المؤسسة الدينية.. لكن بعض المسيحيين قرروا كسر «التابو» وذهبت رحلات حج إلى المسجد الأقصى خلال حياة البابا «شنودة»، وجاهر بها البعض.

كان البابا «شنودة» رجلا حكيما عظيما في وطنيته، وكان يتمتع بذكاء خارق فانحاز للوطن على حساب مشاعر المسيحيين، بل المسلمين أيضا.. فلمن لا يعرف هناك عادة تسمى «تقديس الحج»، وتعود إلى زمن الدولة العثمانية عندما كانت زيارة المسجد الأقصى ركناً أساسياً اعتاد الحجاج على القيام به في رحلة العودة بعد انتهاء موسم الحج، فهو عرف اجتماعي ترسخ مع الوقت لربط المسجد الأقصى بركن الإسلام الأعظم، وبالمسجد الحرام والمسجد النبوي.

لكن الحج إلى المسجد الأقصى يصطدم –عادة- بحائط «التطبيع»، فحين يختلط الدين بالسياسة تصبح الرؤية ضبابية، والمساحة بين ما هو مسموح «دينيا» وما هو محظور «وطنيا» رمادية.. وتصبح المسافة بين الحق في «الحج» وبين «التمرد» على سلطة الكنيسة مفخخة بكل دعاوى العصيان وطعنات الخيانة الوطنية!.

وربما كانت زيارة البابا «تواضروس» الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، إلى القدس للمشاركة في جنازة الأنبا «أبراهام»، مطران الكرسى الأورشليمى الراحل.. مدخلا لفتح ملف «التطبيع» مجددا.

فخ التطبيع لم يسلم منه أحد، سواء من رجال السياسة أو الفن أو الدين، وهو في نظر الشارع المصرى تهمة تلحق «العار» بمرتكبها، من «السادات» إلى «توفيق عكاشة».. لكن يظل السؤال: هل سفر المواطن العادى إلى «القدس» بهدف الحج يعد تطبيعا أم كما يراه البعض دعما للقضية الفلسطينية؟.

بداية هذا التساؤل لن يوقف آلاف المسافرين في رحلات الحج التي انطلقت بالفعل لقضاء «عيد القيامة المجيد» بمدينة «القدس»، ولن يمنع قلوب المسلمين والأقباط من أن تهفو إلى زيارة المسجد الأقصى.. ولن يحول ما هو «شخصى» إلى قضية قومية!.

ورغم انخفاض أعداد أفواج الأقباط إلى القدس هذا العام لـ«التقديس»، بمقدار 20% عن العام الماضى، وذلك بسبب الظروف الاقتصادية التي تمر بها مصر والتى أثرت بالسلب على نسب الإقبال، فضلاً عن التخوف من نشوب أحداث عنف أثناء الحج بسبب الصراع الفلسطينى الإسرائيلى بالمدينة التاريخية، إضافة إلى التداعيات السلبية لقرار الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» باعتبار «القدس» عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، ما أدى لعزوف أعداد ليست بالقليلة من الأقباط عن السفر هذا العام.. لكن اللافت للنظر أن جهات تابعة للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، لأول مرة، رحلات للتقديس رغم سريان قرار المجمع المقدس بمنع سفر الأقباط للقدس!.

لقد أصبحت رحلة «التقديس» تحمل كل المتناقضات في مصر، فالكنيسة الأرثوذكسية بمجمعها المقدس تتمسك وحدها بمنع الزيارة، بينما تقف الكنيستان «الكاثوليكية والإنجيلية» في خانة المؤيدين لها ويرون أن وصفها بـ«التطبيع» نوع من الظلم للشعائر المسيحية المقدسة.. لكن المؤكد أن «الحرمان الكنسى»، الذي أعلنته الكنيسة لم يُفعل، وسافر الآلاف دون أن يقع عليهم الحرمان الكنسى!.

وهناك آراء كثيرة تخرج من «فلسطين» لتطالب بزيارة القدس لإحياء المدينة بالزوار العرب والمسلمين، في مواجهة الإجراءات الإسرائيلية المتلاحقة لتهويد المدينة.. في مقدمة هؤلاء يأتى الرئيس الفلسطينى «محمود عباس».. لكن في المقابل سنجد أن زيارة الدكتور «علي جمعة»، مفتي مصر سابقا، للقدس عام 2012 أثارت مشاعر الغضب في أوساط الأزهر الشريف ودار الإفتاء، وكذلك على الساحة السياسية، وتصاعدت المطالبات بإقالته من منصبه آنذاك .

واعتبر البعض تصرفه اعترافاً من مرجعية دينية عليا بولاية الاحتلال على الأماكن المقدسة في فلسطين.. واتهمه طلاب جامعة الأزهر في تظاهرة بالخيانة لأنه صلى في المسجد «الأقصى الأسير»!.

وبغض النظر عن قناعاتى الشخصية، التي تكونت على أرضية سياسية، فلا يحق لأحد الحكم بالإعدام الأدبى على من تهفو روحه للصلاة في «كنيسة القيامة».. فأحكام السياسة غير قابلة للتطبيق على المشاعر الدينية والروحية.

قد تستخدم «إسرائيل» الحج المسيحى كورقة تضرب بها الوحدة الوطنية، وقد يحلو للبعض إشعال الفتنة في موسم الحج المسيحى.. لكن يبقى لقب «مقدس» هو الأحب إلى نفس كل مسيحى.

كلماتى السابقة ليست تبريرا لزيارة «القدس» ولا تجريما لها، فقط من يشعر بالسلام الداخلى وهو يتخذ قرار السفر إلى إسرائيل، ويتصالح مع وجدانه وضميره حين يستجيب للنداء الدينى بداخله، يجب عليه ألا يلوم المجتمع الغاضب الذي يرى أنها «زيارة محرمة» من زاوية «سياسية» لا تعترف بالمشاعر الدينية!.
نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع